عظمة العطاء والجود

منذ 2023-01-23

بقَدْر ما تمنح غيرك من الأمل والوقت والاهتمام، وتُدخِل على قلبه الفرح والسرور والسلام، تجلب لنفسك البهجة والسعادة والراحة والسكينة

العطاء أروعُ قيمة إنسانية، وألذُّ سعادةٍ للنفس البشرية، وبقَدْر ما تمنح غيرك من الأمل والوقت والاهتمام، وتُدخِل على قلبه الفرح والسرور والسلام، تجلب لنفسك البهجة والسعادة والراحة والسكينة، فتجد الابتسامة والطُّمَأْنينة والمحبة تغمرك من بين يديك ومن خلفك، ومثلما يعود النهر إلى البحر، يعود عطاؤك إليك؛ قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20].

 

والعطاءُ مفهومٌ عظيمٌ، ومبدأ نبيل، حدوده واسعة، وآفاقه رحبة، ومجالاته كثيرة ومتنوعة؛ لا يُقصَد به توزيع الأموال والثروات فحسب، بل هو أعمُّ وأشمل من ذلك؛ فقد يكون العطاء بالتحفيز، وبمنح الوقت، وتقديم الرأي النافع، وبذل النصيحة الهادفة، وقد يكون بالاستماع الجيد، واحترام الرأي، وحلِّ المشكلة، وتارةً أخرى بالشفاعة، وتيسير الأمور، وحسن المواساة، وصدق المشورة، وإهداء الفكرة، واللمسة الحانية.

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها  **  على الناس طرًّا إنها تتقلَّب 

 

ولا يحتاج العطاء إلى منصب ووجاهة ومال وفير، فحسن تعامُلك مع الناس عطاء، وتشجيعك اليتيمَ عطاءٌ، وتقديرك الجارَ عطاءٌ، وتوقيرك الكبيرَ عطاءٌ، واحترامك النظامَ عطاءٌ، وتربيتك لطفلك عطاءٌ.

 

هو البحر من أيِّ النواحي أتيْتَه  **  فلُجَّتُه المعروف والبحر ساحِلُه 

 

 

 

ويشترط في العطاء أنْ يكون نابعًا من القلب، مغلَّفًا بالرحمة والحُبِّ، بعيدًا عن المنِّ والأذى، نقيًّا من غُبار التفاخُر والتعالي، وعند ذلك يزداد رونقه وجمالُه، ويكثُر خيره وبركته، وتظهر مكانتُه وعظمتُه.

إذا الجودُ لم يرزق خلاصًا من الأذى  **  فلا الحمدُ مكسوبًا ولا المالُ باقيًا 

 

 

ويُشترَط في العطاء كذلك أن يكون خالصًا لوجه الله تعالى، فما كان لله يبقى، وما كان لغيره يفنى، وألا يُراد من ورائه مردود ماليٌّ، أو ثناء شخصي، أو مصلحة عابرة، أو شهرة ذائعة؛ قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9].

 

أَكتبُ هذا المقال المتواضع وتدور في مخيلتي صور أولئك الرائعين الذين وصلنا عطاؤهم عند حاجتنا إليه - وما أجمل العطاء عند الحاجة! - ووقفوا بجانبنا أيام ضعفنا أو طلبنا للعلم، وسهَّلُوا أمورنا، وجبروا خواطرنا؛ إمَّا بدعمنا ماديًّا، أو معنويًّا بعبارات التشجيع والثناء، والتعزيز والتحفيز، أو حتى بالبسمة المؤثرة، والكلمة المعبرة، والحفاوة المبهرة، فهؤلاء وإن لم يتيسَّر لنا أن نكافئهم ونردَّ الجميل إليهم، فلن ننسى الدعاء لهم بظهر الغيب، والصدقة عنهم، واقتفاء أثرهم الجميل في الاهتمام بالآخرين ومساعدة المحتاجين.

فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلهم  **  إنَّ التشبُّه بالكِرامِ فلاحُ 

 

ويجدر بالذكر ألَّا نعوِّد الناس على الأخذ فقط لدرجة أن يعتقدوا أن هذا الأمر حَقٌّ واجبٌ، وأن هذا حظُّهم من الدنيا؛ بل يجب أنْ نُعلِّمهم كيف يصطادون السمكة، وكيف يتأهَّلون ليكونوا أفرادًا صالحين منتجين في المجتمع، وكيف يبدؤون مشاريعهم الصغيرة، بدلًا من أن يكونوا عالةً على الآخرين.

 

شمعة أخيرة:

يؤمن بعض الناس بالحسابات الماديَّة في العطاء؛ لذلك تجده يتردَّد ويتلعثم قبل أن يمدَّ يده إلى جيبه أو محفظته، ولم يدرك أنه سبب النماء والزيادة والبركة والغنى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من يومٍ يُصبِح العبادُ فيه إلَّا مَلَكانِ ينزلانِ، فيقول أحدُهما: اللهُمَّ أعْطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلفًا»؛ (أخرجه البخاري).