استنساخ التجربة الأولى..

منذ 2011-11-10
استنساخ التجربة الأولى..
سحر المصري


تجربة الطلاق بالنسبة للرجل والمرأة هي من أصعب التجارب التي يمرّان بها وآلَمها.. يخرج كلّ منهما من الحياة الزوجية المنتهية مثقلاً بالألم والشعور بالفشل.. وقد يعتقدان أن الحياة انتهت عند هذه النقطة فلا جميل بعد اليوم.. ويزيد من المعاناة وجود أولاد بين الطليقين يحاولان تجاذبهم والانتقام من الآخر من خلالهم.. وتعاني المرأة "المطلقة" فوق هذا وذاك من نظرة ظالمة من مجتمع شرقي لا يرحم.. فتعيش المأساة.. وتتجرّع المرارة.. إن لم تستطع انتشال نفسها من أتون الاحتراق لتنطلق في الحياة من جديد..

ثم على مفترقٍ للطرق.. قد يتحقق إقبال على زواج ثان.. بالرغم من الخوف الذي يكتنف القلب من فشل آخر.. وفي الحقيقة فإن ذلك سيحدث إن لم يراع كل منهما شروطاً مهمة لتفادي صدمة الطلاق من جديد..
فأحياناً تختار المطلّقة رجلاً يشبه الأول في كل شيء.. ربما رغبةَ منها في إعادة التجربة بحكمة أكبر.. أو لأنها اعتادت على نمط معيّن.. أو ربما يسوقها الحنين لذلك.. وتعتقد جازمة أن الوضع سيكون مختلفاً هذه المرة وستحسن التعاطي معه بطريقة مغايرة..
وكذلك المطلّق.. قد يختار زوجة تشبه الأولى لاعتبارات يراها منطقية.. مقنعاً نفسه أن في هذا التشابه قدرة على النجاح بعد فشل.. أو إثبات ذات بأنه القوي المتحكِّم.. وفي حقيقة الأمر ما يفعله هؤلاء هو إعادة نفس الخطوات التي تؤدي للطلاق من جديد إن لم يحسنوا التعاطي مع الأمور بحكمة أو إن كان الخلل أساساً في شخصية الآخر وعدم تمكن الطرفين بهذه الخصائص الشخصية من التوافق والانسجام..
والخطأ الذي يقع فيه مَن يختار الزواج ممن يماثل الشخصية الأولى - رجلاً كان أم امرأة - هو عدم تحرّي الأسباب التي تعين على بناء بيت زوجي على أسس متينة.. فالاختيار السليم هو المفتاح الأساس لأي علاقة قوية دائمة.. والفشل في التخطيط لهذا المشروع المهم هو تخطيط للفشل! ومن الأهمية بمكان عند الطلاق أن يخلو كل طرف بنفسه ويحلّل بصدق وموضوعية الأسباب التي أوصلت هذه العلاقة الزوجية إلى هذه النهاية غير المرغوب بها..
هل كان الخلل في الاختيار من الأساس.. وما سببه؟ هل كان عدم قدرة على التعاطي مع الحياة الزوجية وضغوطاتها ومسؤولياتها ومشاكلها؟ هل كان نتيجة أسباب خارجية كتدخل الأهل؟ هل كان نتيجة مشكلة شخصية كالغيرة أو الشك أو عدم القدرة على تحمل المسؤولية؟ هل كان الجفاف العاطفي أو انعدام الحوار أو البخل أو غيرها.. المهم أن يتم سرد كل الاحتمالات والتدقيق في كل سبب.. أين منبعه؟ وهل كان بالإمكان تفاديه؟ وعلى ضوء هذه التساؤلات والتحليلات يمكن أن يضع كل من الطليقين إصبعه على الجرح تماماً.. حتى إذا ما خاض تجربة أُخرى تأكّد من عدم الوقوع في الأخطاء السابقة..

ويغلب على ظنّي أن أغلب المطلقين الذين يقبلون على الزواج مرة أخرى يبحثون عن أشخاص مختلفين تماماً عن أولئك الذين شاركوهم التجربة الأولى.. علماً أن الخوض في التجربة الثانية يكون الدخول فيها عادة بخطى متثاقلة خوفاً من العودة إلى جحر الطلاق.. فالعديد من الأزواج يعيشون (فوبيا) حقيقية من التجربة الثانية وقد يصل بهم الخوف إلى الإعراض عن الزواج والبقاء في نفق الوحدة القاسي..

ونصيحة أوجّهها لكل مَن عاش تجربة الطلاق ثم أراد أن يتزوج مرة أخرى.. لا بد من مراعاة بعض الأمور لتفادي الوقوع في طلاق جديد.. وأهم ذلك: التفكير مليّاً في الاختيار.. ودراسة الوضع جيداً ومن كل النواحي.. وتحديد الأولويات.. وعدم التنازل عن أي مبدأ من المبادئ التي كانت سبباً في إنهاء التجربة الأولى.. مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لسنا ملائكة وكلنا ذو خطأ.. فلا نستعمل المجهر ولا نضخم السلبيات.. وفي نفس الوقت عدم الاستخفاف بمطالب أساسية لأننا نحمل صفة "مطلق" أو "مطلقة"! وأهم نقطة هي التفتيش أولاً عن الاستقرار النفسي في الزواج الثاني.. فالبقاء بدون زواج أسهل بكثير من دفع الثمن باهظاً مرة أُخرى!

فلنُبقِ في وجداننا أن الحياة مليئة بالابتلاءات.. وقبل التفكير وبعده علينا حسن التوكل على الله جل وعلا.. والدعاء دائماً أن يلهمنا رشدنا ويختار لنا ما فيه خيرنا..
الماضي صفحة طويناها بكل ما فيها.. فلا بأس أن نسترق النظر إلى الذاكرة بين الفينة والأُخرى للإتّعاظ وأخذ العِبَر والدروس.. لا للمقارنة والحزن..
وتفاءل.. فقد يرزقك الرحمن جل وعلا قلباً يؤنسك ويُنسيك ما قد كان.. فيطأطئ الألم رأسه.. وعنك ينزوي.. بإذنه!