إلى كل والد ووالدة
التربية عملية طويلة تحتاج إلى جهد متواصل وتنبُّه وتغافل أولادنا لا ينقصهم القدرات ولا يعوزهم الذكاء، فهم مهيئون لتحمُّل صعوبات الحياة، نحتاج اليوم إلى تربية متوازنة تلبي حاجة الروح والجسد
المؤمن الفطن إذا ذكر تذكر، وإذا أرسل استرشد، وإذا أمر بالمعروف ائتمر، وإذا نُهِي عن المنكر انتهى، مصدقًا لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المؤمن خُلِق مُفتَنًا توَّابًا نسَّاءً، إذا ذُكِّر ذَكَر».
عباد الله، إن انفتاح العالم بعضه على بعض أضحى واقعًا نعيشه، ونرى سلبياته وإيجابياته، فلقد دقَّ ناقوس خطر كبير على مجتمعاتنا وفلذات أكبادنا، فولدك هو ذاك الولد الذي لطالما سألت ربك وجوده، وها أنت ترقبه لحظةً بلحظةٍ، وسنة بسنة، تفرح بلطفه، وتتملح بحركاته، وتسر لضحكاته، يفرحك ما يفرحه، ويحزنك ما يحزنه، هو أنس لك في الدنيا وزينة وذخر وعز في خطوب الحياة، هو حسنتك المستمرة بعد وفاتك أو سيئتك المستمرة بعد وفاتك.
يقول الله جل وعلا: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12]، فهنيئًا لمن قدر المسئولية، وراقب ربَّه في تربية ذريته مؤملًا فضل ربِّه الذي قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، اللهم اجعلنا من الفائزين بها يا رب العالمين.
عباد الله، السعيد من اتَّعَظ بغيره، والمخذول من غَرَّته نفسه، فسار عِظةً لغيره، أنا هنا لا أدعو بمقاطعة وسائل التواصل والألعاب الإلكترونية، فلربما هذا من الصعب جدًّا لكني أدعو من القرب من أولادنا، فهم بحاجة لنا من أكثر من أي وقت مضى، فالحياة اليوم أصبحت معقدة وقيم الدين والإسلام أصبحت مهددة، ومخاطر الأهواء والشبهات والشهوات محيطة بنا، فالحياة ليست لعبًا، ومغامرات الحياة تحديات واكتساب مهارات واختبار وامتحان وجد واجتهاد؛ ليفوز من خرج منها برضا الله جل جلاله متتبِّعًا مرضاته، ويخسر من أسخط الله وعمل على هلاك نفسه وذريته، بسم الله الرحمن الرحيم {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 2 - 4].
عباد الله، التربية عملية طويلة تحتاج إلى جهد متواصل وتنبُّه وتغافل أولادنا لا ينقصهم القدرات ولا يعوزهم الذكاء، فهم مهيئون لتحمُّل صعوبات الحياة، نحتاج اليوم إلى تربية متوازنة تلبي حاجة الروح والجسد، فكما للجسد حاجات، فللروح حاجات، فهي محتاجة للطمأنينة وملازمة الذكر وتلاوة القرآن، ونحن بحاجة اليوم إلى إشباع الرغبة لتحقيق النجاحات والإنجازات.
يا أخي الأب ويا أختي الأم ويا كل من حمل هَمَّ أولاده، أول طرائق التربية للوصول للقلب الحنان والحب، قال الله جل وعلا مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم الذي ملك قلوب العالمين حبًّا واحترامًا وشوقًا لتكون نبراس حياة في علاقاتنا مع أنفسنا ومع أزواجنا ومع أولادنا وإخواننا وجيراننا وجماعتنا والمسلمين أجمعين، قال الله جل وعلا: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
ولذا تجد في ديننا العظيم وجوب الحضانة لمن فقد والديه حتى يعوض عن بعض ما فقد، ولتعرف الثواب العظيم ليتحقق التوازن في المجتمع، قال رسولك صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتينِ» كم من ولد فاقد للحنان والحب مع وجود والديه! وإني لأهمس في أُذُن كل أب وأم مهما كان شغله يجب أن تقترب من بنيك لتحببهم بك وتعرفهم بربك الذي طال إحسانه عموم المسلمين، ولتحدثهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم الذي مات وهو مشتاق لهم، ويجب عليك أن تحدثهم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولئك الجيل الذي ضحَّى بنفسه وماله ليتعرفوا على قدواتهم.
يجب عليك أن تقترب أكثر فتزرع فيهم قيم الإسلام لا يعذر من هذا أحد، ولئن كنت مشغولًا اليوم فلقد كان حبيبك صلى الله عليه وسلم مشغولًا بتبليغ الدين للثقلين ومع هذا فهو يلاعب الحسن رضي الله عنه، فيخرج لسانه فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، وبات في طائفة من النهار ليذهب إلى ابنته فاطمة وليس له من حاجة إلا أن يشم حسنًا فيهش ويُقبِّله ويحضنه ويقول: «اللهم إني أحبه فأحبه».
يحمله على عاتقه، ويخبر الناس بمحبته؛ بل يرتحل له الحسن والحسين ليكون منهم قريبًا يسجد في صلاته فيظن الصبي أن رسوله صلى الله عليه وسلم يدعوه للعب معه فيرتحله، فيطيل سجوده عليه الصلاة والسلام، ثم يخبر أصحابه أن ابنه ارتحله.
إنه القرب من الذرية، إنه القرب من الأولاد، ولما كبرت أُمُّهم فاطمة رضي الله عنها إذا أقبلت عليه هشَّ لها وبشَّ وقام لها وقَبَّل بين عينيها، وكانت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعرفن لفاطمة قدرها، فإذا تعلقت بولدك حبًّا وتعلَّق بك هو صدقًا فسيفقد مجلسك ويشتاق لحديثك فقد قطعت شوطًا كبيرًا في التربية، وهو سهل يسير، فقلوب الآباء والأولاد ميَّالة لبعضها، وهي فطرة فطر الناس عليها.
ثم بعد ذلك ازرع الثقة في أولادك وهيِّئ طفلك للحياة ودَرِّبه على صعوباتها، لا تحطهم بالرعاية التامة، لا تُفكِّر بدلًا عنه وتُقرِّر بدلًا عنه؛ بل اجعله يعيش معركة الخطر، وليتجرَّع نتيجة خطئه، أعطِه سرًّا من أسرارك، وشاوره في بعض أمورك، صاحِبْه وعَرِّفْه بقدره، فإن فعلت بادرك.
وكذا ينبغي أن تشجع على السلوكيات الإيجابية وتباركها وتعيش الفرحة التامة بها بتوازن، فكيل المديح الزائد لا يقل عن إهمالك التام، وعند الخطأ- وكلنا خطَّاءون- اعذر وقوِّم وإياك ثم إياك أن يكون جلوسك مع أولادك نصحًا وتوجيهًا بل تخول بالموعظة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ومع حب أصحابه له كان يودون أن يُحدِّثهم في كل لحظة ووقت، ومع ذلك كان يتخولهم بالموعظة، فلا تكن ثقيلًا، شارك الأفراح، وافرح معهم وشاركهم همومهم واسمع منهم، لا بد أن تسمع منهم ما يشتهون لا أن تُسْمِعَهم دائمًا ما تشتهي.
وعند الخطأ اعذر وقوِّم وإياك ثم إياك التشهير بهم وتعييرهم وملاحقتهم بأخطائهم فيكره مجلسك، وتذكر قول ربك لرسوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
فكم هم الآباء الذين يشتاقون لجلوس أولادهم معهم ولو جلس أولادهم معهم لربما تذكروا أن ذلك الأمر كان واجبًا عليهم، يا الله، أنت من زرعت {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
عباد الله، العناية بالروح أمر مهم للاستقرار ليكن في بيتك تعاون على البر والتقوى وحلقة ذكر حتى تحف الملائكة البيت، وتغشى الرحمة وتتنزل السكينة، ويذكر اسمك واسم عائلتك عند ربك تبارك وتعالى، وأبعد عن بيتك كل ما يجلب الشياطين للبيوت من حب للمنكر والاستماع إليه.
والعاقل عباد الله من يختار لبيته من يحفه إمَّا الملائكة الكرام أو الشيطان، فإن حفَّته الشياطين فلا تقل أصبت بالعين والسحر والشهوات، وإذا حفته الملائكة كنت أبعد ما تكون عن ذلك، والعاقل من يختار لبيته من يحفه إمَّا الملائكة أو الشيطان.
عباد الله، أمامنا تحدٍّ كبير فاستعينوا بالله واقرأوا في وسائل التربية وكيف ربَّى النبي أمته، وعلينا جميعًا بقرع أبواب السماء بأن يصلح الله أحوالنا وذريتنا والإلحاح على ربنا الكريم بذلك، حفظنا الله وإياكم، وأصلح ذريتنا وذرياتكم.
واعلموا أن من أهم قواعد التربية التي ينبغي ألا تغيب عنك ما أخبر بها نبيُّك {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
إن مما يوصي به أهل الاختصاص في مجال التعامل مع هذه البرامج والألعاب ما يلي:
أولًا: إدراك خطرها ثم مصاحبة الأولاد لمعرفة ما يشاهدونه ويلعبون، ثم تحديد وقت اللعب بهذه الأجهزة ومحاربة الفراغ، وتوفير البدائل المناسبة والنافعة، وإلحاقهم بالأندية الصيفية والبرامج النافعة لتنمية مهارتهم حسب اهتمامهم، وجعل الصور حيةً لأمثال شباب مثلهم عرفوا للوقت قدره، قلبوا في وسائل التواصل ابحث عن حُفَّاظ القرآن.
شارك أولادك في اختيار اللعبة المناسبة وحمل برامج الحماية، وعزِّز رقابة الله في نفوس أولادك، وشجِّع وضع الجوائز للذي يقلل من استخدام هاتفه، وقبل ذلك وبعده ارفع يديك بالدعاء بالحفظ والاستقامة، فكم للدعاء من سِرٍّ عظيم! لا تفتر عن الدعاء لذريتك، فهم عدتك في الدنيا، وذخر لك في الآخرة.
أكثر من الدعاء لهم، واعمل بأوصاف الرحمن، الذين قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
وأخيرًا أوجِّه رسالتي لك يا بني، ارحم والديك فكم تعبوا لتكون رجلًا يريد أن يتفاخر بك والداك، يريد أن تكون شابًّا صالحًا نشأ في عبادة الله، يريدك أن تكون نافعًا لدينك وأمتك وبلدك لتكن بارًّا بهم.
لا يمكن أخي الشاب أن تكون همومك لعبة يلعب بها في السادسة من عمره، انظر للسِّيَر؛ فأسامة بن زيد قاد جيشًا فيه كبار الصحابة وهو ابن سبعة عشر عامًا، وقتل أبا جهل شابان فتيان صغيران، والإنسان هو الذي يقدر نفسه وذاته.
اللهم اجعلنا معظمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
_____________________________________________
الكاتب: الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني