حتى لا تقع في فتنة النساء
في زمن العولمة الغربية، ازدادت دواعي الفتن، ولا يزال الإعلام العالمي يطوف بسمومه على المجتمعات من خلال وسائله المبهرجة فيسقط على إثرها ضحايا من الشباب والفتيات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في زمن العولمة الغربية، ازدادت دواعي الفتن، ولا يزال الإعلام العالمي يطوف بسمومه على المجتمعات من خلال وسائله المبهرجة فيسقط على إثرها ضحايا من الشباب والفتيات .. ولا تكاد تجلس في مجلس إلا وتأتيك الأخبار عن منهزمين أمام شهواتهم، هذا بالمخدرات، وذلك بالمسكرات وآخرين في أوحال الرذائل والفواحش والملهيات.
ولعل من أعظم الفتن التي يواجهها جيل الشباب في هذا الزمان فتنة النساء، ومصداق ذلك ما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «ما تركت في الناس بعدي فتنة أضر من النساء»،
قال ابن حجر: ويشهد له قول الله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة} الآية. فجعلهن من حب الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع، وذلك لعظيم خطرهن وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). ولا زالت الأيام تأتي بصور متنوعة لفتن الشباب بالنساء، ومن ذلك:
1. المتبرجات في القنوات التلفزيونية، ومع توفر الأطباق الفضائية تيسر للكثيرين النظر في مفاتن اللحوم العارية.
2. تكاثر المجلات والجرائد التي تتاجر بصور الجميلات المتبرجات تبرج الجاهلية.
3. المواقع الخليعة والإباحية والتي يصل إليها مستخدموا الإنترنت بطريقة أو بأخرى.
4. كثرة خروج الفتيات المراهقات إلى الأسواق المختلفة، والمجاهرة بالملابس الضيقة والمكياج والنقاب أ, اللثام الذي يزيد من الإغراء والافتتان.
5. المهاتفات والمعاكسات. وشيوع ذلك بكثرة بعد توفر أجهزة الجوال الخاصة والتي صارت فرصة للاتصالات الخفية بين المراهقين والمراهقات.
6. توفير الرحلات إلى الأماكن السياحية والتي نضج بالخلاعة والمهرجانات المختلفة.
7. كثرة الأغاني الماجنة والتي قد تكون من أفواه من يطلق عليهن (المطربات) ولا شك أن واحدة من هذه الصور تكفي للفتنك بالشباب. فكيف إذا اجتمعت عليهم كلها أو أغلبها؟
والمتأمل للواقع يعلم علم اليقين أن عواقب هذه الفتنة وخيمة وخطيرة ولا تود الاستطراد في عرض قصص مآسي أولئك العاشقين. فقد تداولها الناس وعرفوها .. ولكن أين المعتبر؟ ولعل من أبشعها.
شاب ينتصر ويهاجر من بلاده الإسلامية من أجل الزواج بفتاة قسيسة نصرانية لا تخفى دعوتها لدينها.
وشاب يسجد لفتاة من المومسات البغايا بعد أن طال انتظاره لها.
وشاب ينتحر ويُهلك نفسه لأنه مُنع من الزواج بحبيبته.
وآخر يزني بزوجة لجاره أو لصديقه أو لأخيه!!
وغير ذلك الكثير من المآسي التي ما كان هؤلاء يظنون أنهم سيصلون إليها في يوم من الأيام.. ولكنها الفتنة العمياء !!
وأكثر الشباب الغافل يزعم (الحب البرئ) أو (العشق لمجرد التسلية)، فإذا بالصحب تتكشف عن تجاوزات شرعية وأمراض نفسية وصحية وفواحش لا يعلمها إلا الله.
أخي الحبيب...
تأمل في حال من تراه ممن ابتلي بفتنة النساء، وانظر بعين البصر والبصيرة كم هي المفاسد التي حصلها هؤلاء؟ ستجد من ذلك أنهم !
1. استكثروا من السيدات: فلقد تجاوزوا حدود الله ورسوله فأدمنوا النظرة المحرمة والسماع المحرم وتساهلوا في الخلوة بالأجنبية، ومنهم من زاد على ذلك بالوقوع بالفاحشة التي يهتز لها عرش الرحمن العظيم بشاعتها.
2. وأضاعوا رجولتهم: فإن الرجولة ليست بتوفر خصائص الذكورة فحسب، بل بالتخلق بأخلاق الرجال، وأين الرجولة من ذئاب بشرية يتسكعون في الأسواق يتصيدون بنات المسلمين ليمكروا بهن، ويأخذوا بأيديهن إلى المعاصي والآثام المتتابعة.
إن العرب عرفت الرجولة بخصال كثيرة، منها حفظ الأعراض والذود عنها ولذا يقول عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ** حتى يواري جارتي مأواها
وقال الآخر:
ما إن دعاني الهوى لفاحشة ** إلا نهاني الحياء والكـرم
فلا إلى فاحش مددت يدي ** ولا مشت بي قريبة قدم
3. وخسروا دنياهم: فإن الكثيرين ممن فتنوا بالنساء، جعلوا جهدهم في ميدان الحب الزائف والغرام والهيام فخسروا الكثير من طاقاتهم فضلاً عن إرهاق أذهانهم واشتغال قلوبهم في ما يضرهم في دراستهم اليومية أو وظائفهم وأعمالهم الدنيوية . أو دون ذلك ضياع أوقاتهم وأموالهم، وكل ذلك يحصيه الله عليهم وهم سادرون في غيّهم.
4. وقست قلوبهم: فلا يجد أكثر المفتونين بالنساء اللذة في عباداتهم، ولا التوقير لكتاب ربهم وسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم، بل إن المصلين منهم تشغله صور النساء وعشقهن عن الخشوع وتدبر الآيات.. ولا عجب أن تسمع من أهل الحسبة أنهم أمسكوا بثياب يلاحقون الفتيات في عُقر الحرم المكي وأمام بيت الله، فإن قسوة القلوب تجعل هؤلاء في غيبوبة عن الحياء من الله فضلاً عن تعظيم شعائر الله وحرماته.
5. وأمرضوا أجسادهم: فإن فتنة النساء أخذت بقلوب الكثيرون إلى مراتع الزنا ومعاشرة البغايا فكانت العاقبة مرض الأجساد وذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لم تظهر الفاحشة ف يقوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وتحطم النفسيات واضطرابها آفة أخرى تصيب هؤلاء، فإن تعدي حدود الله ورسوله من أجل لذة شهوانية مؤقتة تذهب متعتها وتبقي حسرتها شفاء وبلاء على العبد، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: (إن للسيئة اسودادًا في الوجه وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق).
وحتى لا تقع فتنة النساء: جرى بك أن تتذكر الوصايا التالية:
أولا: احفظ نفسك عن فتنة النساء استجابة لأمر الله ورسوله:
فإن المسلم يستسلم لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويجتنب ما نهى عنه الشرع، والله أمر بتقواه، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
ومن تقوى الله حفظ الرأس وما وعى عن النظرة المحرمة والسماع المحرم وحفظ اللسان عن الكلام الفاحش ونحوه، ومن تقوى الله حفظ الجوارح الأخرى عن ارتكاب المحرمات ومن أعظمها الزنا.. ولله رغب بالاستجابة لأوامره ببيان العاقبة الحسنة لمن كان تقيًا وعفيفًا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من الذين يظنهم الله يوم لا ظل إلا ظله، رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين» والحديث بتمامه مشفق عليه.
قيل لأحد السلف: كيف تعف البصر عن الحرام ؟ قال: علمت بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما حرّم عليك).
إذا ما عممنا صدّنا وازع التُقى ** قولي على أعقابه أنهم خاسئًا
ثانيًا: عف نفسك.. تجد عوضًا لا مثيل له:
أخبر الله في كتابه الكريم أن زكاء القلب وطهارة إنما تكون للذين يغضون من أبصارهم ويحفظون فروجهم، قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}.
ومن البشائر لمن عف نفسه قوله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله}. وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ضمن لي ما بين لحييه وفخذيه ضمنت له الجنة».
ثالثًا: إياك ويريد الزنا:
إن إطلاق النظر إلى المتبرجات صورهن هو نوع من الزنا، فلقد جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فزنى العينين النظر» وفي آخر الحديث قال: «والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»، وزنا العين بريد زنا الفرج، ولذا قال العلامة الشنقيطي في تفسيره (أضواء البيان): (ومعلوم أن أنتظر سبب الزنى. فإن من أكثر من النظر إلى جمال امرأة مثلاً قد يتمكن بسببه حبها من قلبه يكون سبب هلاكه والعياذ بالله، فالنظر بريد الزنى). وقال ابن القيم: (والنظرة المحرمة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته).
رابعًا: لا تأمن على نفسك الفتنة:
فإن الصالحين من السلف كانوا يخشون من فتنة النساء، وأحوالهم وأقوالهم تؤكد هذا.. ومن ذلك:
1. ذكر في ترجمة ابن عمر أنه لم يدخل بابًا خصصه النبي صلى الله عليه وسلم للنساء حتى مات.
2. وكان سعيد بن المسيب يقول وهو في الثمانين من عمره، (ما شيء أخوف علي من النساء).
3. وكان أحد الصالحين يقول: (امش وراء الأسد والأسود ولا تمش وراء امرأة).
4. وحذر العلاء بن زياد فقال: (ولا تتبع بصرك رداء امرأة فإن النظر تجعل في القلب شهوة).
خامسًا: التزم السبل الشرعية لتجنب نفسك الفتنة:
فبالإضافة إلى غض البصر عن النساء المتبرجات. يجب على المسلم أن يلتزم الأمور الشرعية الأخرى التي يأمن معها الفتنة ومنها:
1. عدم الدخول على النساء، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، قال رجل الحمو؟ قال الحمو الموت).
2. عدم الخلوة بالمرأة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما).
3. المسارعة إلى الزواج، فلقد قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
ومن حسنات الزواج أن الإنسان إذا مال إلى امرأة أجنبية وفتن بها قطع ذلك بالرجوع على زوجته. وهذا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج هذا البلاء حيث قال: (إن امرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإن رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأتي أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه)، وفي رواية (فإن الذي معها كالذي معها).
سادسًا: احرص على ما ينفعك:
فإن المرء إذا مرت به الأوقات وهو يدور مع ليله ونهاره في فراغ، أخذ بزمامه شرور نفسه واستولى عليه الشيطان يتلاعب به حيث شاء، ولذا اللبيب من يصرف أوقاته فيما ينفعه في دينه ودنياه. ومقارنة سريعة بين شباب ضاعت أيامهم في تتبع فتن النساء وآخرين استغلوا ساعاتهم في تحصيل الحسنات وتطوير اللذات وتعلم المهارات واكتساب الخبرات، إن مقارنة بين هؤلاء وأولئك تكفي العاقل في عقد العزم على مقاطعة سبل الشيطان والمسارعة إلى ما يُرضي الرحمن وتجاوز الشهوة الحيوانية إلى طموحات عالية وأهداف سامية.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له ** فاربئ بنفسك أن ترعى مع الهمل
سابعًا: احفظ الله يحفظك:
قال المرء يوم أن يحفظ جوارحه عن الولوغ في وحل الحرام يحفظه الله. قال صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك . احفظ الله تجده تجاهك».
قال ابن رجب: (ومن الحفظ حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان)، وقال: (ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة، وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يومًا وثبة شديدة فعوتب في ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر).
وقال: وعكس هذا، أن بعض السلف رأى شيخًا يسأل الناس فقال: إن هذا ضعيف ضيع الله في صغره، فضيعه الله في كبره..).
ثامنًا: عفافك سبيل صحتك:
ومما يؤكد ذلك أن ما يقارب من مائة طبيب اجتمعوا في مؤتمر دولي عام، وكان من كلامهم الذي اتفقوا عليه، أنه يجب أن يفهم الشباب بالخصوص عن العفاف والطهارة أنهما ليس فقط لا يضران بل إن هاتين الفصيلتين من أنفع ما يكون الصحة.
ويقول أحدهم: (إنه ثبت أن استبقاء الإفرازات الداخلية للغُدد الجنسية تساعد فعليًا على إحراز بنية قوية: إذ أن القذف المنوي يحرم الجسم من كميات لا بأس بها من الحديد والفوسفور والكالسيوم كانت تؤلف جزءًا من نسبة الدم).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
عادل بن محمد العبد العالي
إمام وخطيب جامع مركز الفرقان بالدمام - السعودية.
- التصنيف:
- المصدر: