من يسر على معسر يسر الله تعالى عليه
نحن اليوم على موعد مع عمل من الأعمال الصالحة، وهو أحد أحب الأعمال إلى الله تعالى: إنه السعي في ( التيسير على الناس)
أيها الإخوة الكرام: نحن اليوم على موعد مع عمل من الأعمال الصالحة، وهو أحد أحب الأعمال إلى الله تعالى:
إنه السعي في ( التيسير على الناس) وإن شئتم فقولوا إنه (كشف الكربة عن الناس) وإن شئتم فقولوا إنها ( صناعة المعروف) وإيصال الخير إلى الفقراء وأصحاب الحاجات وخاصة ( هذه الأيام)
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرحمنا برحمته..
قال النبي عليه الصلاة والسلام " «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ، ".
لن نقف اليوم ايها المؤمنون: مع هذا الحديث بأكمله فلن يتسع الزمان لإعطاءه حقه..
ولكن حسبنا أن نقف مع فقرة من فقراته وهي قول النبي عليه الصلاة والسلام «وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»
إن التيسير على الناس منهج شرعي أصل له الحكيم العليم سبحانه وتعالى فيما فرض وفيها شرع وفيما كلف به عباده فقال عز من قائل {﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ ﴾}
إن التيسير على الناس يكون ببذل المعروف، يكون بإيصال النفع قال النبي عليه الصلاة والسلام " «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» ".
إن التيسير على الناس يكون بكشف الهم، يكون بإذهاب الغم، يكون بدفع الضرر، التيسير على الناس يكون بالسعي في تفريج الكربات، ويكون بقضاء الحاجات، فالتيسير تخفيف، التيسر رافة، التيسير رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء..
ومن الثابت في السنة القولية والعملية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه كان يحب التيسير والتخفيف عن الناس..
يقول عن نفسه " «إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» ".
قال النبي عليه الصلاة والسلام " « لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» ".
وقال " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ » "
وقال " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ حَمُولَةً ، وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي » ".
وعن عَطَاءٌ ، قَالَ : «أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ، فَقَالَ : الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ : " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ سُفْيَانُ : أَيْضًا عَلَى أُمَّتِي - لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ» ".
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضى الله عنه ، قَالَ : «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى الأشعري ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ أبو بردة : وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مخلاف والمخلاف هو ( الإقليم) ، قَالَ : وَكان بالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ يعني ( إقليمان). فلما بعثهما قَالَ لهما : " يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا » ".
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا » ".
ومن الثابت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه كان يحب التيسير والتخفيف عن الناس..
كم من إنسان أصبح اليوم لا يفكر إلا في طعامه وشرابه؟!
كم من إنسان أصبح اليوم عاجزا أمام مطالب زوجه وولده؟!
كم من إنسان أصبح اليوم يعيش على ( السلف) ولا يدري كيف السداد؟ ولا من أين السداد؟ ولا متى ؟؟
المنصف يقول:
إن هذا الذي نحن فيه: هو ما يشتكيه الناس جميعا على وجه الأرض، حتى في أغنى دول العالم، ولسنا فيه وحدنا، لكن المسلم إيمانه بالله تعالى قوي، يؤمن بأن الله تعالى هو الرزاق، وهو القابض، وهو الباسط، المؤمن يحسن الظن بالله تعالى، يؤمن أن بعد هذا الشر خير، وان مع كل عسر يسران، إذا منع الله تعالى عنا شيئا فإنما يمنعه بحكمته، وإذا الله سبحانه وتعالى أعطانا شيئا ، فإنما يعطينا برحمته.. ولن نضيع بين حكمة الله تعالى وبين رحمته..
غاية ما ننادي به بين الناس أن يرحم بعضنا بعضا..
وخاصة أصحاب التجارات الواسعة، كلوا بالمعروف، واستعففوا، واجعلوا في تجاراتكم شيئا لله، يسروا على الناس، خففوا عنهم، كونوا للناس أرضا ذلية، وسماء ظليلة، فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول (مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)
من أقرض مؤمنا قرضا (حسنا) على سبيل ( السلف) على سبيل ( النجدة والإغاثة) فله بكل يوم مثل قرضه صدقة..
أقرضتني ( ألفا) إلى ( شهرين) يكتب لك كل يوم وكأنك تصدقت بألف..
فإن مر ال(شهرين) فوجدتني معسرا عن السداد الألف عاجزا ف( أمهلتني وأنظرتني) (شهرين جديدين) يكتب لك كل يوم وكأنك تصدقت بألفين هكذا تعلمناها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ..
عن سليمان بن بريدة الأسلمي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة "، قال: ثم سمعته يقول: " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة "
قال بريدة فقلت يا رسول الله: سمعتك تقول: " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة "، ثم سمعتك تقول: " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة " فقال له صلى الله عليه وسلّم " بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة "
أبو قتادة: احد اصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم..
جاءه صديق الله فاقترض منه مالا معلوما إلى أجل معلوم
فلما حل الأجل انتظر أبو قتادة صاحبه أن يأتي بالمال فلم يحضر..
فطَلَبَ ابو قتادة غَرِيمهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ، فسأل أبو قتادة ولد الغريم فقال: يا بني أين أبوك؟؟
قال لما سمع صوتك توارى داخل البيت خجلا منك..
فناداه أبو قتادة ان أخرج فقد عرفت أين أنت..
فخرج الرجل والحياء على قسماته فَقَالَ : إِنِّي مُعْسِرٌ. فَقَالَ ابو قتادة : آللَّهِ. قَالَ : آللَّهِ. قَالَ أبو قتادة (إن وجدت قضاء فاقض،وإن لم تجد فأنت في حل) إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ » ".
قال رب العالمين سبحانه وتعالى ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
نسأل الله العظيم أن يكشف الغمة، وأن يزيح الظلمة، بحكمته وقدرته إنه سبحانه حكيم عليم.
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن قول النبي صلى الله عليه وسلّم (مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)
بقي لنا أن نقول إن من المبشرات أن جزاء الرحمة رحمات..
جزاء الرحمة عند الله تعالى رحمات في الدنيا والآخرة، وجزاء التخفيف تخفيف على العبد في الدنيا والآخرة، وجزاء التفريج تفريج في الدنيا والآخرة ، وجزاء التيسير تيسير في الدنيا والآخرة ( اعمل ما شئت فكما تدين تدان)
يوم القيامة أيها المؤمنون يوم عظيم!!
يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم يشيب من هوله الولدان، وتضع فيه كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : « أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ : " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ ؛ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ : أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ » ؟......
حينها يكون صانع المعروف، وكاشف كربات الناس، وقاضي حوائجهم، ومزيل همومهم وغمومهم في الدنيا هم الناجي، هو الفائز، هو الآمن،..
حين يتجاوز الله عنه فيكشف كربه، جزاء ما كشف، جزاء ما يسر، جزاء ما نفس، جزاء ما سعى للتخفيف عن الناس في الحياة الدنيا.
قال النبي عليه الصلاة والسلام " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ".
قال النبي عليه الصلاة والسلام " « بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» ".
علق أحد الأكارم على هذا الحديث فقال:
إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا فكيف تصنع الرحمة فيمن وحد رب البرايا.. ؟!
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح احوالنا في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: