التبريرات المرفوضة..
لقد حملتْ قضية منْع الطالبات المسلمات مِن ارتداء الحجاب تفاعلات مُختلفة في داخل فرنسا وخارجها، وعلى امتداد رُقعة الكُرة الأرضيَّة، وعلى الرَّغم منَ التَّبريرات المرفوضة التي ساقَها (الرئيسُ الفرنسي، ووزير خارجيته) في مقابلته مع قناة الجزيرة الفضائيَّة، وأنَّ ذلك خاص بطالبات المدارس الحكوميَّة فقط، حرصًا على مبادِئ العلمانيَّة التي قام عليها الدُّستور الفرنسي، وإتاحة الحُرية للطالبة في هذه المرحلة أن تختار ما تشاء، فإنَّ هناك جُملة منَ الحقائق لا بدَّ منَ الوقوف عندها..
أولاً: أنَّ هامِش حريَّة الرَّأي ومساحة التعبير عنِ القناعات في المجتمع الغربي -بِرَغم كل ما يُقال- هما أكثر بكثير مما يماثلهما في عالَمِنا العربي والإسلامي، ولا بُدَّ أن نُقدرهما، ولا ينبغي أن يحملنا ما نشعر به نحو هذا القرار على غمط الحق هكذا عَلَّمَنا ديننا: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. ونحن نعلم أنه لا يسمح في بعض البلاد الإسلاميَّة للتعبير عنِ الرأي في قضايا مماثِلة لِمَنْع الحجاب، لا في المدارس الحكومية فقط، بل في الجامعات وفي الأماكن العامَّة، وأن أحدًا لا يَجْرُؤ في كثير مِن تلك البلدان على مُجَرَّد التعبير عنِ الرأي والمعارَضة.
ثانياً: أنَّ حجاب طالِبات المدارس الثانوية في فرنسا وفي غيرها من دول أوربا أصبح قضية ينظر إليها على أنها من الخطورة، بحيث تستدعي تدخُّل رئيس دولة كبيرة مثل فرنسا لسنِّ قانون يضع حدًّا لتنامي هذه الظاهرة، التي ستُؤَدِّي إلى عواقب وخيمة من وجهة نظر الذي شرع هذا القانون.
ثالثاً: أنَّ الأمَّة الإسلاميَّة أمَّة حيَّة لا يمكن أن تموتَ، والتَّحديات تزيدها قوة وانبعاثًا، فقد خرجتِ المسلماتُ في دول أوروبا وفي غيرها من دول العالَم لمناهضة هذا القانون، الذي شعر جميعهم أنه يحارِبُهم في دينهم وعقيدتهم وانتمائهم، لكن كل ذلك لا يكفي، والومضات العاطفية التي تنبعث فجأة ثم تنطفئ لا يمكن لها أن تكتب للأمة تقدُّمًا بدون عمل جادٍّ متتابع ورصينٍ.
والسؤال الذي يتجَدَّد في ظل حوار الحضارات، ويبعث على الشعور بكثيرٍ منَ التناقُض، بل يوحي بهشاشة كثير منَ الشعارات التي قامتْ عليها الحضارة المادية، والذي ينادي به الغرب: ما الحوار المقصود؟ هل هو حوار الطرف الواحد؟ الطرف الذي يحاور ومعه القوة السياسية والعسكرية، وله الحق وحده في المحاورة، وعلى الطرف الآخر مجرد الاستماع والإنصات، ومِن ثمَّ فعل ما يأمره به الطرف الأول! أو أن الحوار يقوم على قدم المساواة بينهما؟ بل: كيف يتسَنَّى للطرف الغربي أن يزعمَ أن العالم العربي والإسلامي ينبذ الطَّرَف الآخر؟ وهو نفسه لا يستطيع أن يطيق رؤية فتاة صغيرة في مدرستها تَتَمَسَّك بعفافها وحجابها، وترفض السفور والتَّعَرِّي، أين الاحتمال للآخر، والقدرة على التَّفاهم والحوار؟
- التصنيف: