معية الله ... سبيل الحرية!

منذ 2023-08-25

لم نعد نتحرر من أسر التكنولوجيا، والعلاقات الإنسانية النفعية، وجلب المال، والانشغال بالأولاد - بل والأهم من هذا كله - والمعاصي ... ، إلا في الأوقات التي نكون فيها مع الله مباشرة!

 

المتفكر في حياتنا المتسارعة التي نلهث فيها خلف زينة الحياة الدنيا يجد أننا لم نعد نتحرر من أسر التكنولوجيا، والعلاقات الإنسانية النفعية، وجلب المال، والانشغال بالأولاد - بل والأهم من هذا كله - والمعاصي ... ، إلا في الأوقات التي نكون فيها مع الله مباشرة!

وهما وقتان أساسيان أنعم الله بهما علينا كي يعطيا القدر الأدنى من الحرية طوعا (بالصلاة) وكرها (بالنوم!) ، ثم أرشدنا - كما سأبين لاحقا - كيف نكون أحرارا دائما.

إذن فالوقتان هما:

1-وقت الصلاة، ونحن بين يدي الله

فهي الصلة بين العبد وربه والانقطاع عن ما دون الله،

فأقرب ما يكون العبد من الله عندما يسجد له في صلاته

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّهِ وهو ساجدٌ"

2- وقت النوم، وأرواحنا في معية الله!

{﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حينَ مَوتِها وَالَّتي لَم تَمُت في مَنامِها فَيُمسِكُ الَّتي قَضى عَلَيهَا المَوتَ وَيُرسِلُ الأُخرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾} [الزمر: ٤٢]

والمتفكر في سر الراحة بعد النوم - للمؤمن وغير المؤمن - يجده في الاقتراب من الحي القيوم، فراحة الروح تكون بالاقتراب ممن نفخها فينا!

لكن هل تقتصر الحرية على هذين الوقتين؟! وهل نستطيع أن نكون أحرارا دائما؟!

الحرية ومعية الله!

------------

وهنا يتجلى مفهوم أن الحرية لا تتحقق مثاليا إلا في معية الله. إنها الحرية من أسر الحياة الدنيا، وذلك بإخلاص التوحيد لله.

والمتدبر يجد أن الحرية هي الحياة الحقيقية (*) ، فمن أراد أن يحيا فليكن حرا، ولا حرية إلا في العبودية التامة والاستسلام الكامل لله

لذا فإن أردنا أن نكون أحياءً دائما، بعيدا عن الموت - بمعناه الحقيقي - فإن السبيل الوحيد هو المعية الدائمة لله، وليس أقصر طريقًا لهذه المعية من طاعة الله والاستجابة له

قال تعالى:

{﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ﴾} [الأنفال: ٢٤]

والمعية ينبغي أن تكون دائمة، حتى بين الصلوات وذلك بذكر الله - أي تذكره دائما واستحضار مراقبته لنا وعبوديتنا له - فقد قال تعالى منبها على أهمية ذكر الله

{﴿اتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ﴾} [العنكبوت: ٤٥]

فالصلوات هي المحطات التي نتزود بها من غذاء الروح، كي نظل ذاكرين لله دائما فيما بينها، فنكون أحرارا حق الحرية، وأحياءً "حق الحياة" ، أو قل "الحياة الحقة"!

والله أعلم

(*) وقد جعل الله كفارة القتل الخطأ هي تحرير رقبة، في دلالة واضحة أن الحرية والحياة وجهان لنفس الجوهر

قال تعالى:

{﴿وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً فَتَحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهلِهِ إِلّا أَن يَصَّدَّقوا فَإِن كانَ مِن قَومٍ عَدُوٍّ لَكُم وَهُوَ مُؤمِنٌ فَتَحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وَإِن كانَ مِن قَومٍ بَينَكُم وَبَينَهُم ميثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهلِهِ وَتَحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ فَمَن لَم يَجِد فَصِيامُ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ تَوبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا﴾}

[النساء: ٩٢]

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي