حسن الظن بالناس علامة الفطرة السليمة

منذ 2023-02-07

إن الإسلام دين يدعو إلى حسن الظن بالناس والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم؛ لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله تعالى وحده

عناصر المقال:

1- تعريف حسن الظن لغة واصطلاحا.

2- دعوة الإسلام الناس إلى حسن الظن بعضهم ببعض.

3- فضل حسن الظن بالناس فى الدنيا والآخرة.

4- الأسباب المعينة على حسن الظن بالناس

5- التدريب على حسن الظن بالناس

 

تعريف حسن الظن لغة واصطلاحا

حسن الظن لغة:

الحسن: الحاء والسين والنون أصل واحدٌ، فالحسن ضد القبح، يقال: رجلٌ حسنٌ، وامرأة حسناء، وحُسانةٌ، والحسن: الجمال.

 

أما الظن في اللغة: فإنه مصدر قولهم ظن يظن ظنا، وهو مأخوذ من مادة (ظ ن ن) التي تدل على معنيين: أحدهما اليقين والآخر الشك.

 

قال الراغب: الظن: اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم.

 

وقال ابن منظور: الظن شك ويقين، إلا أنه ليس بيقين عيان إنما هو يقين تدبر، فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم، وفي التنزيل العزيز: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20] أي علمت.

وقال الجوهري: الظن معروفٌ، وقد يُوضع موضع العلم.

 

الظن اصطلاحًا:

قال الكفوي: الظن: أخذ طرفي الشك بصفة الرجحان وقال أيضًا: والراجح إن قاربه إمكان المرجوح يسمى ظنا، أو هو التردد بين طرفي الاعتقاد غير الجازم.

وقال ابن العربي: الظن تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر.

وعلى هذا فحسن الظن ترجيح جانب الخير على جانب الشر.

دعوة الإسلام الناس إلى حسن الظن بعضهم ببعض

إن الإسلام دين يدعو إلى حسن الظن بالناس والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم؛ لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله علية وسلم -، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» (أخرجه أحمد 2/312(8103) والبُخاري 6064 وفي الأدب المفرد 410).

 

فسوء الظن يؤدي إلى الخصومات والعداوات ، وتقطع الصلات ، قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28].

 

ومن لطيف ما فُسرت به هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] الأصل في المؤمن ألا يظن في أخيه سوءًا، فإن حصل وظن به سوءًا جاء بعده النهي عن الظن {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] أي لا تتجسسوا على الذي ظننتم به السوء من أجل التثبت من ظنكم، فإن حصل وظننتم وتجسستم جاء بعد ذلك قوله تعالى: ﴿ {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] يعني ظننت وتجسست وثبت الأمر لديك فاستر ولا تفضح ولا تغتب ولا تنشر سر أخيك واستر عورته عسى الله أن يستر عورتك يوم تكشف العورات.

 

يقول الإمام الغزالي رحمه الله كلامًا نفيسًا: اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك.... إلى أن يقول.. وسبب تحريم سوء الظن أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل فعند ذلك لا يمكنك ألا تعتقد ما علمته وشاهدته وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بإذنك ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق انتهى كلامه رحمه الله.

 

وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن سوء الظن يكون محرمًا إذا توافرت فيه ثلاث شروط:

أولها: أن يكون من يُساء به الظن مسلمًا.

ثانيها: أن يستقر سوء الظن في النفس وتصير التهمة التي يتهم المسلم أخاه بها شيئًا يترتب عليه أن يعامل المسلم أخاه حسبما استقر في نفسه، ثالثها: أن يكون المتهم الذي يساء الظن به ظاهر الصلاح والعدالة بمعنى أنه غير مرتكب لكبيرة ولا مُصِرّ على صغيرة فيما يبدو للناس، أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا دخل للعباد فيه.

 

فضل حسن الظن فى الدنيا والآخرة:

ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد.

 

إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا....

 

وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة: فرِّق تَسُد ؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية.

 

إن الظن السيئ يدفع صاحبه لتتبع العورات والبحث عن الزلات والتنقيب عن السقطات، وهو بذلك يعرض نفسه لغضب الله وعقابه، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المرضى بالفضيحة بقوله: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته».

 

وسوء الظن يزرع الشقاق بين المسلمين، ويقطع حبال الأخوة، ويمزق وشائج الألفة والمحبة، ويزرع البغضاء والشقاء، والله يحذرنا من ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ظننت فلا تحقق».

 

وفى كتب التراث اهتمام بهذا الجانب العظيم من أخلاقيات الإسلام فقد كتب على بن محمد المصري كتاباً سماه (الأكياس فى حسن الظن بالناس) وهو من أنفع الكتب فى مجاله.

 

قال رحمه الله: (أول وصية عليكم أيها الإخوان بحسن الظن بالمسلمين ما استطعتم) أى الزموا حسن الظن بالمسلمين فإنه باب من أبواب الخير.

 

فقد روى أبو داود وحسنه عن أبى هريرة رضى الله عنهما: «حسن الظن من حسن العبادة» ، وفى رواية: «من حسن عبادة المرء حسن ظنه».

 

وأقوال السلف والخلف فى مدح حسن الظن والحث عليه كثيرة: وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: من أحب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس.

 

وقال بشر الحافي: من سره أن يسلم فليلزم الصمت وحسن الظن بالخلق.

 

وقال الإمام علي بن محمد الشهير بالمصري رحمه الله: إذا رأيتم واعظاً يدعو الناس إلى الخير فإياكم أن تظنوا إنه لا يعمل بما يقول، بل ظنوا أنه متخلق بما دعاكم إليه، إنه ما دعاكم إلى الإخلاص إلا بعد أن اخلص ولا غلى الزهد إلا بعد أن زهد، ولا إلى غير ذلك إلا إذا كان متخلقاً به.

 

فإن المسلم بناء على ذلك مأمور بأن يحسن الظن بإخوانه، وأن يحمل ما يصدر عنهم من قول أو فعل على محمل حسن ما لم يتحول الظن إلى يقين جازم، فالله عز وجل أمرنا بالتثبت فيما يصدر من الغير نحونا ونحو إخواننا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] فكم أوقع سوء الظن السيئ من فراق بين المتحابين، وقطيعة بين المتواصلين، ولو لم يكن الظن على درجة عظيمة من الخطورة والأهمية في إضعاف روح الموالاة بين المؤمنين لما أكد الباري عز وجل على ذلك في الكتاب والسنة.

 

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله علية وسلم - قَالَ: «إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ». قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لاَ أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. أخرجهأحمد 2/272(7671) والبُخاري في الأدب المفرد 759 ومسلم. 6776.

 

من الأسباب المعينة على حُسن الظن:

هناك العديد من الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين، ومن هذه الأسباب:

1) الدعاء:

فإنه باب كل خير، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا.

1- إنزال النفس منزلة الغير: قال ابن القيم رحمه الله -: (وما رأيت أحدًا قطُّ أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية - قدّس الله روحه -، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: (وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه! وما رأيته يدعو على أحدٍ منهم قطُّ، وكان يدعو لهم). قال: (وجئت يومًا مبشّرًا له بموتِ أكبر أعداءه، وأشدّهم عداوةً وأذىً له، فنهرني، وتنكّر لي واسترجع. ثم قام من فوره إلى أهل بيته - أي ذلك الخصم الذي مات - فعزّاهم، وقال: (أنا لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه)... فسُّروا به ودعوا له، وعظّموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه).انظر: خالد بابطين: نشر الورود والرياحين بإصلاح ذات البين 7.

 

2- حمل الكلام على أحسن المحامل: فها هو الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير. فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.

 

هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.

 

3- التماس الأعذار للآخرين: فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذرا.

 

• قال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه.

 

قال أحدهم:

سَامِحْ أَخَاكَ إِذَا وَافَاكَ بِالْغَلَـــــــــــــطِ  **  وَاتْرُكْ هَوَى الْقَلْبِ لا يُدْهِيْكَ بِالشَّطَطِ 

فكم صَدِيْقٍ وفيٍّ مُخْلِصٍ لَبِـــــــــــــقٍ  **  أَضْحَى عَدُوًّا بِمَا لاقَاهُ مِنْ فُـــــــــرُطِ 

فَلَيْسَ فِي النَّاسِ مَعْصُوْمٌ سِوَى رُسُـلٍ  **  حَمَاهُمُ اللهُ مِنْ دَوَّامَةِ السَّقَـــــــــــطِ 

لَسْتَ تَرْجُوْ مِنَ الرَّحْمَنِ مَغْفِـــــــــــرَةً  **  يَوْمَ الزِّحَامِ فَسَامِحْ تَنْجُ مِنْ سَخَــــطِ 

 

إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك

تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا  **  لعل له عذرًا وأنت تلوم 

 

4- تجنب الحكم على النيات:

عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ، مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: فَصَبَّحْنَاهُمْ، فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا، وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ، قَالَ: فَغَشِيتُهُ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ. (أخرجه أحمد 5/200(22088) والبُخَارِي 5/183(4269) ومسلم 1/67(190).

وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، والله لم يأمرنا بشق الصدور، ولنتجنب الظن السيئ.

 

5- استحضار آفات سوء الظن وعدم تزكية النفس:

فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه ؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].

 

قال سفيان بن حسين: (ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها). البداية والنهاية لابن كثير (13/121).

وقال أبو حاتم بن حبان البستي في روضة العقلاء (ص:131): (الواجبُ على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنَه ولم يُتعب قلبَه، فكلَّما اطَّلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه).

 

التدريب على حسن الظن:

ونعني بالتدريب، تعلُّم حسن الظن، وهذا ما كان يلقنه النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، يروي البخاري ان رجلاً جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: إن امرأتي ولدت غلامًا أسودَ، فقال - صلى الله عليه وسلم -.  «هل لك من إبل»؟ قال نعم قال «فما الوانها» قال حمر قال «هل فيها من اوراق» اى سود قال نعم قال «فانى اتاها ذلك» قال عسى ان يكون نزعة عرق قال «فكذلك ابنك عسى ان يكون نزعة عرق».

 

ونستنتج من ذلك أن النبي المعلم - صلى الله عليه وسلم - أخذه في دورة تدريبية تثقيفية، حتى يمتلك المعرفة   السليمة

 

وعَنْ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ الله - صلى الله علية وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله علية وسلم - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله علية وسلم -: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ». (أخرجه البُخَاري 8/197(6780).

 

ما أحوج مجتمعاتنا إلى الأخذ بحسن الظن سواء على المستوى الفردي أو بين الجماعات فنحن نواجه مشكلة في العلاقة بين الجماعات، كل جماعة تسيء تفسير تصرف الجماعة الأخرى، ولعل تصرفاً فردياً يصدر من أحد الأفراد فيحسب على الجماعة بأكملها وهذا غير صحيح، من أخطأ هو من يتحمل المسؤولية.

 

ترى من يحكم على عمل ما بأنه حسن ويدعمه بكل قوة ما دام من قام به شخص من دائرته، ولكن متى ما قام شخص ما بنفس العمل ولكنه من دائرة غير التي ينتمي إليها فالحكم هنا يكون بالعكس.

 

ينبغي على كل إنسان مؤمن عاقل أن يتجاوز هذه الحالة وينظر إلى الآخرين نظرة إيجابية، ولو جال في خاطره تصور خاطئ على شخص ما فعليه أن لا يبنيَ عليه موقفاً قد يضر أو يسيء به إلى الآخر، فذاك إثم وظلم نهى عنه الشرع القويم، ويرفضه العقل السليم.

 

إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين.

 

قال بكر بن عبد الله المزني كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ باخيك.

 

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحسن الظن بإخوانه، إنه سميع مجيب، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والله عز وجل هو الهادى الى سواء السبيل