بيع الكلاب
ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى عدم جواز بيع الكلاب، لما ورد من نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب، وثبت ذلك صحيحًا في حديث مسلم
{بسم الله الرحمن الرحيم }
ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى عدم جواز بيع الكلاب، لما ورد من نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب، وثبت ذلك صحيحًا في حديث مسلم، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» ".[ هو ما يعطاه على كهانته ، شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذه سهلاً بلا كلفة ولا في مقابلة مشقة]
وذهب الحنفية إلى جواز بيع الكلب مطلقًا؛ لأنه مال منتفع به حقيقة.
وذهب ابن نافع وابن كنانة وسحنون من المالكية إلى جواز بيع الكلب المأذون في اتخاذه، مثل كلب الماشية والصيد.. وعلى هذا فلا حرج في تربية الكلاب والاتجار فيها ما دامت لا تستخدم إلا للغرض المأذون فيه شرعا وهو الصيد والحراسة.
وفي الأحاديث دليل على أنه يجوز اقتناء كلب بغرض الصيد أوكلب الماشية، والاقتناء لا يكون إلا بالاشتراء، ففيه دليل على جواز بيع كلب الماشية والصيد، ويجوز بيعه لمّا جاز الانتفاع بها.
قال النووي رحمه الله تعالى [شافعي]: "وأما النهي عن ثمن الكلب، وكونه من شر الكسب، وكونه خبيثا: فيدل على تحريم بيعه، وأنه لا يصح بيعه، ولا يحل ثمنه، ولا قيمة على متلفه، سواء كان معلما أم لا، وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا، وبهذا قال جماهير العلماء منهم أبو هريرة والحسن البصري وربيعة والأوزاعى والحكم وحماد والشافعى وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم".
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقال ابن عمر: « أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتل الكلاب إلا كلب الصيد، أو كلب غنم أو ماشية» ، وقال عبد الله بن مغفل: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتل الكلاب، ثم قال: (ما بالهم وبال الكلاب؟) ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم» .
والحديثان في «الصحيح»
فدل على أن الرخصة في كلب الصيد وكلب الغنم وقعت بعد الأمر بقتل الكلاب، فالكلب الذي أذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في اقتنائه: هو الذي حرم ثمنه، وأخبر أنه خبيث، دون الكلب الذي أمر بقتله، فإن المأمور بقتله غير مستبقى حتى تحتاج الأمة إلى بيان حكم ثمنه، ولم تجر العادة ببيعه وشرائه، بخلاف الكلب المأذون في اقتنائه، فإن الحاجة داعية إلى بيان حكم ثمنه، أولى من حاجتهم إلى بيان ما لم تجر عادتهم ببيعه، بل قد أمروا بقتله .
ومما يبين هذا أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر الأربعة التي تبذل فيها الأموال عادة؛ لحرص النفوس عليها، وهي ما تأخذه الزانية والكاهن والحجام وبائع الكلب، فكيف يحمل هذا على كلب لم تجر العادة ببيعه، وتخرج منه الكلاب التي إنما جرت العادة ببيعها، هذا من الممتنع البيّن امتناعه؟!".
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "لا يجوز بيع الكلاب، ولا يحل ثمنها، سواء كانت كلاب حراسة أو صيد أو غير ذلك؛ لما روى أبو مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: « نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن» . [متفق على صحته] " .
مثال: لو وجدنا شخصاً عنده كلب ماشية ، وأبى أن يعطيه أحداً احتاج إليه إلا بثمن ، فإنه يجوز أن يدفع مالاً ليأخذه والإثم على البائع. مع أن البائع الذي باع الكلب إذا كان مستغنياً عنه حرام عليه اقتناؤه فضلاً عن بيعه .
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: " «حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» ".
وروى الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ- وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ)» [صححه الألباني في "الصحيحة"] والناضح: هو البعير الذي يُستعمل لسقاية الزرع .
فاختلف الفقهاء في كسب الحجام على أقوال، أرجحها أنه مباح، وإنما كره النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك للحر تنزيها، لدناءة هذه الصناعة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" حَالُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَيْسَتْ كَحَالِ الْمُسْتَغْنِي عَنْهُ، كَمَا قَالَ السَّلَفُ: كَسْبٌ فِيهِ بَعْضُ الدَّنَاءَةِ: خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ".
روى مسلم عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: «(شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ)» .
فحيث كان كسب الحجام مباحا، فلماذا قرن بينه وبين مهر البغي وثمن الكلب وهما محرمان؟
فالجواب:
أن هذا من باب استعمال المشترك في أكثر من معنى، في سياق واحد، لإرادة المعنى المشترك الجامع بين هذه المعاني؛ فهناك قدر مشترك بين الكسب الدنيء، وإن كان مباحا، وبين الكسب المحرم، وهو: الخسة والدناءة التي ينبغي أن يترفع عنها كرام الناس، فأراد الشارع أن يحث المكتسب على الكسب الحلال الطيب، الذي لا خسة فيه؛ فبغّض إليه الكسب الدنيء بالجمع بينه وبين الكسب المحرم، بواقع ما يشتركان فيه .
قال القرطبي رحمه الله: " لفظ (شر) من باب تعميم المشترك في مسمياته، أو من استعمالها في القدر المشترك بين الحرام والمكروه ".
وقال المناوي رحمه الله: "(شَرّ الْكسْب مهر الْبَغي وَثمن الْكَلْب وَكسب الْحجام) الأولان حرامان وَالثَّالِث مَكْرُوه، فَهُوَ من تَعْمِيم الْمُشْتَرك فِي مسمياته".
وقال الخطابي رحمه الله: " قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ، ويفرق بينهما في المعنى بالأغراض والمقاصد ".
فمقصود الشارع: التنبيه على خبث الكسب نفسه؛ فقرنه بالمحرم الخبيث، لينفر منه الكاسب، ومثله قوله في الرواية الأخرى (كسب الحجام خبيث)، قال ابن القيم رحمه الله:
" فَخُبْثُ أَجْرِ الْحَجَّامِ مِنْ جِنْسِ خُبْثِ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ، لَكِنَّ هَذَا خَبِيثُ الرَّائِحَةِ، وَهَذَا خَبِيثٌ لِكَسْبِهِ".
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: