الصوفية في مواجهة السلفية
منذ 2011-09-14
السلفية تعني اقتفاء آثار السلف الصالح ومتابعتهم في تعاملهم مع النصوص الشرعية من الكتاب العزيز والسنة المطهرة من حيث تعظيمها وتوقيرها وتقديمها على كل ما عداها...
بسم الله الرحمن الرحيم
السلفية تعني اقتفاء آثار السلف الصالح ومتابعتهم في تعاملهم مع النصوص الشرعية من الكتاب العزيز والسنة المطهرة من حيث تعظيمها وتوقيرها وتقديمها على كل ما عداها، ومن حيث كيفية فهمها واستنباط الأحكام منها، ومن ثم فالسلفية تمثل منهجا وليست مذهبا أو مجموعة اختيارات فقهية، ولهذه الخاصية صار من أصعب الصعاب تطويع أو استخدام متبعي المنهج السلفي، بل صاروا حجر عثرة أمام كل محاولات إفساد عقيدة المسلمين وتخريب سلوكهم وأخلاقهم، ومن ثم لم يكونوا -كغيرهم- جسرا يعبر عليه أعداء الأمة ليقتطعوا منها ما شاءوا، وهذا يفسر سبب العداوة الشديدة التي تلقاها السلفية والحرب التي تشن عليها بين فترة وأخرى سواء من الأعداء الخارجيين أو من ربائبهم الداخليين.
وقد كان غريبا على المتابع لمجريات الأحداث في أمتنا أن يجد التعاون والتناصر بين فئات لم يكن يدور بخلد مسلم إمكانية اللقاء بينهم، نظرا لما في ظاهر أمرهم من التناقض الشديد والتباين الكامل، لكن عداوة تلك الفئات للمنهج السلفي جمعت بينهم وألفت بين أهوائهم.
يحتشد في الصف المناوئ للسلفية الكفار من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، بجانب أهل البدع الخارجين على منهج أهل السنة والجماعة، وليس يُدرى بأي مقياس يقيس هؤلاء عندما يتعاون من يصنفون أنفسهم في خانة المحبين لله ولرسوله و لآل بيته الأطهار، مع النصارى الذين يدعون مع الله إلها آخر، ويقفون صفا واحدا متعاونين في مواجهة أتباع المنهج السلفي الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويجعلون من الكتاب والسنة وإجماع الأمة المصادر التي يرجعون إليها في تكوين عقائدهم وسلوكياتهم وأخلاقهم وعباداتهم، ويقيمون عليها صرحهم الفقهي.
في الدراسات التي تقوم بها بعض مراكز الأبحاث التي تعتني بمحاربة الإسلام تُوجه السهام بقوة نحو المنهج السلفي ويعدونه الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات الاختراق للبنية العقدية والأخلاقية للأمة الإسلامية، وبعد تجارب متعددة ومحاولات شتى وجدوا أن من أنجح الوسائل لتحقيق ما يريدون أن يكون توجه إسلامي آخر هو رأس الحربة التي يحاربون بها السلفية، وقد وقع اختيارهم على الصوفية للقيام بذلك الدور ليقينهم أنها من أبعد الناس عن السلفية وأعدى أعدائها، ذلك أن مراجع الصوفية التي يرجعون إليها تناقض مناقضة تامة مراجع السلفية فهي لا تخرج عن الرؤى والمنامات ومتابعة شيوخ الطريقة والشطحات في ظل منهج غير منضبط في الفهم والاستنباط من النصوص، يعتمد ما يزعمونه من الكشف والذوق والإلهام والخواطر والعلم اللدني، ومن هنا كانت الصوفية القناة المنفتحة التي تمر من خلالها حملات التغريب وإفساد الهوية وإضعاف الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، وهذا يفسر سر حفاوة أعداء الملة والأمة بالصوفية، حيث يقوم الفكر الصوفي في مجمله على استبعاد الجهاد ضد أعداء الملة ويقدم تفسيرا للإسلام يعتمد الخمول والخنوع، مع الانفتاح غير المنضبط مع الآخر المختلف عقديا وثقافيا باختلاق ذرائع متعددة، مع الاتكالية والسلبية إزاء ما يعترض الأمة من تحديات، وذلك لبعدهم عن الخوض في السياسة وتسليم الأمر للساسة-أيا كانوا مسلمين أو غير مسلمين- كي يفعلوا ويقولوا ما يشاءون، (وهذا لم يمنع من وجود مجموعات صوفية-خاصة في إفريقيا-خرجت على هذا النسق، وساعدت بشكل كبير وجهد منسق في التصدي للمستعمر الكافر الذي احتل بلاد المسلمين، وتصدت للحملات التنصيرية، وأسهمت في نشر كثير من التعاليم الإسلامية عن طريق الكتاتيب).
التمكين للصوفية ومحاربة السلفية:
1- تبني أمريكا كثيرا من سياساتها إزاء العالم الإسلامي على تقارير مؤسسة راند، وقد وردت الفقرة التالية في أحد تلك التقارير وهي تبين السلوك الأمريكي لتخريب الإسلام من داخله: "تقوية مكانة الصوفية، وتشجيع الدول التي لديها تقاليد صوفية قوية للتركيز على ذلك الجزء من تاريخها، وإدراجه في مناهجها التعليمية".
2- في أواخر عام 2009م رعت بريطانيا إنشاء "المجلس الصوفي العالمي" ومقره في لندن، بترخيص بريطاني ومعتمد من وزارة الخارجية البريطانية، وأصدر المجلس بيانا جاء فيه أنه "منظمة إسلامية تدعو إلى تحقيق السلم والسلام في العالم وتتصدى للإرهاب والعنف والتشدد والتعصب، ولا تتدخل في سياسات الدول المختلفة وتحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة، وتعمل على إزالة الخلافات العقائدية، وتقرب بين الأديان المختلفة لتحقيق الاستقرار في كل دول العالم، وهو منظمة لها الشخصية المعنوية المستقلة أغراضها نشر الدين الإسلامي الصحيح، والدعوة إلى الله ونشر الوعي الديني والثقافي"، ويتضح من هذا البيان المراد بالدين الإسلامي الصحيح عند هذا المجلس المعتمد لدى بريطانيا والغرب، فهو يحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة ويقرب بين الأديان المختلفة، في الوقت الذي يتصدى فيه للتعصب والتشدد، وهي تعبيرات محجوزة لوصف المنهج السلفي بها، ويقول الشيخ محمد الشهاوي مؤسس هذا المجلس في حواره مع موقع إسلام أون لاين بتاريخ 8/10/2009 "وسنحاول أن نحث المسئولين في معظم الدول من خلال المجلس العالمي على أن يدعموا الصوفية لكي يوقفوا تيار السلفية الذي يتمدد في العالم والذي يتسبب في نشر التعصب والتشدد".
3- وقد دخلت المرأة الصوفية على الخط في مواجهة السلفية حيث أنشأت السيدة ماجدة عيد زوجة محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية ومؤسس المجلس الصوفي العالمي-فيما بعد-جمعية صوفية للنساء باسم "دار النساء الصوفيات"، وذكرت أن هدف الجمعية يتلخص في: "الدعوة إلى فهم الدين الصحيح الوسطي، وخاصة في أوساط المرأة المصرية والنشء الصغير بعد أن مزقته السلفية الوهابية التي غزت المجتمع وتمددت عبر وسائل الإعلام"، وقالت في حوار صحفي: "الإسلام دين وسطي عمل الوهابيون والأصوليون على تشويهه على مدى سنوات طوال، وآن الأوان لمواجهة هذه الحملة الظلامية، وهذا ما تسعى اليه جمعية الصوفيات".
4- ومنذ عدة أشهر أعلن علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية أنه سوف يتم إطلاق قناة فضائية صوفية جديدة لمواجهة الفضائيات السلفية، عن طريق "تقديم الإسلام الوسطي المعتدل، ومواجهة الفكر الأصولي المتشدد لمن يسمون أنفسهم السلفيين والوهابيين".
5- وهناك حديث عن قيام مؤسسة الأهرام ممثلة للحكومة المصرية بعقد اتفاق مع شيخ شيوخ الطرق الصوفية لمواجهة الفكر السلفي والمد الإخواني، وهذا مما يدل على أن الاتجاه الصوفي يقوم بمحاربة السلفية بالوكالة، وهو في الوقت نفسه يسقط أو يفسد أي مصداقية لهم في هذا الاتجاه، لأنها حرب بالنيابة أو بالوكالة لجهات قد لا تريد أن تظهر في الصورة، أو ترى عدم تقبل جمهور المسلمين لهجومهم.
فكل هذا يبين عزم الصوفية على مواجهة السلفية ومحاربتها على جميع الأصعدة واستعداء الأنظمة عليها.
ولعل من مظاهر دعم هذه الحرب إعادة إعمار المزارات والأضرحة، ونشر الكتب والمدارس الصوفية، ودعم الطرق الصوفية، مع الإصرار على الحضور الإعلامي لبعض أنشطة الصوفية ورموزها، واستضافتهم وعقد الاتفاقات والمؤتمرات معهم.
إن تركيز التقارير على استخدام أهل البدع والفرق، وكذلك الاتجاهات العصرية من حداثة وعلمانية في تنفيذ المخطط المعادي للإسلام يؤكد أن السلفيين أتباع المنهج السلفي الممثل الحقيقي للأمة في مواجهة المعتدين على عقائدها وحرماتها وممتلكاتها، وأنهم باتباعهم لهذا المنهج يمنعون الأمة من الإذعان للأمركة، وأن من يحاربهم يقف في خندق واحد مع أعداء الأمة وإن كان لا يعلم.
الاختراق الأمريكي للجماعات الصوفية:
في أعقاب أحداث 11/9/2001م بدا لأمريكا من خلال عدد من المراكز البحثية أنه يمكن النظر إلى الصوفية على أنها الشريك المناسب لمقاومة من ينظرون إليه على أنه رمز للتشدد والجمود، ومن ثم عملت على تقويتها والتمكين لها، وإسنادها من خلال عدة فعاليات وبادلتها الطرق الصوفية حبا بحب وتقديرا بتقدير:
1- في مطلع يونيو عام 2009م، عقد مؤتمر للصوفية في مصر، وفي ختام المؤتمر أصدرت الطرق الصوفية المشاركة بيانا دعت فيه "إلى تشكيل لجان من العلماء المسلمين بأنحاء العالم لبحث كيفية التقارب بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، ودراسة القيم المشتركة التي يمكن التعاون فيها".
2- وفي أواخر الشهر نفسه وجهت السفيرة الأمريكية في القاهرة مرجريت سكوبي دعوة إلى تسعة طرق صوفية لحضور احتفال السفارة بعيد الاستقلال الأمريكي في أول يوليو.
3- في أواخر عام 2009م أعلنت مصادر إعلامية أمريكية أن السفارة الأمريكية في القاهرة تعتزم توجيه الدعوة إلى ممثلي العديد من الطرق الصوفية والمذاهب الدينية في مصر للدخول في حوار رسمي معها للتوافق حول العديد من القضايا ومواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى، وذكرت هذه المصادر أن الهدف من الحوار "دعم الفرق الإسلامية المعتدلة-من وجهة النظر الأمريكية-، وبحث مستقبل عملية السلام والحوار بين الأديان والعلاقات بين الطرق الصوفية وإسرائيل في حالة حدوث تسوية"، و"بحث سبل مواجهة انتشار ما تسميه أمريكا الفكر المتشدد والأصولي في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة".
4- في 3/8/2010 الموافق يوم الثلاثاء نشر في صحيفة الدستور المصرية خبر اجتماع شيوخ الصوفية مع ممثل للإدارة الأمريكية بحضور أمن الدولة في مقر الطريقة العزمية لمدة ساعتين، وناقش الاجتماع التنسيق بين شيوخ الصوفية في مصر والإدارة الأمريكية لنشر الإسلام الصوفي المعتدل بين المسلمين الأمريكيين، وأكد ممثل الإدارة الأمريكية أن نموذج الإسلام الصوفي يمثل الإسلام المقبول والمرحب به في أمريكا لكونه-كما يزعم-إسلاما وسطيا ومعتدلا، وقد طلب ممثل الإدارة الأمريكية استمرار اللقاءات والتنسيق بين الجانبين.
هذه الشهادة الأمريكية للصوفية تصيب -عند المسلمين الفاقهين لدينهم- التوجه الصوفي في مقتل حيث عدته مقبولا لديها ومرحبا به، ولا يخفى أن شهادة الأعداء لهم تدل على أن توجههم يخدم المصالح الأمريكية التي هي على الضد من مصالح أمتنا وديننا، واتفاق الإدارة الأمريكية مع الصوفية لنشرها بين مسلمي أمريكا يعنى أنها لم تعد تكتفي بإفساد بلاد المنشأ وإنما تجاوزتها إلى الأطراف والروافد، حيث تشبع حاجة المتدينين المسلمين لديها في الوقت الذي تقطع الطريق عليهم في اتجاههم نحو السلفية، وهذا مما يبين أن الصوفية منسجمة مع الرؤية الأمريكية في العمل على إفراغ الإسلام من محتواه العقدي والجهادي الذي أقض مضاجع الأمريكيين والراغبين في السيطرة على بلاد المسلمين، ولعلنا نلحظ مسارعة كثير من الأنظمة تغليب المصلحة الأمريكية في التمكين للصوفية على المصلحة الوطنية حيث يتبوأ الآن نفر من الصوفية كثير من المناصب المهمة ، ففي أكثر من بلد رأينا تولي المتصوفة لوزارة الأوقاف ولوظيفة المفتي ولرئاسة الجامعة الإسلامية وغير ذلك من المناصب.
وهذا كله يصب في تقوية شوكة الصوفية كي تواجه أصحاب المنهج السلفي بألسنة حداد،
والآن يراد من الصوفية القيام بما لم تستطع القيام به العلمانية، وذلك تحت وهم العناية بالقلب وتزكية النفس والعناية بالروح، والزهد في الدنيا، فيتم إبعاد الدين عن التدخل في مجالات الحياة كالسياسة والاقتصاد وتنمية المجتمعات والقضاء على روح الجهاد ليقر للمحتلين قرارهم في الاستيلاء على بلاد المسلمين, صرح برنارد لويس فقال: "إن الغرب يسعى إلى مصالحة "التصوف الإسلامي" ودعمه لكي يستطيع مليء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة".
وتسعى أمريكا والعالم الغربي للتمكين للصوفية في بلاد المسلمين على حساب أصحاب المنهج السلفي لأن هذا-كما يقولون-يساعد على الانسجام مع المنظومة الدولية بالإضافة إلى قابلية الخضوع للقوانين والمعايير المتعارف عليها دوليا، كما أن التمكين للصوفية يساعد على مواجهة المد السلفي وإعاقته ووضع العراقيل أمامه
لكن على الصوفيين أن يستيقنوا أن مراد أمريكا هو تبديل الإسلام وتغييره وليس البحث عن ما يفيد وينفع أمة المسلمين، وما تظهره من ود أو تقدير للصوفية ليس حبا فيهم، بل ما هو إلا كحبة القمح التي يضعها الصياد في فخه، فإنه لم يضعها بقصد إطعام العصافير الجوعى بل ما وضعها إلا لكي يصطادها بها، ثم يجعلها بعد ذلك وليمة شهية لأهله وأصحابه، من قبل أن تتمكن هذه العصافير المخدوعة من التقاط حبة القمح، ومما يدل على مراد أمريكا من التقرب والتواد لبعض الاتجاهات المسلمة ما جاء في أحد تقارير راند حيث يفصح التقرير عن الهدف بقوله: "إن تحويل ديانة عالم بكامله ليس بالأمر السهل، إذا كانت عملية بناء أمة مهمة خطيرة، فإن بناء الدين مسألة أكثر خطورة وتعقيدا منها"، فالمراد إذن إعادة بناء الإسلام وفق الأجندة الأمريكية واستخدام الصوفية في ذلك كحصان طروادة.
ولكن النصوص الشرعية تبين أن كيد هؤلاء حابط وأنهم لن يتحقق لهم ما يريدون فدين الله محفوظ، كما أن خبرة التاريخ تبين أنه لا بد من وجود الطائفة التي يحفظ الله بها وبجهودها الدين وينصره، والله تعالى ليس في حاجة لهذه الطائفة، وإنما ليميز الخبيث من الطيب، وليختبر ما في صدور الناس وليبتلي بعضهم ببعض قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} وقال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وهذا يضع على كاهل السلفيين مهمة المنافحة عن منهجهم بقوة وحزم، والسعي في نشره وتوسيع أرضية قبوله بين الشعوب الإسلامية، وترك الدعة والركون إلى الدفع القدري قال تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، فالمسلم مكلف بالدفع الشرعي وأما الدفع القدري فذلك فضل من الله يؤيد به عباده الساعين في نصرة دينه، نسأل الله تعالى من واسع فضله أن يشرفنا بنصرة دينه.
الصوفية في مواجهة السلفية
محمد بن شاكر الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
السلفية تعني اقتفاء آثار السلف الصالح ومتابعتهم في تعاملهم مع النصوص الشرعية من الكتاب العزيز والسنة المطهرة من حيث تعظيمها وتوقيرها وتقديمها على كل ما عداها، ومن حيث كيفية فهمها واستنباط الأحكام منها، ومن ثم فالسلفية تمثل منهجا وليست مذهبا أو مجموعة اختيارات فقهية، ولهذه الخاصية صار من أصعب الصعاب تطويع أو استخدام متبعي المنهج السلفي، بل صاروا حجر عثرة أمام كل محاولات إفساد عقيدة المسلمين وتخريب سلوكهم وأخلاقهم، ومن ثم لم يكونوا -كغيرهم- جسرا يعبر عليه أعداء الأمة ليقتطعوا منها ما شاءوا، وهذا يفسر سبب العداوة الشديدة التي تلقاها السلفية والحرب التي تشن عليها بين فترة وأخرى سواء من الأعداء الخارجيين أو من ربائبهم الداخليين.
وقد كان غريبا على المتابع لمجريات الأحداث في أمتنا أن يجد التعاون والتناصر بين فئات لم يكن يدور بخلد مسلم إمكانية اللقاء بينهم، نظرا لما في ظاهر أمرهم من التناقض الشديد والتباين الكامل، لكن عداوة تلك الفئات للمنهج السلفي جمعت بينهم وألفت بين أهوائهم.
يحتشد في الصف المناوئ للسلفية الكفار من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، بجانب أهل البدع الخارجين على منهج أهل السنة والجماعة، وليس يُدرى بأي مقياس يقيس هؤلاء عندما يتعاون من يصنفون أنفسهم في خانة المحبين لله ولرسوله و لآل بيته الأطهار، مع النصارى الذين يدعون مع الله إلها آخر، ويقفون صفا واحدا متعاونين في مواجهة أتباع المنهج السلفي الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويجعلون من الكتاب والسنة وإجماع الأمة المصادر التي يرجعون إليها في تكوين عقائدهم وسلوكياتهم وأخلاقهم وعباداتهم، ويقيمون عليها صرحهم الفقهي.
في الدراسات التي تقوم بها بعض مراكز الأبحاث التي تعتني بمحاربة الإسلام تُوجه السهام بقوة نحو المنهج السلفي ويعدونه الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات الاختراق للبنية العقدية والأخلاقية للأمة الإسلامية، وبعد تجارب متعددة ومحاولات شتى وجدوا أن من أنجح الوسائل لتحقيق ما يريدون أن يكون توجه إسلامي آخر هو رأس الحربة التي يحاربون بها السلفية، وقد وقع اختيارهم على الصوفية للقيام بذلك الدور ليقينهم أنها من أبعد الناس عن السلفية وأعدى أعدائها، ذلك أن مراجع الصوفية التي يرجعون إليها تناقض مناقضة تامة مراجع السلفية فهي لا تخرج عن الرؤى والمنامات ومتابعة شيوخ الطريقة والشطحات في ظل منهج غير منضبط في الفهم والاستنباط من النصوص، يعتمد ما يزعمونه من الكشف والذوق والإلهام والخواطر والعلم اللدني، ومن هنا كانت الصوفية القناة المنفتحة التي تمر من خلالها حملات التغريب وإفساد الهوية وإضعاف الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، وهذا يفسر سر حفاوة أعداء الملة والأمة بالصوفية، حيث يقوم الفكر الصوفي في مجمله على استبعاد الجهاد ضد أعداء الملة ويقدم تفسيرا للإسلام يعتمد الخمول والخنوع، مع الانفتاح غير المنضبط مع الآخر المختلف عقديا وثقافيا باختلاق ذرائع متعددة، مع الاتكالية والسلبية إزاء ما يعترض الأمة من تحديات، وذلك لبعدهم عن الخوض في السياسة وتسليم الأمر للساسة-أيا كانوا مسلمين أو غير مسلمين- كي يفعلوا ويقولوا ما يشاءون، (وهذا لم يمنع من وجود مجموعات صوفية-خاصة في إفريقيا-خرجت على هذا النسق، وساعدت بشكل كبير وجهد منسق في التصدي للمستعمر الكافر الذي احتل بلاد المسلمين، وتصدت للحملات التنصيرية، وأسهمت في نشر كثير من التعاليم الإسلامية عن طريق الكتاتيب).
التمكين للصوفية ومحاربة السلفية:
1- تبني أمريكا كثيرا من سياساتها إزاء العالم الإسلامي على تقارير مؤسسة راند، وقد وردت الفقرة التالية في أحد تلك التقارير وهي تبين السلوك الأمريكي لتخريب الإسلام من داخله: "تقوية مكانة الصوفية، وتشجيع الدول التي لديها تقاليد صوفية قوية للتركيز على ذلك الجزء من تاريخها، وإدراجه في مناهجها التعليمية".
2- في أواخر عام 2009م رعت بريطانيا إنشاء "المجلس الصوفي العالمي" ومقره في لندن، بترخيص بريطاني ومعتمد من وزارة الخارجية البريطانية، وأصدر المجلس بيانا جاء فيه أنه "منظمة إسلامية تدعو إلى تحقيق السلم والسلام في العالم وتتصدى للإرهاب والعنف والتشدد والتعصب، ولا تتدخل في سياسات الدول المختلفة وتحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة، وتعمل على إزالة الخلافات العقائدية، وتقرب بين الأديان المختلفة لتحقيق الاستقرار في كل دول العالم، وهو منظمة لها الشخصية المعنوية المستقلة أغراضها نشر الدين الإسلامي الصحيح، والدعوة إلى الله ونشر الوعي الديني والثقافي"، ويتضح من هذا البيان المراد بالدين الإسلامي الصحيح عند هذا المجلس المعتمد لدى بريطانيا والغرب، فهو يحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة ويقرب بين الأديان المختلفة، في الوقت الذي يتصدى فيه للتعصب والتشدد، وهي تعبيرات محجوزة لوصف المنهج السلفي بها، ويقول الشيخ محمد الشهاوي مؤسس هذا المجلس في حواره مع موقع إسلام أون لاين بتاريخ 8/10/2009 "وسنحاول أن نحث المسئولين في معظم الدول من خلال المجلس العالمي على أن يدعموا الصوفية لكي يوقفوا تيار السلفية الذي يتمدد في العالم والذي يتسبب في نشر التعصب والتشدد".
3- وقد دخلت المرأة الصوفية على الخط في مواجهة السلفية حيث أنشأت السيدة ماجدة عيد زوجة محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية ومؤسس المجلس الصوفي العالمي-فيما بعد-جمعية صوفية للنساء باسم "دار النساء الصوفيات"، وذكرت أن هدف الجمعية يتلخص في: "الدعوة إلى فهم الدين الصحيح الوسطي، وخاصة في أوساط المرأة المصرية والنشء الصغير بعد أن مزقته السلفية الوهابية التي غزت المجتمع وتمددت عبر وسائل الإعلام"، وقالت في حوار صحفي: "الإسلام دين وسطي عمل الوهابيون والأصوليون على تشويهه على مدى سنوات طوال، وآن الأوان لمواجهة هذه الحملة الظلامية، وهذا ما تسعى اليه جمعية الصوفيات".
4- ومنذ عدة أشهر أعلن علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية أنه سوف يتم إطلاق قناة فضائية صوفية جديدة لمواجهة الفضائيات السلفية، عن طريق "تقديم الإسلام الوسطي المعتدل، ومواجهة الفكر الأصولي المتشدد لمن يسمون أنفسهم السلفيين والوهابيين".
5- وهناك حديث عن قيام مؤسسة الأهرام ممثلة للحكومة المصرية بعقد اتفاق مع شيخ شيوخ الطرق الصوفية لمواجهة الفكر السلفي والمد الإخواني، وهذا مما يدل على أن الاتجاه الصوفي يقوم بمحاربة السلفية بالوكالة، وهو في الوقت نفسه يسقط أو يفسد أي مصداقية لهم في هذا الاتجاه، لأنها حرب بالنيابة أو بالوكالة لجهات قد لا تريد أن تظهر في الصورة، أو ترى عدم تقبل جمهور المسلمين لهجومهم.
فكل هذا يبين عزم الصوفية على مواجهة السلفية ومحاربتها على جميع الأصعدة واستعداء الأنظمة عليها.
ولعل من مظاهر دعم هذه الحرب إعادة إعمار المزارات والأضرحة، ونشر الكتب والمدارس الصوفية، ودعم الطرق الصوفية، مع الإصرار على الحضور الإعلامي لبعض أنشطة الصوفية ورموزها، واستضافتهم وعقد الاتفاقات والمؤتمرات معهم.
إن تركيز التقارير على استخدام أهل البدع والفرق، وكذلك الاتجاهات العصرية من حداثة وعلمانية في تنفيذ المخطط المعادي للإسلام يؤكد أن السلفيين أتباع المنهج السلفي الممثل الحقيقي للأمة في مواجهة المعتدين على عقائدها وحرماتها وممتلكاتها، وأنهم باتباعهم لهذا المنهج يمنعون الأمة من الإذعان للأمركة، وأن من يحاربهم يقف في خندق واحد مع أعداء الأمة وإن كان لا يعلم.
الاختراق الأمريكي للجماعات الصوفية:
في أعقاب أحداث 11/9/2001م بدا لأمريكا من خلال عدد من المراكز البحثية أنه يمكن النظر إلى الصوفية على أنها الشريك المناسب لمقاومة من ينظرون إليه على أنه رمز للتشدد والجمود، ومن ثم عملت على تقويتها والتمكين لها، وإسنادها من خلال عدة فعاليات وبادلتها الطرق الصوفية حبا بحب وتقديرا بتقدير:
1- في مطلع يونيو عام 2009م، عقد مؤتمر للصوفية في مصر، وفي ختام المؤتمر أصدرت الطرق الصوفية المشاركة بيانا دعت فيه "إلى تشكيل لجان من العلماء المسلمين بأنحاء العالم لبحث كيفية التقارب بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، ودراسة القيم المشتركة التي يمكن التعاون فيها".
2- وفي أواخر الشهر نفسه وجهت السفيرة الأمريكية في القاهرة مرجريت سكوبي دعوة إلى تسعة طرق صوفية لحضور احتفال السفارة بعيد الاستقلال الأمريكي في أول يوليو.
3- في أواخر عام 2009م أعلنت مصادر إعلامية أمريكية أن السفارة الأمريكية في القاهرة تعتزم توجيه الدعوة إلى ممثلي العديد من الطرق الصوفية والمذاهب الدينية في مصر للدخول في حوار رسمي معها للتوافق حول العديد من القضايا ومواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى، وذكرت هذه المصادر أن الهدف من الحوار "دعم الفرق الإسلامية المعتدلة-من وجهة النظر الأمريكية-، وبحث مستقبل عملية السلام والحوار بين الأديان والعلاقات بين الطرق الصوفية وإسرائيل في حالة حدوث تسوية"، و"بحث سبل مواجهة انتشار ما تسميه أمريكا الفكر المتشدد والأصولي في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة".
4- في 3/8/2010 الموافق يوم الثلاثاء نشر في صحيفة الدستور المصرية خبر اجتماع شيوخ الصوفية مع ممثل للإدارة الأمريكية بحضور أمن الدولة في مقر الطريقة العزمية لمدة ساعتين، وناقش الاجتماع التنسيق بين شيوخ الصوفية في مصر والإدارة الأمريكية لنشر الإسلام الصوفي المعتدل بين المسلمين الأمريكيين، وأكد ممثل الإدارة الأمريكية أن نموذج الإسلام الصوفي يمثل الإسلام المقبول والمرحب به في أمريكا لكونه-كما يزعم-إسلاما وسطيا ومعتدلا، وقد طلب ممثل الإدارة الأمريكية استمرار اللقاءات والتنسيق بين الجانبين.
هذه الشهادة الأمريكية للصوفية تصيب -عند المسلمين الفاقهين لدينهم- التوجه الصوفي في مقتل حيث عدته مقبولا لديها ومرحبا به، ولا يخفى أن شهادة الأعداء لهم تدل على أن توجههم يخدم المصالح الأمريكية التي هي على الضد من مصالح أمتنا وديننا، واتفاق الإدارة الأمريكية مع الصوفية لنشرها بين مسلمي أمريكا يعنى أنها لم تعد تكتفي بإفساد بلاد المنشأ وإنما تجاوزتها إلى الأطراف والروافد، حيث تشبع حاجة المتدينين المسلمين لديها في الوقت الذي تقطع الطريق عليهم في اتجاههم نحو السلفية، وهذا مما يبين أن الصوفية منسجمة مع الرؤية الأمريكية في العمل على إفراغ الإسلام من محتواه العقدي والجهادي الذي أقض مضاجع الأمريكيين والراغبين في السيطرة على بلاد المسلمين، ولعلنا نلحظ مسارعة كثير من الأنظمة تغليب المصلحة الأمريكية في التمكين للصوفية على المصلحة الوطنية حيث يتبوأ الآن نفر من الصوفية كثير من المناصب المهمة ، ففي أكثر من بلد رأينا تولي المتصوفة لوزارة الأوقاف ولوظيفة المفتي ولرئاسة الجامعة الإسلامية وغير ذلك من المناصب.
وهذا كله يصب في تقوية شوكة الصوفية كي تواجه أصحاب المنهج السلفي بألسنة حداد،
والآن يراد من الصوفية القيام بما لم تستطع القيام به العلمانية، وذلك تحت وهم العناية بالقلب وتزكية النفس والعناية بالروح، والزهد في الدنيا، فيتم إبعاد الدين عن التدخل في مجالات الحياة كالسياسة والاقتصاد وتنمية المجتمعات والقضاء على روح الجهاد ليقر للمحتلين قرارهم في الاستيلاء على بلاد المسلمين, صرح برنارد لويس فقال: "إن الغرب يسعى إلى مصالحة "التصوف الإسلامي" ودعمه لكي يستطيع مليء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة".
وتسعى أمريكا والعالم الغربي للتمكين للصوفية في بلاد المسلمين على حساب أصحاب المنهج السلفي لأن هذا-كما يقولون-يساعد على الانسجام مع المنظومة الدولية بالإضافة إلى قابلية الخضوع للقوانين والمعايير المتعارف عليها دوليا، كما أن التمكين للصوفية يساعد على مواجهة المد السلفي وإعاقته ووضع العراقيل أمامه
لكن على الصوفيين أن يستيقنوا أن مراد أمريكا هو تبديل الإسلام وتغييره وليس البحث عن ما يفيد وينفع أمة المسلمين، وما تظهره من ود أو تقدير للصوفية ليس حبا فيهم، بل ما هو إلا كحبة القمح التي يضعها الصياد في فخه، فإنه لم يضعها بقصد إطعام العصافير الجوعى بل ما وضعها إلا لكي يصطادها بها، ثم يجعلها بعد ذلك وليمة شهية لأهله وأصحابه، من قبل أن تتمكن هذه العصافير المخدوعة من التقاط حبة القمح، ومما يدل على مراد أمريكا من التقرب والتواد لبعض الاتجاهات المسلمة ما جاء في أحد تقارير راند حيث يفصح التقرير عن الهدف بقوله: "إن تحويل ديانة عالم بكامله ليس بالأمر السهل، إذا كانت عملية بناء أمة مهمة خطيرة، فإن بناء الدين مسألة أكثر خطورة وتعقيدا منها"، فالمراد إذن إعادة بناء الإسلام وفق الأجندة الأمريكية واستخدام الصوفية في ذلك كحصان طروادة.
ولكن النصوص الشرعية تبين أن كيد هؤلاء حابط وأنهم لن يتحقق لهم ما يريدون فدين الله محفوظ، كما أن خبرة التاريخ تبين أنه لا بد من وجود الطائفة التي يحفظ الله بها وبجهودها الدين وينصره، والله تعالى ليس في حاجة لهذه الطائفة، وإنما ليميز الخبيث من الطيب، وليختبر ما في صدور الناس وليبتلي بعضهم ببعض قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} وقال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وهذا يضع على كاهل السلفيين مهمة المنافحة عن منهجهم بقوة وحزم، والسعي في نشره وتوسيع أرضية قبوله بين الشعوب الإسلامية، وترك الدعة والركون إلى الدفع القدري قال تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، فالمسلم مكلف بالدفع الشرعي وأما الدفع القدري فذلك فضل من الله يؤيد به عباده الساعين في نصرة دينه، نسأل الله تعالى من واسع فضله أن يشرفنا بنصرة دينه.
السلفية تعني اقتفاء آثار السلف الصالح ومتابعتهم في تعاملهم مع النصوص الشرعية من الكتاب العزيز والسنة المطهرة من حيث تعظيمها وتوقيرها وتقديمها على كل ما عداها، ومن حيث كيفية فهمها واستنباط الأحكام منها، ومن ثم فالسلفية تمثل منهجا وليست مذهبا أو مجموعة اختيارات فقهية، ولهذه الخاصية صار من أصعب الصعاب تطويع أو استخدام متبعي المنهج السلفي، بل صاروا حجر عثرة أمام كل محاولات إفساد عقيدة المسلمين وتخريب سلوكهم وأخلاقهم، ومن ثم لم يكونوا -كغيرهم- جسرا يعبر عليه أعداء الأمة ليقتطعوا منها ما شاءوا، وهذا يفسر سبب العداوة الشديدة التي تلقاها السلفية والحرب التي تشن عليها بين فترة وأخرى سواء من الأعداء الخارجيين أو من ربائبهم الداخليين.
وقد كان غريبا على المتابع لمجريات الأحداث في أمتنا أن يجد التعاون والتناصر بين فئات لم يكن يدور بخلد مسلم إمكانية اللقاء بينهم، نظرا لما في ظاهر أمرهم من التناقض الشديد والتباين الكامل، لكن عداوة تلك الفئات للمنهج السلفي جمعت بينهم وألفت بين أهوائهم.
يحتشد في الصف المناوئ للسلفية الكفار من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، بجانب أهل البدع الخارجين على منهج أهل السنة والجماعة، وليس يُدرى بأي مقياس يقيس هؤلاء عندما يتعاون من يصنفون أنفسهم في خانة المحبين لله ولرسوله و لآل بيته الأطهار، مع النصارى الذين يدعون مع الله إلها آخر، ويقفون صفا واحدا متعاونين في مواجهة أتباع المنهج السلفي الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويجعلون من الكتاب والسنة وإجماع الأمة المصادر التي يرجعون إليها في تكوين عقائدهم وسلوكياتهم وأخلاقهم وعباداتهم، ويقيمون عليها صرحهم الفقهي.
في الدراسات التي تقوم بها بعض مراكز الأبحاث التي تعتني بمحاربة الإسلام تُوجه السهام بقوة نحو المنهج السلفي ويعدونه الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات الاختراق للبنية العقدية والأخلاقية للأمة الإسلامية، وبعد تجارب متعددة ومحاولات شتى وجدوا أن من أنجح الوسائل لتحقيق ما يريدون أن يكون توجه إسلامي آخر هو رأس الحربة التي يحاربون بها السلفية، وقد وقع اختيارهم على الصوفية للقيام بذلك الدور ليقينهم أنها من أبعد الناس عن السلفية وأعدى أعدائها، ذلك أن مراجع الصوفية التي يرجعون إليها تناقض مناقضة تامة مراجع السلفية فهي لا تخرج عن الرؤى والمنامات ومتابعة شيوخ الطريقة والشطحات في ظل منهج غير منضبط في الفهم والاستنباط من النصوص، يعتمد ما يزعمونه من الكشف والذوق والإلهام والخواطر والعلم اللدني، ومن هنا كانت الصوفية القناة المنفتحة التي تمر من خلالها حملات التغريب وإفساد الهوية وإضعاف الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، وهذا يفسر سر حفاوة أعداء الملة والأمة بالصوفية، حيث يقوم الفكر الصوفي في مجمله على استبعاد الجهاد ضد أعداء الملة ويقدم تفسيرا للإسلام يعتمد الخمول والخنوع، مع الانفتاح غير المنضبط مع الآخر المختلف عقديا وثقافيا باختلاق ذرائع متعددة، مع الاتكالية والسلبية إزاء ما يعترض الأمة من تحديات، وذلك لبعدهم عن الخوض في السياسة وتسليم الأمر للساسة-أيا كانوا مسلمين أو غير مسلمين- كي يفعلوا ويقولوا ما يشاءون، (وهذا لم يمنع من وجود مجموعات صوفية-خاصة في إفريقيا-خرجت على هذا النسق، وساعدت بشكل كبير وجهد منسق في التصدي للمستعمر الكافر الذي احتل بلاد المسلمين، وتصدت للحملات التنصيرية، وأسهمت في نشر كثير من التعاليم الإسلامية عن طريق الكتاتيب).
التمكين للصوفية ومحاربة السلفية:
1- تبني أمريكا كثيرا من سياساتها إزاء العالم الإسلامي على تقارير مؤسسة راند، وقد وردت الفقرة التالية في أحد تلك التقارير وهي تبين السلوك الأمريكي لتخريب الإسلام من داخله: "تقوية مكانة الصوفية، وتشجيع الدول التي لديها تقاليد صوفية قوية للتركيز على ذلك الجزء من تاريخها، وإدراجه في مناهجها التعليمية".
2- في أواخر عام 2009م رعت بريطانيا إنشاء "المجلس الصوفي العالمي" ومقره في لندن، بترخيص بريطاني ومعتمد من وزارة الخارجية البريطانية، وأصدر المجلس بيانا جاء فيه أنه "منظمة إسلامية تدعو إلى تحقيق السلم والسلام في العالم وتتصدى للإرهاب والعنف والتشدد والتعصب، ولا تتدخل في سياسات الدول المختلفة وتحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة، وتعمل على إزالة الخلافات العقائدية، وتقرب بين الأديان المختلفة لتحقيق الاستقرار في كل دول العالم، وهو منظمة لها الشخصية المعنوية المستقلة أغراضها نشر الدين الإسلامي الصحيح، والدعوة إلى الله ونشر الوعي الديني والثقافي"، ويتضح من هذا البيان المراد بالدين الإسلامي الصحيح عند هذا المجلس المعتمد لدى بريطانيا والغرب، فهو يحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة ويقرب بين الأديان المختلفة، في الوقت الذي يتصدى فيه للتعصب والتشدد، وهي تعبيرات محجوزة لوصف المنهج السلفي بها، ويقول الشيخ محمد الشهاوي مؤسس هذا المجلس في حواره مع موقع إسلام أون لاين بتاريخ 8/10/2009 "وسنحاول أن نحث المسئولين في معظم الدول من خلال المجلس العالمي على أن يدعموا الصوفية لكي يوقفوا تيار السلفية الذي يتمدد في العالم والذي يتسبب في نشر التعصب والتشدد".
3- وقد دخلت المرأة الصوفية على الخط في مواجهة السلفية حيث أنشأت السيدة ماجدة عيد زوجة محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية ومؤسس المجلس الصوفي العالمي-فيما بعد-جمعية صوفية للنساء باسم "دار النساء الصوفيات"، وذكرت أن هدف الجمعية يتلخص في: "الدعوة إلى فهم الدين الصحيح الوسطي، وخاصة في أوساط المرأة المصرية والنشء الصغير بعد أن مزقته السلفية الوهابية التي غزت المجتمع وتمددت عبر وسائل الإعلام"، وقالت في حوار صحفي: "الإسلام دين وسطي عمل الوهابيون والأصوليون على تشويهه على مدى سنوات طوال، وآن الأوان لمواجهة هذه الحملة الظلامية، وهذا ما تسعى اليه جمعية الصوفيات".
4- ومنذ عدة أشهر أعلن علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية أنه سوف يتم إطلاق قناة فضائية صوفية جديدة لمواجهة الفضائيات السلفية، عن طريق "تقديم الإسلام الوسطي المعتدل، ومواجهة الفكر الأصولي المتشدد لمن يسمون أنفسهم السلفيين والوهابيين".
5- وهناك حديث عن قيام مؤسسة الأهرام ممثلة للحكومة المصرية بعقد اتفاق مع شيخ شيوخ الطرق الصوفية لمواجهة الفكر السلفي والمد الإخواني، وهذا مما يدل على أن الاتجاه الصوفي يقوم بمحاربة السلفية بالوكالة، وهو في الوقت نفسه يسقط أو يفسد أي مصداقية لهم في هذا الاتجاه، لأنها حرب بالنيابة أو بالوكالة لجهات قد لا تريد أن تظهر في الصورة، أو ترى عدم تقبل جمهور المسلمين لهجومهم.
فكل هذا يبين عزم الصوفية على مواجهة السلفية ومحاربتها على جميع الأصعدة واستعداء الأنظمة عليها.
ولعل من مظاهر دعم هذه الحرب إعادة إعمار المزارات والأضرحة، ونشر الكتب والمدارس الصوفية، ودعم الطرق الصوفية، مع الإصرار على الحضور الإعلامي لبعض أنشطة الصوفية ورموزها، واستضافتهم وعقد الاتفاقات والمؤتمرات معهم.
إن تركيز التقارير على استخدام أهل البدع والفرق، وكذلك الاتجاهات العصرية من حداثة وعلمانية في تنفيذ المخطط المعادي للإسلام يؤكد أن السلفيين أتباع المنهج السلفي الممثل الحقيقي للأمة في مواجهة المعتدين على عقائدها وحرماتها وممتلكاتها، وأنهم باتباعهم لهذا المنهج يمنعون الأمة من الإذعان للأمركة، وأن من يحاربهم يقف في خندق واحد مع أعداء الأمة وإن كان لا يعلم.
الاختراق الأمريكي للجماعات الصوفية:
في أعقاب أحداث 11/9/2001م بدا لأمريكا من خلال عدد من المراكز البحثية أنه يمكن النظر إلى الصوفية على أنها الشريك المناسب لمقاومة من ينظرون إليه على أنه رمز للتشدد والجمود، ومن ثم عملت على تقويتها والتمكين لها، وإسنادها من خلال عدة فعاليات وبادلتها الطرق الصوفية حبا بحب وتقديرا بتقدير:
1- في مطلع يونيو عام 2009م، عقد مؤتمر للصوفية في مصر، وفي ختام المؤتمر أصدرت الطرق الصوفية المشاركة بيانا دعت فيه "إلى تشكيل لجان من العلماء المسلمين بأنحاء العالم لبحث كيفية التقارب بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، ودراسة القيم المشتركة التي يمكن التعاون فيها".
2- وفي أواخر الشهر نفسه وجهت السفيرة الأمريكية في القاهرة مرجريت سكوبي دعوة إلى تسعة طرق صوفية لحضور احتفال السفارة بعيد الاستقلال الأمريكي في أول يوليو.
3- في أواخر عام 2009م أعلنت مصادر إعلامية أمريكية أن السفارة الأمريكية في القاهرة تعتزم توجيه الدعوة إلى ممثلي العديد من الطرق الصوفية والمذاهب الدينية في مصر للدخول في حوار رسمي معها للتوافق حول العديد من القضايا ومواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى، وذكرت هذه المصادر أن الهدف من الحوار "دعم الفرق الإسلامية المعتدلة-من وجهة النظر الأمريكية-، وبحث مستقبل عملية السلام والحوار بين الأديان والعلاقات بين الطرق الصوفية وإسرائيل في حالة حدوث تسوية"، و"بحث سبل مواجهة انتشار ما تسميه أمريكا الفكر المتشدد والأصولي في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة".
4- في 3/8/2010 الموافق يوم الثلاثاء نشر في صحيفة الدستور المصرية خبر اجتماع شيوخ الصوفية مع ممثل للإدارة الأمريكية بحضور أمن الدولة في مقر الطريقة العزمية لمدة ساعتين، وناقش الاجتماع التنسيق بين شيوخ الصوفية في مصر والإدارة الأمريكية لنشر الإسلام الصوفي المعتدل بين المسلمين الأمريكيين، وأكد ممثل الإدارة الأمريكية أن نموذج الإسلام الصوفي يمثل الإسلام المقبول والمرحب به في أمريكا لكونه-كما يزعم-إسلاما وسطيا ومعتدلا، وقد طلب ممثل الإدارة الأمريكية استمرار اللقاءات والتنسيق بين الجانبين.
هذه الشهادة الأمريكية للصوفية تصيب -عند المسلمين الفاقهين لدينهم- التوجه الصوفي في مقتل حيث عدته مقبولا لديها ومرحبا به، ولا يخفى أن شهادة الأعداء لهم تدل على أن توجههم يخدم المصالح الأمريكية التي هي على الضد من مصالح أمتنا وديننا، واتفاق الإدارة الأمريكية مع الصوفية لنشرها بين مسلمي أمريكا يعنى أنها لم تعد تكتفي بإفساد بلاد المنشأ وإنما تجاوزتها إلى الأطراف والروافد، حيث تشبع حاجة المتدينين المسلمين لديها في الوقت الذي تقطع الطريق عليهم في اتجاههم نحو السلفية، وهذا مما يبين أن الصوفية منسجمة مع الرؤية الأمريكية في العمل على إفراغ الإسلام من محتواه العقدي والجهادي الذي أقض مضاجع الأمريكيين والراغبين في السيطرة على بلاد المسلمين، ولعلنا نلحظ مسارعة كثير من الأنظمة تغليب المصلحة الأمريكية في التمكين للصوفية على المصلحة الوطنية حيث يتبوأ الآن نفر من الصوفية كثير من المناصب المهمة ، ففي أكثر من بلد رأينا تولي المتصوفة لوزارة الأوقاف ولوظيفة المفتي ولرئاسة الجامعة الإسلامية وغير ذلك من المناصب.
وهذا كله يصب في تقوية شوكة الصوفية كي تواجه أصحاب المنهج السلفي بألسنة حداد،
والآن يراد من الصوفية القيام بما لم تستطع القيام به العلمانية، وذلك تحت وهم العناية بالقلب وتزكية النفس والعناية بالروح، والزهد في الدنيا، فيتم إبعاد الدين عن التدخل في مجالات الحياة كالسياسة والاقتصاد وتنمية المجتمعات والقضاء على روح الجهاد ليقر للمحتلين قرارهم في الاستيلاء على بلاد المسلمين, صرح برنارد لويس فقال: "إن الغرب يسعى إلى مصالحة "التصوف الإسلامي" ودعمه لكي يستطيع مليء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة".
وتسعى أمريكا والعالم الغربي للتمكين للصوفية في بلاد المسلمين على حساب أصحاب المنهج السلفي لأن هذا-كما يقولون-يساعد على الانسجام مع المنظومة الدولية بالإضافة إلى قابلية الخضوع للقوانين والمعايير المتعارف عليها دوليا، كما أن التمكين للصوفية يساعد على مواجهة المد السلفي وإعاقته ووضع العراقيل أمامه
لكن على الصوفيين أن يستيقنوا أن مراد أمريكا هو تبديل الإسلام وتغييره وليس البحث عن ما يفيد وينفع أمة المسلمين، وما تظهره من ود أو تقدير للصوفية ليس حبا فيهم، بل ما هو إلا كحبة القمح التي يضعها الصياد في فخه، فإنه لم يضعها بقصد إطعام العصافير الجوعى بل ما وضعها إلا لكي يصطادها بها، ثم يجعلها بعد ذلك وليمة شهية لأهله وأصحابه، من قبل أن تتمكن هذه العصافير المخدوعة من التقاط حبة القمح، ومما يدل على مراد أمريكا من التقرب والتواد لبعض الاتجاهات المسلمة ما جاء في أحد تقارير راند حيث يفصح التقرير عن الهدف بقوله: "إن تحويل ديانة عالم بكامله ليس بالأمر السهل، إذا كانت عملية بناء أمة مهمة خطيرة، فإن بناء الدين مسألة أكثر خطورة وتعقيدا منها"، فالمراد إذن إعادة بناء الإسلام وفق الأجندة الأمريكية واستخدام الصوفية في ذلك كحصان طروادة.
ولكن النصوص الشرعية تبين أن كيد هؤلاء حابط وأنهم لن يتحقق لهم ما يريدون فدين الله محفوظ، كما أن خبرة التاريخ تبين أنه لا بد من وجود الطائفة التي يحفظ الله بها وبجهودها الدين وينصره، والله تعالى ليس في حاجة لهذه الطائفة، وإنما ليميز الخبيث من الطيب، وليختبر ما في صدور الناس وليبتلي بعضهم ببعض قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} وقال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وهذا يضع على كاهل السلفيين مهمة المنافحة عن منهجهم بقوة وحزم، والسعي في نشره وتوسيع أرضية قبوله بين الشعوب الإسلامية، وترك الدعة والركون إلى الدفع القدري قال تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، فالمسلم مكلف بالدفع الشرعي وأما الدفع القدري فذلك فضل من الله يؤيد به عباده الساعين في نصرة دينه، نسأل الله تعالى من واسع فضله أن يشرفنا بنصرة دينه.
الصوفية في مواجهة السلفية
محمد بن شاكر الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
السلفية تعني اقتفاء آثار السلف الصالح ومتابعتهم في تعاملهم مع النصوص الشرعية من الكتاب العزيز والسنة المطهرة من حيث تعظيمها وتوقيرها وتقديمها على كل ما عداها، ومن حيث كيفية فهمها واستنباط الأحكام منها، ومن ثم فالسلفية تمثل منهجا وليست مذهبا أو مجموعة اختيارات فقهية، ولهذه الخاصية صار من أصعب الصعاب تطويع أو استخدام متبعي المنهج السلفي، بل صاروا حجر عثرة أمام كل محاولات إفساد عقيدة المسلمين وتخريب سلوكهم وأخلاقهم، ومن ثم لم يكونوا -كغيرهم- جسرا يعبر عليه أعداء الأمة ليقتطعوا منها ما شاءوا، وهذا يفسر سبب العداوة الشديدة التي تلقاها السلفية والحرب التي تشن عليها بين فترة وأخرى سواء من الأعداء الخارجيين أو من ربائبهم الداخليين.
وقد كان غريبا على المتابع لمجريات الأحداث في أمتنا أن يجد التعاون والتناصر بين فئات لم يكن يدور بخلد مسلم إمكانية اللقاء بينهم، نظرا لما في ظاهر أمرهم من التناقض الشديد والتباين الكامل، لكن عداوة تلك الفئات للمنهج السلفي جمعت بينهم وألفت بين أهوائهم.
يحتشد في الصف المناوئ للسلفية الكفار من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، بجانب أهل البدع الخارجين على منهج أهل السنة والجماعة، وليس يُدرى بأي مقياس يقيس هؤلاء عندما يتعاون من يصنفون أنفسهم في خانة المحبين لله ولرسوله و لآل بيته الأطهار، مع النصارى الذين يدعون مع الله إلها آخر، ويقفون صفا واحدا متعاونين في مواجهة أتباع المنهج السلفي الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويجعلون من الكتاب والسنة وإجماع الأمة المصادر التي يرجعون إليها في تكوين عقائدهم وسلوكياتهم وأخلاقهم وعباداتهم، ويقيمون عليها صرحهم الفقهي.
في الدراسات التي تقوم بها بعض مراكز الأبحاث التي تعتني بمحاربة الإسلام تُوجه السهام بقوة نحو المنهج السلفي ويعدونه الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات الاختراق للبنية العقدية والأخلاقية للأمة الإسلامية، وبعد تجارب متعددة ومحاولات شتى وجدوا أن من أنجح الوسائل لتحقيق ما يريدون أن يكون توجه إسلامي آخر هو رأس الحربة التي يحاربون بها السلفية، وقد وقع اختيارهم على الصوفية للقيام بذلك الدور ليقينهم أنها من أبعد الناس عن السلفية وأعدى أعدائها، ذلك أن مراجع الصوفية التي يرجعون إليها تناقض مناقضة تامة مراجع السلفية فهي لا تخرج عن الرؤى والمنامات ومتابعة شيوخ الطريقة والشطحات في ظل منهج غير منضبط في الفهم والاستنباط من النصوص، يعتمد ما يزعمونه من الكشف والذوق والإلهام والخواطر والعلم اللدني، ومن هنا كانت الصوفية القناة المنفتحة التي تمر من خلالها حملات التغريب وإفساد الهوية وإضعاف الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، وهذا يفسر سر حفاوة أعداء الملة والأمة بالصوفية، حيث يقوم الفكر الصوفي في مجمله على استبعاد الجهاد ضد أعداء الملة ويقدم تفسيرا للإسلام يعتمد الخمول والخنوع، مع الانفتاح غير المنضبط مع الآخر المختلف عقديا وثقافيا باختلاق ذرائع متعددة، مع الاتكالية والسلبية إزاء ما يعترض الأمة من تحديات، وذلك لبعدهم عن الخوض في السياسة وتسليم الأمر للساسة-أيا كانوا مسلمين أو غير مسلمين- كي يفعلوا ويقولوا ما يشاءون، (وهذا لم يمنع من وجود مجموعات صوفية-خاصة في إفريقيا-خرجت على هذا النسق، وساعدت بشكل كبير وجهد منسق في التصدي للمستعمر الكافر الذي احتل بلاد المسلمين، وتصدت للحملات التنصيرية، وأسهمت في نشر كثير من التعاليم الإسلامية عن طريق الكتاتيب).
التمكين للصوفية ومحاربة السلفية:
1- تبني أمريكا كثيرا من سياساتها إزاء العالم الإسلامي على تقارير مؤسسة راند، وقد وردت الفقرة التالية في أحد تلك التقارير وهي تبين السلوك الأمريكي لتخريب الإسلام من داخله: "تقوية مكانة الصوفية، وتشجيع الدول التي لديها تقاليد صوفية قوية للتركيز على ذلك الجزء من تاريخها، وإدراجه في مناهجها التعليمية".
2- في أواخر عام 2009م رعت بريطانيا إنشاء "المجلس الصوفي العالمي" ومقره في لندن، بترخيص بريطاني ومعتمد من وزارة الخارجية البريطانية، وأصدر المجلس بيانا جاء فيه أنه "منظمة إسلامية تدعو إلى تحقيق السلم والسلام في العالم وتتصدى للإرهاب والعنف والتشدد والتعصب، ولا تتدخل في سياسات الدول المختلفة وتحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة، وتعمل على إزالة الخلافات العقائدية، وتقرب بين الأديان المختلفة لتحقيق الاستقرار في كل دول العالم، وهو منظمة لها الشخصية المعنوية المستقلة أغراضها نشر الدين الإسلامي الصحيح، والدعوة إلى الله ونشر الوعي الديني والثقافي"، ويتضح من هذا البيان المراد بالدين الإسلامي الصحيح عند هذا المجلس المعتمد لدى بريطانيا والغرب، فهو يحترم كل معتقد لأي دين أو عقيدة ويقرب بين الأديان المختلفة، في الوقت الذي يتصدى فيه للتعصب والتشدد، وهي تعبيرات محجوزة لوصف المنهج السلفي بها، ويقول الشيخ محمد الشهاوي مؤسس هذا المجلس في حواره مع موقع إسلام أون لاين بتاريخ 8/10/2009 "وسنحاول أن نحث المسئولين في معظم الدول من خلال المجلس العالمي على أن يدعموا الصوفية لكي يوقفوا تيار السلفية الذي يتمدد في العالم والذي يتسبب في نشر التعصب والتشدد".
3- وقد دخلت المرأة الصوفية على الخط في مواجهة السلفية حيث أنشأت السيدة ماجدة عيد زوجة محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية ومؤسس المجلس الصوفي العالمي-فيما بعد-جمعية صوفية للنساء باسم "دار النساء الصوفيات"، وذكرت أن هدف الجمعية يتلخص في: "الدعوة إلى فهم الدين الصحيح الوسطي، وخاصة في أوساط المرأة المصرية والنشء الصغير بعد أن مزقته السلفية الوهابية التي غزت المجتمع وتمددت عبر وسائل الإعلام"، وقالت في حوار صحفي: "الإسلام دين وسطي عمل الوهابيون والأصوليون على تشويهه على مدى سنوات طوال، وآن الأوان لمواجهة هذه الحملة الظلامية، وهذا ما تسعى اليه جمعية الصوفيات".
4- ومنذ عدة أشهر أعلن علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية أنه سوف يتم إطلاق قناة فضائية صوفية جديدة لمواجهة الفضائيات السلفية، عن طريق "تقديم الإسلام الوسطي المعتدل، ومواجهة الفكر الأصولي المتشدد لمن يسمون أنفسهم السلفيين والوهابيين".
5- وهناك حديث عن قيام مؤسسة الأهرام ممثلة للحكومة المصرية بعقد اتفاق مع شيخ شيوخ الطرق الصوفية لمواجهة الفكر السلفي والمد الإخواني، وهذا مما يدل على أن الاتجاه الصوفي يقوم بمحاربة السلفية بالوكالة، وهو في الوقت نفسه يسقط أو يفسد أي مصداقية لهم في هذا الاتجاه، لأنها حرب بالنيابة أو بالوكالة لجهات قد لا تريد أن تظهر في الصورة، أو ترى عدم تقبل جمهور المسلمين لهجومهم.
فكل هذا يبين عزم الصوفية على مواجهة السلفية ومحاربتها على جميع الأصعدة واستعداء الأنظمة عليها.
ولعل من مظاهر دعم هذه الحرب إعادة إعمار المزارات والأضرحة، ونشر الكتب والمدارس الصوفية، ودعم الطرق الصوفية، مع الإصرار على الحضور الإعلامي لبعض أنشطة الصوفية ورموزها، واستضافتهم وعقد الاتفاقات والمؤتمرات معهم.
إن تركيز التقارير على استخدام أهل البدع والفرق، وكذلك الاتجاهات العصرية من حداثة وعلمانية في تنفيذ المخطط المعادي للإسلام يؤكد أن السلفيين أتباع المنهج السلفي الممثل الحقيقي للأمة في مواجهة المعتدين على عقائدها وحرماتها وممتلكاتها، وأنهم باتباعهم لهذا المنهج يمنعون الأمة من الإذعان للأمركة، وأن من يحاربهم يقف في خندق واحد مع أعداء الأمة وإن كان لا يعلم.
الاختراق الأمريكي للجماعات الصوفية:
في أعقاب أحداث 11/9/2001م بدا لأمريكا من خلال عدد من المراكز البحثية أنه يمكن النظر إلى الصوفية على أنها الشريك المناسب لمقاومة من ينظرون إليه على أنه رمز للتشدد والجمود، ومن ثم عملت على تقويتها والتمكين لها، وإسنادها من خلال عدة فعاليات وبادلتها الطرق الصوفية حبا بحب وتقديرا بتقدير:
1- في مطلع يونيو عام 2009م، عقد مؤتمر للصوفية في مصر، وفي ختام المؤتمر أصدرت الطرق الصوفية المشاركة بيانا دعت فيه "إلى تشكيل لجان من العلماء المسلمين بأنحاء العالم لبحث كيفية التقارب بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، ودراسة القيم المشتركة التي يمكن التعاون فيها".
2- وفي أواخر الشهر نفسه وجهت السفيرة الأمريكية في القاهرة مرجريت سكوبي دعوة إلى تسعة طرق صوفية لحضور احتفال السفارة بعيد الاستقلال الأمريكي في أول يوليو.
3- في أواخر عام 2009م أعلنت مصادر إعلامية أمريكية أن السفارة الأمريكية في القاهرة تعتزم توجيه الدعوة إلى ممثلي العديد من الطرق الصوفية والمذاهب الدينية في مصر للدخول في حوار رسمي معها للتوافق حول العديد من القضايا ومواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى، وذكرت هذه المصادر أن الهدف من الحوار "دعم الفرق الإسلامية المعتدلة-من وجهة النظر الأمريكية-، وبحث مستقبل عملية السلام والحوار بين الأديان والعلاقات بين الطرق الصوفية وإسرائيل في حالة حدوث تسوية"، و"بحث سبل مواجهة انتشار ما تسميه أمريكا الفكر المتشدد والأصولي في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة".
4- في 3/8/2010 الموافق يوم الثلاثاء نشر في صحيفة الدستور المصرية خبر اجتماع شيوخ الصوفية مع ممثل للإدارة الأمريكية بحضور أمن الدولة في مقر الطريقة العزمية لمدة ساعتين، وناقش الاجتماع التنسيق بين شيوخ الصوفية في مصر والإدارة الأمريكية لنشر الإسلام الصوفي المعتدل بين المسلمين الأمريكيين، وأكد ممثل الإدارة الأمريكية أن نموذج الإسلام الصوفي يمثل الإسلام المقبول والمرحب به في أمريكا لكونه-كما يزعم-إسلاما وسطيا ومعتدلا، وقد طلب ممثل الإدارة الأمريكية استمرار اللقاءات والتنسيق بين الجانبين.
هذه الشهادة الأمريكية للصوفية تصيب -عند المسلمين الفاقهين لدينهم- التوجه الصوفي في مقتل حيث عدته مقبولا لديها ومرحبا به، ولا يخفى أن شهادة الأعداء لهم تدل على أن توجههم يخدم المصالح الأمريكية التي هي على الضد من مصالح أمتنا وديننا، واتفاق الإدارة الأمريكية مع الصوفية لنشرها بين مسلمي أمريكا يعنى أنها لم تعد تكتفي بإفساد بلاد المنشأ وإنما تجاوزتها إلى الأطراف والروافد، حيث تشبع حاجة المتدينين المسلمين لديها في الوقت الذي تقطع الطريق عليهم في اتجاههم نحو السلفية، وهذا مما يبين أن الصوفية منسجمة مع الرؤية الأمريكية في العمل على إفراغ الإسلام من محتواه العقدي والجهادي الذي أقض مضاجع الأمريكيين والراغبين في السيطرة على بلاد المسلمين، ولعلنا نلحظ مسارعة كثير من الأنظمة تغليب المصلحة الأمريكية في التمكين للصوفية على المصلحة الوطنية حيث يتبوأ الآن نفر من الصوفية كثير من المناصب المهمة ، ففي أكثر من بلد رأينا تولي المتصوفة لوزارة الأوقاف ولوظيفة المفتي ولرئاسة الجامعة الإسلامية وغير ذلك من المناصب.
وهذا كله يصب في تقوية شوكة الصوفية كي تواجه أصحاب المنهج السلفي بألسنة حداد،
والآن يراد من الصوفية القيام بما لم تستطع القيام به العلمانية، وذلك تحت وهم العناية بالقلب وتزكية النفس والعناية بالروح، والزهد في الدنيا، فيتم إبعاد الدين عن التدخل في مجالات الحياة كالسياسة والاقتصاد وتنمية المجتمعات والقضاء على روح الجهاد ليقر للمحتلين قرارهم في الاستيلاء على بلاد المسلمين, صرح برنارد لويس فقال: "إن الغرب يسعى إلى مصالحة "التصوف الإسلامي" ودعمه لكي يستطيع مليء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة".
وتسعى أمريكا والعالم الغربي للتمكين للصوفية في بلاد المسلمين على حساب أصحاب المنهج السلفي لأن هذا-كما يقولون-يساعد على الانسجام مع المنظومة الدولية بالإضافة إلى قابلية الخضوع للقوانين والمعايير المتعارف عليها دوليا، كما أن التمكين للصوفية يساعد على مواجهة المد السلفي وإعاقته ووضع العراقيل أمامه
لكن على الصوفيين أن يستيقنوا أن مراد أمريكا هو تبديل الإسلام وتغييره وليس البحث عن ما يفيد وينفع أمة المسلمين، وما تظهره من ود أو تقدير للصوفية ليس حبا فيهم، بل ما هو إلا كحبة القمح التي يضعها الصياد في فخه، فإنه لم يضعها بقصد إطعام العصافير الجوعى بل ما وضعها إلا لكي يصطادها بها، ثم يجعلها بعد ذلك وليمة شهية لأهله وأصحابه، من قبل أن تتمكن هذه العصافير المخدوعة من التقاط حبة القمح، ومما يدل على مراد أمريكا من التقرب والتواد لبعض الاتجاهات المسلمة ما جاء في أحد تقارير راند حيث يفصح التقرير عن الهدف بقوله: "إن تحويل ديانة عالم بكامله ليس بالأمر السهل، إذا كانت عملية بناء أمة مهمة خطيرة، فإن بناء الدين مسألة أكثر خطورة وتعقيدا منها"، فالمراد إذن إعادة بناء الإسلام وفق الأجندة الأمريكية واستخدام الصوفية في ذلك كحصان طروادة.
ولكن النصوص الشرعية تبين أن كيد هؤلاء حابط وأنهم لن يتحقق لهم ما يريدون فدين الله محفوظ، كما أن خبرة التاريخ تبين أنه لا بد من وجود الطائفة التي يحفظ الله بها وبجهودها الدين وينصره، والله تعالى ليس في حاجة لهذه الطائفة، وإنما ليميز الخبيث من الطيب، وليختبر ما في صدور الناس وليبتلي بعضهم ببعض قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} وقال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وهذا يضع على كاهل السلفيين مهمة المنافحة عن منهجهم بقوة وحزم، والسعي في نشره وتوسيع أرضية قبوله بين الشعوب الإسلامية، وترك الدعة والركون إلى الدفع القدري قال تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، فالمسلم مكلف بالدفع الشرعي وأما الدفع القدري فذلك فضل من الله يؤيد به عباده الساعين في نصرة دينه، نسأل الله تعالى من واسع فضله أن يشرفنا بنصرة دينه.
محمد بن شاكر الشريف
- التصنيف: