الثمن الذي يراد للسوريين أن يدفعوه
يجب أن يعلم السوريون اليوم وهم يقومون بثورتهم العظيمة، ولا يجدون لهم ناصرًا إلا الله، أن العالم لا يتهافت لنصرتهم، ليس لأن أرضهم لا تحتوي كنوز البترول والغاز وغيرهما، ولكن لأن العالم يريد للسوريين أن يصل بهم الأذى والعنت من هذا النظام إلى درجة الاستعانة بالشيطان لإنقاذهم منه.
العالم يريد أن ينتزع من السوريين الثمن الوحيد الذي يقبل به مقابل نجدتهم وتخليصهم من جلاديهم، وهذا الثمن يتمثل في الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وإبرام معاهدة سلام شبه مؤبدة مع هذا العدو المتسرطن في أرضنا وفي قلب الأمة.
على السوريين أن يعلموا علم اليقين، أن أحدًا ما لن ينجدهم في معركتهم مع أغوالهم إلا إذا كان الثمن أكبر من الثمن الذي دفعه النظام العميل الساقط، الذي استقوى على العباد في دمشق، واغتصب السلطة والشرعية واستعبد الناس وذبّحهم تذبيحًا، وهذا الثمن، لن يكون هذه المرة بيع الجولان، وحفظ حدود العدو من أن تخترقها ذبابة، بل سيكون أكبر وأخطر!!
ولا يوجد في المعارضة السورية، يمينها ويسارها، إسلاميوها وعلمانيوها، يسارها وقوميوها ومستقلوها، لا يوجد أحد يتجرأ على دفع هذا الثمن! لأنه سيمر في التاريخ على أنه الأكثر حقدا وخيانة وسقوطًا من هذا النظام "الأسدي" الخائن المستأسد على شعبه الأعزل، المستعين بالأجنبي لقمع وقتل وذبح شعبه..
يجب أن يعرف السوريون هذه الحقيقة المؤلمة، العارية من كل تزييف وتهويل وكذب وتمويه ولف ودوران.
يجب أن يعرفوا هذه الحقيقة ليفهموا حقيقة وملابسات ما يجري في أروقة الجامعة العربية والأمم المتحدة، ومتاهات السياسات العربية والدولية.
ينبغي أن نفهم أننا وحدنا… ولا ناصر لنا إلا الله.
وحدنا في معركة غير متكافئة، ولا يجب أن يكون الرهان إلا على صمودنا في هذه المعركة، وعلى تعاون كل الشعوب الشقيقة من حولنا.
لا رهان على الأنظمة العربية، ولا على العالم، لأنه لن يضحي بأمن إسرائيل ومصلحتها من أجل خاطر الشعب السوري حتى لو ذبح هذا عن بكرة أبيه.
إن معركتكم أيها السوريون ليست مع عصابة من القتلة المجرمين من مصاصي الدماء فحسب، إنها معركة الحق مع الباطل.
إنها معركة الأمة مع الاستكبار العالمي.
إنها المعركة بين العالم الذي زرع إسرائيل في قلب الأمة ليمزقها ويشتتها ويتصرف في مقدراتها.
صمودكم وحده هو الصوت الوحيد الذي سيسمعه العالم.
ثباتكم هو الطريق الوحيد لإسقاط هذا النظام العميل القذر.
ومن ورائه كل التحالفات الشرقية الممتدة من طهران إلى بكين وموسكو.
وكل المؤامرات الغربية الممتدة من تل أبيب إلى واشنطن وباريس ولندن وروما.
الشعوب بصمودها هي التي تصنع التاريخ، ولم يستطع الجلادون قط أن يغيروا مجرى التاريخ بقوتهم وجبروت استكبارهم.
ولنا في حكاية مدينة "حماة" العبرة!
ولنا في حروب الإبادة العشرة التي شنها الصرب ضد أهل البوسنة العبرة.
ولنا في ثبات إخواننا الفلسطينيين ورباطهم وصبرهم العبرة.
لا مستقبل للطغيان، ولا استمرار للفراعنة، ولا أمل للأغوال في الحياة طويلًا، ولو استأسدوا لبعض الوقت بسبب من ارتكاس الشعوب في أخطائها وسقطاتها.
لا يوجد سوري واحد مستعد لدفع الثمن الذي يطلبه العالم لنصرة ثورته.
ولكننا وجميعا قادرون بإذن الله على دفع الثمن الذي ارتضيناه، دماؤنا، وأشلاؤنا ، وآلامنا، وعذاباتنا، في سبيل الحرية والكرامة.
وإنا لمنتصرون بإذن الله، لأن دماء الشهداء… وعلى مرّ التاريخ… لم تذهب هباءًا.
ولأن الحياة لا توهب إلا لأولئك الذين ترخص عندهم الحياة إن لم تستوف شروطها الأساسية… من حرية، وكرامة، وإنسانية.
الكـاتب: نوال السباعي
المختار الإسلامي
- التصنيف: