معالم تدخل إيران في سوريا وأهدافه منذ الثورة السورية وحتى اليوم
اتجهت القوى الدولية والإقليمية الأخرى إلى تجاهل إيران ومطالبها وأهدافها الإقليمية عند حدوث أي تنسيق إقليمي أو دولي حول مستقبل سوريا
انفجرت الثورة الشعبية السورية في 15 مارس 2011 وبدأت الثورة سلمية لكنها سرعان ما تحولت بحلول 2012 لنزاع مسلح يشبه الحرب الأهلية وكاد نظام بشار الأسد أن يسقط نتيجة هزيمة باتت وشيكة في ذلك الوقت، وكانت إيران تساعد نظام بشار الأسد منذ البداية بمعدات لمكافحة الشغب وتكنولوجيا لمراقبة الإنترنت، فضلاً عن تقديمها المشورة حول كيفية التعامل مع المظاهرات ولكن عندما أصبح النظام السوري على وشك هزيمة محققة أمام المعارضة المسلحة فإن إيران أوعزت لحزب الله اللبناني بالانضمام إلى القتال بجانب القوات الموالية لـ"بشار الأسد" كما نشرت إيران مقاتلين من «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» لتقديم المشورة للنظام السوري، فضلا عن أن بعضهم كانوا متورطين في القتال لجانب الأسد منذ البداية، وسرعان ما حشدت إيران مقاتلين من الميليشيات الشيعية من كل من:
العراق عام 2012.
ثم من أفغانستان عام 2013.
ثم من باكستان عام 2014.([1])
وهكذا عجت الساحة السورية بكافة أنواع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية وغير الإرهابية السنية منها والشيعية بعضها عمل لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد بينما عمل بعضها الآخر تحت مسمى الثورة السورية وهكذا تدخلت جمهورية إيران عسكريا رسميا وعلنيا لصالح بشار الأسد، وفي الواقع فإن سوريا مهمة جدا لإيران لدرجة أن رجل الدين الإيراني مهدي طائب الذي يترأس مركز "عمّار الاستراتيجي" قال: "لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا خوزستان (الأحواز) سنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا". علماً بأن الأحواز التي احتلها رضا شاه بهلوي بمساعدة بريطانية في 1925، كانت وما زالت الرئة الاقتصادية الكبرى لإيران؛ فمنها يتم تصدير 85% من النفط والغاز، و90% من محاصيل التمور، و50% من إنتاج القمح والغذاء، كما قال أيضا "إن سوريا هي المحافظة الـ35، وتُعدّ محافظة استراتيجية بالنسبة لنا. فإذا هاجمّنا العدو بغية احتلال سوريا أو خوزستان، الأَولى بنا أن نحتفظ بسوريا"، ونظرا لأن إيران 31 محافظة فإن المقصود بالأرقام من 32 إلى 34 هي العراق ولبنان واليمن([2]).
وأعادت إيران تنظيم "شبيحة" نظام الأسد المسلحين و"اللجان الشعبية" في إطار ميليشيا تضم قوة قوامها يتراوح بين 100 إلى 150 ألف مقاتلٍ تُعرف باسم «قوات الدفاع الوطني»، تم تكوينها على غرار قوات «الباسيج» شبه العسكرية الإيرانية، وهناك اعتقاد أن ضباط «الحرس الثوري الإيراني» يديرون عمليات «قوات الدفاع الوطني» التي جاءت لتنافس «الجيش السوري»، إن لم تهيمن عليه، كما نشرت إيران المئات من أفراد «الحرس الثوري الإيراني» العاديين بهدف زيادة عدد القوات السورية بالإضافة للقوات التي نشرها «حزب الله اللبناني».
ويختلف التقدير حول إجمالي عدد المقاتلين الإيرانيين في سوريا، فبعض التقديرات ترى أنها تتراوح بين 500 إلى 1000 مقاتل، بينما تذهب تقديرات أخرى إلى أن العدد هو بين 1000 و 5000 مقاتل، مما يزيد من عدد مقاتلي «حزب الله اللبناني» الذي يتراوح عدد مقاتليه في سوريا ما بين 4000 و5000 بجانب عدة آلاف من الميليشيات الشيعية الأخرى من أفغانستان والعراق وباكستان([3])، وبشكل عام فضلت إيران استخدام عملاء من الميليشيات الشيعية غير الإيرانية كوقود لحربها في سوريا وبالفعل صار عدد رجال الميليشيات الأفغانية الذين قتلوا في سوريا أكبر من عدد الإيرانيين الذي قتلوا هناك، ويهدف ذلك للحد من انكشاف حجم التدخل الإيراني وتقليل تحمل إيران للخسائر البشرية([4]).
ولم تكتف إيران بالتدخل العسكري لمساندة نظام بشار الأسد حليفها الوثيق في سوريا عبر إعادة تشكيل قطاع الأمن السوري بطريقتها، ولكنها أيضا وضعت الأساس لفرض تأثير طويل الأمد من خلال توفير مليارات الدولارات من النقد والنفط للنظام بينما تخترق المجتمع المدني والاقتصاد السوري، وأفادت بعض التقارير أن الكيانات الإيرانية تقوم بشراء العقارات وتؤسس الشركات وتتقدم بعطاءات للحصول على العقود الحكومية وتعزز التجارة لخلق شبكة من الأتباع، كما حاولت السلطات الإيرانية أن تضع يدها على الهندسة الديموغرافية عبر إعادة توطين السكان لتجعل الغلبة للشيعة.
وعندما أوشكت كل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على السقوط في الهزيمة أمام القوى المسلحة المعارضة لنظام الأسد فقد استدعت إيران التدخل العسكري الثقيل لروسيا الاتحادية([5]) عام 2015 مما أعطى إيران والقوات الموالية لها قدرة أكبر على المناورة والقيام بمزيد من العمليات العسكرية والأمنية بالاستناد للقوة الروسية الهائلة([6]).
و بشكل عام تمثل الميليشيات الوكيلة مكوناً أساسياً في استراتيجية إيران الكبرى في المنطقة، مما يمكنها من مواجهة خصومها بالإنكار، وتقليل التداعيات على سمعتها، مع ترسيخ نظرتها العالمية في أوساط المجتمعات الشيعية في الخارج، وفي الوقت نفسه، تستفيد الميليشيات المعنية من الأسلحة التي تتلقاها والتي لم يكن بإمكانها الحصول عليها، مما يعزّز قوتها مقارنةً بالجماعات المنافسة لها([7]).
أدت الزيادة الكبيرة في القوات الإيرانية على الساحة السورية إلى تضخم الوجود الإيراني وتعظيم قدراته، وما يدلل على ذلك التصريحات المتكررة للمسؤولين الإيرانيين، منها ما أدلى به النائب في البرلمان الإيراني عن طهران "علي رضا زاكاني" في 2014: "لو تأخرنا في اتخاذ القرارات الحاسمة تجاه الأزمة السورية، ولم نتدخل عسكرياً لسقط النظام السوري من بداية انطلاق الثورة".
وقد أدى هذا الأمر عملياً إلى سيطرة إيران على القرار السياسي والعسكري لنظام بشار الأسد كنتيجة مباشرة لارتباط استمراره بهذا التدخل الايراني، وهي تهدف من وراء ذلك لاستخدام الملف السوري في حالة ما إذا اتجهت القوى الدولية والإقليمية الأخرى إلى تجاهل إيران ومطالبها وأهدافها الإقليمية عند حدوث أي تنسيق إقليمي أو دولي حول مستقبل سوريا، كما أن إيران لا تغفل عن تبادل الأدوار بينها وبين الروس من خلال الملفات المشتركة بينهما (بحر قزوين، والقوقاز، وأذربيجان وأرمينيا، إضافة إلى الملف النووي)([8]).
********
هذا المقال مجتزأ من بحث كنت كتبته منذ سنتين ولم انشره حتى اليوم.
([1])انظر: آيزنشتات، مايكل (2015). التدخل العسكري الإيراني في سوريا: الآثار طويلة الأمد. معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، واشنطن، تم الرجوع اليها في 24 أغسطس 2021. على الموقع على الرابط التالي: https://cutt.us/bFAtG
([2])انظر: الجبوري، عماد الدين (2019). مخاطر إيران تجاه أمننا القومي (الحلقة السادسة). اندبندنت عربية. الامارات العربية المتحدة، تم الرجوع اليها في 24 أغسطس 2021. على الموقع الالكتروني على الرابط التالي:
([3])يذكر "فرزين نديمي" أن عدد الميليشيات الشيعية الأفغانية في سوريا المسماة لواء الفاطميون قد بلغ 14 ألفا بينما بلغ عدد الميليشيات الشيعية الباكستانية في سوريا نحو الف مقاتل، انظر: نديمي، فرزين (2016). وكلاء إيران الأفغان والباكستانيين في سوريا وخارجها، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، واشنطن، تم الرجوع اليها في 24 أغسطس 2021. على الموقع على الرابط التالي: https://cutt.us/07Z13.
وتذهب بعض التقديرات الأخرى إلى أن عدد المقاتلين الموالين لإيران من مختلف الجنسيات وصل لحوالي 80,000 مقاتل، انظر: Uskowi,Nader.(2018).The Evolving Iranian Strategy in Syria: A Looming Conflict with Israel, The Atlantic Council, September 2018, p2: https://bit.ly/3dC6HmC
([4])انظر: آيزنشتات، مايكل. مرجع سبق ذكره.
([5])انظر: آيزنشتات، مايكل. مرجع سبق ذكره.
([6])انظر: فارس،عبيدة (2020). الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة إيران في سورية، مركز جسور للدراسات. تركيا. تم الرجوع اليها في 24 أغسطس 2021 ، على الموقع على الرابط التالي: https://cutt.us/cf7ei
([7])انظر: الرفاعي، علا. (2021). لعبة إيران الطويلة الأمد في سوريا، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. واشنطن. تم الرجوع اليها في 24 أغسطس 2021. على الموقع على الرابط التالي: https://cutt.us/aXB01
([8])انظر عبد الله، شيماء محمود (2020). تمدد النفوذ الإيراني في سوريا .. (سياسياً – اقتصادياً – عسكرياً). المركز العربي للبحوث والدراسات. القاهرة. تم الرجوع اليها في 24 أغسطس 2021. على الموقع على الرابط التالي:
عبد المنعم منيب
صحفي و كاتب إسلامي مصري
- التصنيف: