ناقِضُ (نواقِضِ النَّواقِضِ)

منذ 2024-01-31

عَدَدٍ مِن الأفرادِ والجَماعاتِ تركوا هذه الجماعاتِ والتَّنظيماتِ التي توسَّعَت في تكفيرِ المُسلِمين واستباحت دماءَهم، واتَّجَهوا لدَعوةِ الإمامِ المجَدِّدِ محمَّدِ بنِ عَبدِ الوهَّابِ رحمه الله ، وذهَبوا لأشهَرِ كُتُبِه بَعْدَ كِتابِ التَّوحيدِ، ألا وهو كتابُ (نواقِضُ الإسلامِ، وألَّفَوا كِتابَهم الهزيلَ (نَواقِضُ النَّواقِض) لينقُضوا كُلَّ ناقِضٍ مِن النَّواقِضِ العَشَرةِ


الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِنا وحَبيبِنا وقُرَّةِ أعيُنِنا محمَّدِ بنِ عَبدِ اللهِ وعلى آلِه وأصحابِه أجمَعينَ.
أمَّا بَعْدُ:

فقد اطَّلَعْتُ مؤَخَّرًا على كتابٍ بعُنوانِ: (نواقِضُ النَّواقِضِ رَدُّ عُلَماءِ الأُمَّةِ على بِدْعةِ تكفيرِ المُسلِمينَ)[1]، ولا شَكَّ أنَّ كُلَّ مُسلِم يفرَحُ بالرُّدودِ على بِدْعةِ تكفيرِ المُسلِمينَ، بل هذا من أوجَبِ الواجباتِ على عُلَماءِ المُسلِمين خاصَّةً في هذا العَصْرِ الذي توسَّعَت فيه دائِرةُ التَّكفيرِ عِندَ عَدَدٍ مِن الأفرادِ والجَماعاتِ والتَّنْظيماتِ، ولكِنَّك تعجَبُ أشَدَّ العَجَبِ عندما ترى أنَّ هؤلاء الذين سَمَّوا أنفُسَهم بالعُلَماء تركوا هذه الجماعاتِ والتَّنظيماتِ التي توسَّعَت في تكفيرِ المُسلِمين واستباحت دماءَهم، واتَّجَهوا لدَعوةِ الإمامِ المجَدِّدِ محمَّدِ بنِ عَبدِ الوهَّابِ رحمه الله، وذهَبوا لأشهَرِ كُتُبِه بَعْدَ كِتابِ التَّوحيدِ، ألا وهو كتابُ (نواقِضُ الإسلامِ)[2]، وألَّفَوا كِتابَهم الهزيلَ (نَواقِضُ النَّواقِض) لينقُضوا كُلَّ ناقِضٍ مِن النَّواقِضِ العَشَرةِ التي أوردها الشَّيخُ رحمه الله! وسيجِدُ القارئُ في هذه الأسطُرِ نَقْضَ كُلِّ ناقضٍ مِن نواقِضِهم بإذنِ اللهِ.

وبما أنَّ نواقِضَهم هذه كُلَّها قائمةٌ على اتِّهامِ الشَّيخِ بتكفيرِ المُسلِمين كُلِّهم بأعيانِهم إلَّا أتباعَه ومن كان على مَنْهَجِه، فسوف أسرُدُ جُملةً مِن أقوالِه تُكَذِّبُ هذه المقولةَ، وهي كافيةٌ لِنَسْفِ كتابِ (نواقِضُ النَّواقِضِ) من أُسِّه وأساسِه، ولكِنَّ تفنيدَ النَّواقِضِ ناقِضًا ناقِضًا وباختِصارٍ مُهِمٌّ لفِئةٍ مِنَ النَّاسِ.

فقد اتَّهموا الشَّيخَ بأنَّه يُكَفِّرُ جميعَ النَّاسِ بالعُمومِ وبالظَّنِّ، ويُكَفِّرُ مُرتَكِبَ الكبائِرِ، ويُكَفِّرُ مَن لم يكُنْ من أتباعِه، وأنَّه يُكَفِّرُ بالتَّوَسُّلِ بالنَّبيِّ والصَّالحينَ، وأنَّه يُكَفِّرُ المُسلِمَ الذي وقَعَ في الكُفرِ جَهْلًا، وهذه أقوالُه تنفي عنه كُلَّ ذلك:

  1. نفى الشَّيخُ عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ بالعُمومِ في أكثَرَ مِن مَوضِعٍ ومُناسَبةٍ؛ من ذلك قَولُه: (فإن قالَ قائلُهم: إنَّهم يُكَفِّرونَ بالعُمومِ، فنقولُ: سُبْحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ!)[3]، وقَولُه: (وأمَّا الكَذِبُ والبُهتانُ فمِثْلُ قولِهم: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ)[4]، وقَولُه: (وأمَّا القَولُ: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ، فذلك من بُهتانِ الأعداءِ الذين يَصُدُّون به عن هذا الدِّينِ، ونقولُ :سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظِيمٌ!)[5]، وقال: (ما ذُكِرَ لكم عنِّي أنِّي أكَفِّرُ بالعُمومِ، فهذا من بهتانِ الأعداءِ، وكذلك قَولُهم: إنِّي أقولُ: مَن تَبِع دينَ اللهِ ورَسولِه وهو ساكِنٌ في بَلَدِه أنَّه ما يكفيه حتى يجيءَ عندي! فهذا أيضًا مِنَ البُهتانِ؛ إنَّما المرادُ اتِّباعُ دِينِ اللهِ ورَسولِه في أيِّ أرضٍ كانت)[6].
     
  2. ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ بالظَّنِّ، فقال: (مَن أظهَرَ الإسلامَ وظنَنَّا أنَّه أتى بناقضٍ، لا نُكفِّره بالظَّنِّ، لأنَّ اليقينَ لا يَرفَعُه الظَّنُّ، وكذلك لا نُكفِّرُ من لا نعرِفُ منهُ الكُفرَ بسَبَبِ ناقضٍ ذُكِرَ عنه ونحنُ لم نتحقَّقْه)[7]، وقال: (وأمَّا ما ذَكَر الأعداءُ عنِّي أنِّي أُكَفِّر بالظَّنِّ وبالمُوالاةِ، أو أُكَفِّرُ الجاهِلَ الذي لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فهذا بهتانٌ عظيمٌ يريدونَ به تنفيرَ النَّاسِ عن دينِ اللهِ ورَسولِه)[8].
     
  3. ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ مُرتَكِبي الكبائِرِ، فقال: (وأمَّا المعاصي والكبائِرُ -كالزِّنا والسَّرِقةِ وشُربِ الخَمْرِ وأشباهِ ذلك- فلا يُخرِجُه عن دائِرةِ الإسلامِ عِندَ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ، خلافًا للخوارِجِ والمُعتَزِلةِ الذين يُكَفِّرون بالذُّنوبِ، ويَحكُمون بتَخليدِه في النَّارِ)[9]، وقال ردًّا على من اتَّهَمه بأنَّه يُكَفِّرُ شارِبَ الخَمْرِ والزَّانيَ وغَيرَ ذلك مِن كبائِرِ الذُّنوبِ: (نبرَأُ إلى اللهِ مِن هذه المقالةِ، بل الذي نحنُ نقولُ: الذُّنوبُ فيها الحُدودُ، ومُعلَّقةٌ بالمشيئةِ؛ إن شاء اللهُ عفا، وإن شاء عذَّب عليها، وأمَّا الذي نُكَفِّرُ به فالشِّركُ باللهِ، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48])[10]، وقال: (أركانُ الإسلامِ الخَمْسةُ، أوَّلُها الشَّهادتانِ، ثمَّ الأركانُ الأربَعةُ؛ فالأربَعةُ إذا أقرَّ بها وتَرَكها تهاوُنًا، فنحن وإن قاتَلْناه على فِعْلِها، فلا نُكَفِّره بتَرْكِها، والعُلَماءُ اختَلَفوا في كُفْرِ التَّارِكِ لها كَسَلًا مِن غَيرِ جُحودٍ، ولا نُكَفِّرُ إلَّا ما أجمَع عليه العُلَماءُ كُلُّهم، وهو: الشَّهادتانِ)[11].
  4. ونفى عن نَفْسِه أن يُكَفِّرُ بالتَّوَسُّلِ بالنَّبيِّ والصَّالحينَ، ورَدَّ على من اتَّهَمه بأنَّه يُكَفِّرُ من توسَّلَ بالصَّالحينَ بقَولِه: (سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عظيمٌ!)[12]، وفَرَّق بين التوَسُّلِ والاستغاثةِ، فقال: (إنكارُنا على من دعا المخلوقَ أعظَمَ ممَّا يدعو اللهَ تعالى، ويقصِدُ القَبْرَ يتضَرَّعُ عِندَ ضَريحِ الشَّيخِ عبدِ القادِرِ أو غيرِه، يطلُبُ فيه تفريجَ الكُرُباتِ وإغاثةَ اللَّهَفاتِ وإعطاءَ الرَّغَباتِ، فأين هذا ممَّن يدعو اللهَ مخلِصًا له الدِّينَ لا يدعو مع اللهِ أحدًا، ولكِنْ يقولُ في دُعائِه: أسألُك بنبيِّك، أو بالمُرْسَلينَ، أو بعِبادِك الصَّالِحيَن، أو يَقصِدُ قَبْرَ مَعروفٍ أو غيرِه يدعو عندَه، لكِنْ لا يدعو إلَّا اللهَ مُخلِصًا له الدِّينَ، فأين هذا ممَّا نحن فيه؟!)[13].
     
  5. ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ مَن لم يَتَّبِعْه في دَعوتِه ولم يُهاجِرْ إليه، فقال: (وأجلَبوا علينا بخَيلِ الشَّيطانِ ورَجِلِه، منها: إشاعَةُ البُهتانِ بما يَسْتَحي العاقِلُ أن يحكيَه فَضْلًا عن أن يَفتريَه، ومنها ما ذكَرْتُم: أنِّي أُكَفِّرُ جَميعَ النَّاسِ إلَّا من اتَّبَعَني، وأنِّي أزعُمُ أنَّ أنكِحَتَهم غيرُ صَحيحةٍ، فيا عجبًا! كيف يدخُلُ هذا في عَقْلِ عاقِلٍ؟! وهل يقولُ هذا مُسلِمٌ؟! إنِّي أبرَأُ إلى اللهِ مِن هذا القَولِ الذي ما يَصدُرُ إلَّا عن مختَلِّ العَقْلِ، فاقِدِ الإدراكِ؛ فقاتَلَ اللهُ أهلَ الأغراضِ الباطِلةِ، ... والحاصِلُ: أنَّ ما ذُكِرَ عنِّي مِن الأسبابِ غيرِ دَعوةِ النَّاسِ إلى التَّوحيدِ، والنَّهْيِ عن الشِّرْكِ، فكُلُّه مِنَ البُهتانِ)[14]، وقال: (أمَّا الكَذِبُ والبُهتَانُ فمِثْلُ قَولِهم: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ، ونُوجِبُ الهِجْرةَ إلينا على مَن قَدَر على إظهارِ دِينِه، وإنَّا نُكَفِّرُ مَن لم يُكَفِّرْ ومَن لم يُقاتِلْ، ومِثْلُ هذا وأضعافُ أضعافِه، فكُلُّ هذا مِنَ الكَذِبِ والبُهْتانِ)[15].
     
  6. ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ المُسلِمَ الذي وَقَع في الكُفْرِ جَهْلًا ولم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فقال: (وإذا كُنَّا لا نُكَفِّرُ مَن عَبَد الصَّنَمَ الذي على عَبدِ القادِرِ، والصَّنَمَ الذي على قَبْرِ أحمَدَ البَدَويِّ، وأمثالِهما؛ لأجْلِ جَهْلِهم وعَدَمِ مَن يُنَبِّهُهم، فكيف نُكَفِّرُ مَن لم يُشرِكْ باللهِ إذا لم يُهاجِرْ إلينا، أو لم يُكَفِّرْ ويُقاتِلْ؟! سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظِيمٌ!)[16].
     
  7. وقال كما تَقَدَّم: (وأمَّا ما ذَكَر الأعداءُ عنِّي أنِّي أُكَفِّرُ بالظَّنِّ وبالمُوالاةِ، أو أُكَفِّرُ الجاهِلَ الذي لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فهذا بُهْتانٌ عظيمٌ يُريدونَ به تَنْفيرَ النَّاسِ عن دِينِ اللهِ ورَسولِه)[17].

ثمَّ إنَّ الشَّيخَ بَيَّن في أكثَرَ مِن مَوضِعٍ مَن يُكَفِّرُهم، فقال: (وأمَّا التَّكفيرُ فأنا أُكَفِّرُ من عَرَف دِينَ الرَّسولِ، ثمَّ بَعْدَ ما عَرَفَه سَبَّه، ونهى النَّاسَ عنه، وعادى مَن فَعَلَه، فهذا هو الذي أُكَفِّرُه، وأكثَرُ الأُمَّةِ -ولله الحَمْدُ- ليسوا كذلك)[18].
وقال: (
ولكِنْ نُكَفِّرُ مَن أقرَّ بدِينِ اللهِ ورَسولِه، ثمَّ عاداه وصدَّ النَّاسَ عنه، وكذلك من عبَدَ الأوثانَ بَعْدَما عَرَف أنَّها دِينُ المُشرِكينَ، وزيَّنَه للنَّاسِ، فهذا الذي أُكَفِّرُه، وكُلُّ عالمٍ على وَجْهِ الأرضِ يُكَفِّرُ هؤلاء إلَّا رَجُلٌ مُعانِدٌ، أو جاهِلٌ. واللهُ أعلَمُ)[19].

كُلُّ هذه النُّقُولاتِ مِن كلامِه تَكْفي في الرَّدِّ على أصحابِ كِتابِ (نَواقِضُ النَّواقِضِ)، لكِنْ لأنَّ الكِتابَ فيه تَلْبيسٌ وتَدْليسٌ على العَوامِّ، ولكي لا يغتَرَّ به بَعْضُهم، فسأتناوَلُ نواقِضَهم ناقِضًا ناقِضًا، وأنقُضُها بأوجَزِ عِبارةٍ بما لا يُخِلُّ بالمعنى.

بَدَؤوا قَبْل نَقْضِ النَّواقِضِ بانتِقادِ الشَّيخِ بجَعْلِ النَّواقِضِ عَشَرةً، فقالوا: (حَصْرُ الشَّيخِ لنواقِضِ الإسلامِ بعَشَرةٍ تحَكُّمٌ منه مِن غَيرِ دَليلٍ؛ فرُبَّما يَدَّعي آخَرُ أنَّها عِشْرون، أو يقولُ أحَدُهم: إنَّها ثمانيةٌ، فلماذا العَشَرةُ بالذَّاتِ، ...، وماذا عن النَّواقِضِ الأُخرى، فتَمزيقُ المُصحَفِ أو تلطيخُه بالنَّجاساتِ -والعِياذُ باللهِ تعالى- أليس ناقِضًا؟ وشَتْمُ الذَّاتِ الإلهيَّةِ أو سَبُّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أليس كذلك؟! ... فلا داعيَ للحَصْرِ في عَشَرةٍ أو عَدَدٍ مُعَيَّنٍ).

وهذا جَهلٌ منهم؛ فالشَّيخُ لم يَقُلْ: إنَّ نواقِضَ الإسلامِ هذه العَشَرةُ فقط، بل قال: هذه العَشَرةُ مِن نواقِضِ الإسلامِ، بل قال قَبْلَ سَرْدِ النَّواقِضِ: (اعلَمْ أنَّ مِن أعظَمِ نواقِضِ الإسلامِ عَشَرةً: ...) وهذه عبارةٌ صريحةٌ في أنَّه لم يَحصُرْها في عَشَرةٍ، ومَن قرأ كُتُبَ الشَّيخِ ورسائِلَه يرى أنَّه ذكَرَ نواقِضَ أُخرى للإسلامِ غَيرَ هذه العَشَرةِ، ولكِنَّ انتقادَهم هذا مِن بابِ التَّشْغيبِ على دَعوةِ الشَّيخِ وتنفيرِ النَّاسِ عنها.

ثمَّ ذَكَروا النَّواقِضَ العَشَرةَ حَسَبَ تَرتيبِ الشَّيخِ لها، وبَعْدَ كُلِّ ناقِضٍ يَذْكُرون ناقِضَ النَّاقِضِ -حسَبَ زَعْمِهم- مُبتَدِئينَ بما يُضحِكُ الثَّكْلى بما سَمَّوه معنى النَّاقِضِ واقِعًا! وهنا سأنقُلُ النَّاقِضَ الذي ذكَرَه الشَّيخُ، وما ذكَروه مِن معنى النَّاقِضِ واقِعًا، وبَعْضَ تَعليقِهم عليه، ثم أَنقُضُه بعباراتٍ مُختَصَرةٍ بما يَتَّسِعُ له المقامُ.

النَّاقِضُ الأوَّلُ:

الشِّرْكُ في عِبادةِ اللهِ تعالى، والدَّليلُ قَولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، ومنه الذَّبْحُ لغَيرِ اللهِ، كمَن يَذبَحُ للجِنِّ أو للقَبْرِ).

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ من دعا -بمعنى خاطَبَ- غَيْرَ اللهِ تعالى، أو توسَّل إليه بالأنبياءِ وغَيرِهم مِنَ الصَّالحينَ السَّابِقينَ، فهو مُشرِكٌ كافِرٌ، بدايةً مِن سَيِّدِنا عُمَرَ الذي توسَّلَ بسَيِّدِنا العَبَّاسِ، كما جاء في صَحيحِ البُخاريِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كان يقولُ: (اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نتوَسَّلُ إليك بنَبيِّنا فتَسْقينا، وإنَّا نتَوَسَّلُ إليك بعِمِّ نَبيِّنا فاسْقِنا).

ثمَّ قالوا: ناقِضُ النَّاقضِ: ... الشَّيخُ خَصَّص هذا الحُكْمَ بقَولِه: (الشِّرْكُ في عبادةِ اللهِ) ولم يقُلْ: (الشِّرْكُ باللهِ تعالى)؛ لأنَّ مَقْصودَه هنا هو رَمْيُ المُسلِمين بهذا الشِّرْكِ المزعومِ؛ لأنَّهم يقومون بأعمالٍ تُعتَبَرُ في نظَرِه مِن جملةِ الشِّرْكِ في عبادةِ اللهِ تعالى، كالتوَسُّلِ والاستغاثةِ، أو بَعْضِ الأفعالِ التي اعتاد النَّاسُ على فِعْلِها في زَمانِه، كالذَّبْحِ لتوزيعِ الصَّدَقاتِ عن الأمواتِ عِندَ المقابِرِ، فظَنَّ أنَّ هؤلاء يَذْبحون للقُبورِ، فسارَعَ إلى رَمْيهم بالشِّرْكِ والكُفْرِ دونَ أن يتحَقَّقَ مِن أفعالِهم ونواياهم.

الرَّدُّ:

ما سبق من كلامِ الشَّيخِ فيه غُنْيةٌ عن الرَّدِّ على هذه الفِرْيةِ؛ فالشَّيخُ أوَّلًا يُفَرِّقُ بَيْنَ التوَسُّلِ والاستِغاثةِ فالتوسُّلُ بمعنى دُعاءِ اللهِ بجاهِ النَّبيِّ أو فُلانٍ، فهذا بِدعةٌ، ولكِنَّ الشَّيخَ لا يُكَفِّرُ صاحِبَه، أمَّا الاستِغاثةُ فهي دعاءُ صاحِبِ القَبرِ أو دعاءُ المخلوقِ بما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ، هذا هو المُناقِضُ للتَّوحيدِ، والذي يَعُدُّه الشَّيخُ وجماهيرُ عُلَماءِ الإسلامِ كُفرًا. ويُفَرِّقُ الشَّيخُ أيضًا بَيْنَ الذَّبحِ لغَيرِ اللهِ والذَّبْحِ لإطعامِ الفُقَراءِ والمَساكينِ مع أنَّ هذا العَملَ لا يجُوز وفِيه شُبهة، أمَّا قَولُهم: (لأنَّ مَقْصودَه هنا هو رَمْيُ المُسلِمين بهذا الشِّرْكِ) فكِتابُهم كُلُّه قائِمٌ على اتِّهامِ النِّيَّاتِ وما يَقصِدُه في قَلْبِه الشَّيخُ، لا ما يَقولُه ويُقَرِّرُه في كُتُبِه ورَسائِلِه! كما سَيأتي في أكثَر من ناقِض.

ومِنَ العَجَبِ أن يُنتَقَدَ الشَّيخُ في جَعْلِه الشِّركَ في عِبادةِ اللهِ ناقِضًا مِن نواقِضِ الإسلامِ! إنْ لم يكُنْ هذا ناقِضًا فما الذي يَنقُضُ الإسلامَ إذًا؟!


النَّاقِضُ الثَّاني:

من جَعَل بَيْنَه وبَيْنَ اللهِ وَسائِطَ يَدْعوهم ويَسأَلُهم الشَّفاعةَ، ويتوكَّلُ عليهم- كَفَر إجماعًا).

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّه من طلب مِن أخيه المُسلِمِ أن يَدْعُوَ له بالمَغْفرةِ فهو كافِرٌ.

ناقِضُ النَّاقِضِ: في هذا النَّاقِضِ يتَّهِمُ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عَبدِ الوهَّابِ جُمهورَ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ بالكُفْرِ. والعياذُ باللهِ].

الرَّدُّ:

الشَّيخُ يقولُ: من دعا هؤلاء الوُسَطاءَ وسألهم الشَّفاعةَ وتوكَّلَ عليهم -يعني مِن دونِ اللهِ ولم يَدْعُ اللهَ- كَفَر، وهم يقولونَ: معنى كلامِه: من طلب من أخيه المُسلِمِ أن يَدْعوَ اللهَ له بالمغفِرةِ كَفَر! هل رأيتُم جَهْلًا وتلبيسًا على العامَّةِ أوضَحَ مِن هذا؟! ثمَّ ذَكَروا كلامًا طويلًا لم يُفَرِّقوا فيه بين التوَسُّلِ والاستِغاثةِ، والشَّيخُ فَرَّق بينهما كما هو حالُ جُمهورِ العُلَماءِ وسَبَق النَّقْلُ عنه.


[النَّاقِضُ الثَّالِثُ:

مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكينَ، أو شَكَّ في كُفْرِهم، أو صَحَّح مَذْهَبَهم؛ كَفَر إجماعًا). 

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ من لم يُكَفِّرْ مَن كَفَّرَهم الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ فهو كافِرٌ، ممَّا يعني تكفيرَ أصحابِ المذاهِبِ الأربَعةِ بمن فيهم الحنابِلةُ الموجودونَ في بَلَدِه].
وممَّا ذَكَروه في نَقْضِ هذا النَّاقِضِ قَولُهم: (مَن هو الكافِرُ في نَظَرِ الشَّيخِ وما هو مرادُه بهذا النَّاقِض، لا شَكَّ أنَّ الشَّيخَ قد توسَّع من خلالِ ما سبق من النَّواقِضِ في التَّكْفيرِ والحُكمِ على البَعْضِ من المُسلِمين بالكُفْرِ وإخراجِهم مِنَ المِلَّةِ، فساق هذا النَّاقِضَ ليُؤَيِّدَ مَذْهَبَه وكلامَه في حَمْلِ النَّاسِ على مُوافَقَتِه وتكفيرِ مَن لم يُكَفِّرْ من كَفَّرَه هو).

الرَّدُّ:

الشَّيخُ يقولُ: مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكينَ وشَكَّ في كُفْرِهم، وهؤلاء يقولون: هذا يعني تكفيرَ أصحابِ المذاهِبِ الأربَعةِ! واللهِ إنِّي أستَحِي أنْ أرُدَّ على كلامٍ مُتهافِتٍ كهذا لولا أنَّه صُدِّرَ بأنَّه من عُلَماءِ الأُمَّةِ، وقَدَّم لهم شَيخُ الأزهَرِ!
هل يَشُكُّ مُسلِمٌ عاقِلٌ في تكفيرِ الكافِرِ المُشرِكِ؟! هذا ما قاله الشَّيخُ ونقل الإجماعَ عليه.

أمَّا قَولُهم: (ساق هذا النَّاقِضَ ليُؤَيِّدَ مَذْهَبَه وكلامَه في حَمْلِ النَّاسِ على مُوافَقَتِه وتكفيرِ مَن لم يُكَفِّرْ من كَفَّرَه هو) فهو من جِنْسِ ما ذكَرْتُه من الدُّخولِ في النِّيَّاتِ والمقاصِدِ، واللهُ حَسيبُهم!


النَّاقِضُ الرَّابِعُ:

(مَن اعتَقَد أنَّ غَيْرَ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكمَلُ مِن هَدْيِه، أو أنَّ حُكْمَ غَيرِه أحسَنُ مِن حُكْمِه، كالذي يُفَضِّلُ حُكْمَ الطَّواغيتِ على حُكْمِه؛ فهو كافِرٌ).

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: من لم يعتَقِدْ أنَّ مَنهَجَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ هي السُّنَّةُ الصَّحيحةُ، أو خالفه في مَنْهَجِه، أو في تضعيفِ حَديثٍ أو تقويتِه؛ فهو كافِرٌ. فجَعَل مَن لم يوافِقْ مَذهَبَه كأنَّه لم يوافِقْ هَدْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

وقالوا في نَقْضِ هذا النَّاقِضِ: (وقد فَتَح هذا القَولُ للشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بابَ التكفيرِ واسِعًا، لا سِيَّما في هذا الزَّمَنِ حيثُ جاء من كَفَّر أكثَرَ مِن 90% من الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ استنادًا إلى هذا القَولِ مِن غَيرِ دِرايةٍ أو بَصيرةٍ في الدِّينِ).

الرَّدُّ:
لا أدري مِن أين استقى هؤلاء العُلَماءُ الأدْعياءُ مِن قَولِه: (مَن اعتَقَد أنَّ غَيْرَ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكمَلُ مِن هَدْيِه فهو كافِرٌ) أنَّه يقولُ: (مَن لم يعتَقِدْ أنَّ مَنهَجَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ هي السُّنَّةُ الصَّحيحةُ فهو كافِرٌ)؟!

وكيف يَفتَحُ هذا القَولُ الذي أجمعت عليه الأُمَّةُ بابَ التَّكفيرِ واسِعًا، مع أنَّه لا يَسَعُ مُسلِمًا أن يقولَ بخِلافِه؟!


النَّاقِضُ الخامِسُ:

(من أبغَضَ شيئًا ممَّا جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولو عَمِلَ به، كَفَر).

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: تكفيرُ عُمومِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ لِقَولِه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]. وهذا يعني أيضًا بالطَّبْعِ تكفيرَ المُسلِمين الذين يَسْتَصعِبون أيَّ أمرٍ في الدِّينِ، ولو أرغموا أنفُسَهم عليه، فنَعتَقِدُ هنا أنَّ هذا يعني تكفيرَ (99.9%) من المُسلِمين.

الرَّدُّ:
هذا إمَّا جَهْلٌ فاضِحٌ أو تلبيسٌ مُتعَمَّدٌ؛ فالشَّيخُ يتحَدَّثُ عن البُغْضِ القَلْبيِّ كما في قَولِه تعالى عن المُشرِكينَ: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون: 70]، وقَولِه: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 78]، ولا يتحَدَّثُ عن الكُرْهِ الجِبِلِّيِّ، ككُرْهِ الإنسانِ لأخْذِ الدَّواءِ وكُرْهِه لبَعْضِ الأعمالِ التي قد تكونُ مُفيدةً له، ومن ذلك كُرْهُ القِتالِ لِما فيه مِن ذَهابِ الأنفُسِ والأموالِ، فهو كُرْهٌ جِبِلِّيٌّ طَبَعيٌّ، وكأنَّ هؤلاء العُلَماءَ لم يَقْرَؤوا التَّفاسيرَ! وقد أطبَقَت كُتُبُ التَّفاسيرِ على هذا المعنى، ولم يَنقُلْ أحَدٌ منهم أنَّ الكُرْهَ هنا بمعنى البُغْضِ، وأنا سأنقُلُ هنا مِن أشهَرِ تَفسيرينِ مِن كُتُبِ التَّفْسيرِ. قال البَغَويُّ في تفسيرِه: ( {وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} : أي: شاقٌّ عليكم. قال بَعْضُ أهلِ المعاني: هذا الكُرْهُ مِن حيثُ نُفورُ الطَّبْعِ عنه؛ لِما فيه مِن مُؤنةِ المالِ ومَشَقَّةِ النَّفْسِ وخَطَرِ الرُّوحِ، لا أنَّهم كَرِهوا أمْرَ اللهِ تعالى)، وقال ابنُ كَثيرٍ: ({وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}: أي: شديدٌ عليكم ومَشَقَّةٌ).

ومن أجْلِ تهويلِ المعنى وتنفيرِ النَّاسِ من الشَّيخِ قالوا: (فنعتَقِدُ هنا أنَّ هذا يعني تكفيرَ (99.9%) من المُسلِمين)!


النَّاقِضُ السَّادِسُ:

(مَن استهزَأَ بشَيءٍ مِن دينِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو ثوابِ اللهِ أو عِقابِه؛ كَفَرَ، والدَّليلُ قَولُه تعالى:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65، 66].

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ من استهزأ بمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ وبما جاء به مِن أفكارٍ فهو كافِرٌ].

ثمَّ قالوا في نَقْضِ النَّاقِضِ: [وهذا يَدُلُّنا أنَّ قَصْدَ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ليس الحُكْمَ بكُفْرِ المُستهزئِ بما جاء به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما الحُكمُ بكُفرِ مَن استهزَأَ بدَعْوتِه وبما جاء به، وكان مخالِفًا لاعتِقادِه].

الرَّدُّ:
أمَّا معنى النَّاقِضِ واقِعًا فهذا يَدُلُّك على مِقْدارِ الحِقْدِ الذي يَحمِلونَه على الشَّيخِ حتى أذهَبَ عُقولَهم وجعَلَهم يَكْتُبون ما يُضحِكُ، ولا يَقولُه عاقِلٌ فَضْلًا عن عالمٍ أو عُلَماءَ!
وفي نَقْضِ النَّواقِضِ رَجَعوا لعادتِهم القَديمةِ ودَخَلوا في نِيَّةِ الشَّيخِ وشَقُّوا عن قَلْبِه وأخرَجوا منه هذه المعلومةَ الفريدةَ التي تفَطَّنوا لها دونَ غَيرِهم!


النَّاقِضُ السَّابِعُ:

(السِّحْرُ -ومنه: الصَّرْفُ والعَطْفُ- فمَن فعَلَه أو رَضِيَ به، كَفَر، والدَّليلُ قَولُه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ من تبارك في تعليقِ قُرآنٍ أو وُفِّقَ لحمايةِ نَفْسِه مِن السِّحْرِ، فهو كافِرٌ.

ثمَّ ذَكَروا في نَقْضِ هذا النَّاقِضِ أنَّ السِّحْرَ منه ما هو كُفرٌ، ومنه ما هو مُحَرَّمٌ.

الرَّدُّ:

العَجَبُ لا يَنْقَضي من صَنيعِ أدْعِياءِ العِلْمِ هؤلاء؛ فمَسألةُ كُفْرِ تعَلُّمِ السِّحْرِ والعَمَلِ به مِنَ المسائِلِ التي قال بها جَمعٌ مِن عُلَماءِ المذاهِبِ، كما قال الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ، ويَسَعُه ما وَسِعَهم، فلِمَ هذا التَّحامُلُ على الشَّيخِ؟!
قال الإمامُ مالِكٌ: (إنَّ تعَلُّمَ السِّحْرِ وتعليمَه كُفرٌ وإنْ لم يعمَلْ به، ظاهِرٌ في الغايةِ؛ إذْ تعظيمُ الشَّياطينِ ونِسبةُ الكائِناتِ إليها لا يَسْتطيعُ عاقِلٌ يُؤمِنُ باللهِ أن يقولَ فيه: إنَّه ليس بكُفرٍ) [20]، وممَّن قال بتكفيرِ السَّاحِرِ دونَ تَفْصيلٍ: ابنُ العَرَبيِّ المالِكيُّ في أحكامِ القُرآنِ[21]، والقُرْطبيُّ المالِكيُّ في تَفْسيرِه[22]، والذَّهَبيُّ الشَّافِعيُّ في الكَبائِرِ[23]، وابنُ قُدامةَ الحَنْبليُّ في المُغْني[24].

أمَّا تَفْسيرُهم لِمَعنى هذا النَّاقِضِ واقِعًا فهو ممَّا لا ينبغي تَسويدُ الوَرَقِ في تَزييفِه وبُطْلانِه؛ فهو في وادٍ، وكلامُ الشَّيخِ في وادٍ آخَرَ!


النَّاقِضُ الثَّامِنُ:

مُظاهَرةُ المُشرِكينَ ومُعاوَنَتُهم على المُسلِمينَ، والدَّليلُ قَولُه تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ جميعَ مَن ناصَرَ الأعداءَ كُفَّارٌ، وهو بذلك يحكُمُ بكُفرِ بَعْضِ الصَّحابةِ كحاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ، وهو مِن أهلِ بَدْرٍ الذين قال فيهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لعَلَّ اللهَ اطَّلع على أهلِ بَدْرٍ فقال: اعْمَلوا ما شِئْتُم فقد غفَرْتُ لكم» (رواه البُخاريُّ ومُسلِمٌ). ومقصودُ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ أنَّ جميعَ مَن ناصَرَ مُخالِفيه كُفَّارٌ يجوزُ له أن يَستحِلَّ دِماءَهم وأموالَهم.

ناقِضُ النَّاقِضِ: وهذا من النَّواقِضِ التي وضَعَها الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ لإرهابِ مُخالِفِيه مِن أهلِ العِلْمِ ومَنْعِ النَّاسِ مِن مُعاوَنَتِهم والانتِصارِ لهم؛ فالمُشرِكون الذين قَصَدَهم في ناقِضِه هذا هم العُلَماءُ المخالِفون له.

الرَّدُّ:

للمَرَّةِ العاشِرةِ يتحَدَّثونَ عن مَقْصودِ الشَّيخِ وليس عن مَنْطوقِه! فالشَّيخُ يتحَدَّثُ عمَّن ظاهر المُشرِكينَ وأعانهم على المُسلِمين، وليس مجرَّدَ مناصَرةِ كُفَّارٍ على كُفَّارٍ، ولا يتَحَدَّثُ عن مُناصَرةِ مُخالِفِيه، ولكِنْ هؤلاء العُلَماءِ -زَعَموا- اطَّلَعوا على ما في قَلْبِ الشَّيخِ فأخرجوه لنا!

كما أنَّ الشَّيخَ لم يتطَرَّقْ إلى قِصَّةِ حاطِبٍ رَضِيَ الله عنه، ومِنَ العُلَماءِ مَن يرى أنَّها ليست مِن بابِ المُظاهَرةِ، وأورَدوها في حُكمِ الجاسوسِ، وهي ليست محَلَّ نقاشٍ هنا، لكِنْ إلزامُ الشَّيخِ بهذا النَّاقِضِ تكفيرَ حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ وهو من أهلِ بَدرٍ، ليس له تفسيرٌ إلَّا فُجورٌ في الخُصومةِ لتَنْفيرِ النَّاسِ مِن الشَّيخِ ودَعوتِه!


النَّاقِضُ التَّاسِعُ:

(مَن اعتَقَد أنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَسَعُه الخُروجُ عن شَريعةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما وَسِعَ الخَضِرَ الخُروجُ عن شَريعةِ موسى عليه السَّلامُ؛ فهو كافِرٌ).

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ مَن خالفه حتى من سَقَط عنه التَّكْليفُ وفَقَد عَقْلَه فقد كَفَر، والشَّيخُ رُبَّما لم يقصِدْ بَعْضَ هذا بالضَّبْطِ، وإنَّما قَصَد من خرج عن طريقَتِه ومَذهَبِه مِن أصحابِ الفِرَقِ الصُّوفيَّةِ...

ناقِضُ النَّاقِضِ: وَضَع الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ هذا الضَّابِطَ بهَدَفِ إخراجِ أصحابِ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ وأتباعِ المذاهِبِ مِنَ المِلَّةِ بتَكْفيرِهم، وهو مِن جُملةِ ما انتَهَجَه مِن وَضْعِ أصلٍ عامٍّ بهَدَفِ تَعميمِ حُكمِ التَّكْفيرِ على مُخالِفيه].

الرَّدُّ:

هل هناك مَن يُصَدِّقُ أنَّ الشَّيخَ يُكَفِّرُ أتْباعَ المذاهِبِ ويُخرِجُهم مِنَ المِلَّةِ، وهو منهم ويَتَّبِعُ المَذْهَبَ الحَنْبليَّ، بل عامَّةُ عُلَماءِ نَجْدٍ حَنَابِلةٌ إنْ لم يَكُنْ كُلُّهم؟!
وهل هناك عاقِلٌ يُصَدِّقُ أنَّ الشَّيخَ يُكَفِّرُ من سَقَط عنه التَّكْليفُ وفَقَد عَقْلَه؟!
لا يُصَدِّقُ هذا إلَّا مَن فَقَد عَقْلَه أمثالُ أدْعِياءِ العِلْمِ هؤلاء؛ فإنَّ حِقْدَهم وبُغْضَهم للشَّيخِ جَعَلَهم يَهرِفون بما لا يَقبَلُه عاقِلٌ، وبكَلامٍ يُغني ذِكْرُه عن الرَّدِّ عليه!


النَّاقِضُ العاشِرُ:

(الإعراضُ عن دينِ اللهِ تعالى لا يتعَلَّمُه ولا يَعمَلُ به، والدَّليلُ قَولُه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22].

معنى النَّاقِضِ واقِعًا: تكفيرُ العامَّةِ مِنَ النَّاسِ والجَهَلةِ منهم.

ناقِضُ النَّاقِضِ: ...وهذا يَسْتلزِمُ أنَّ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ المُنهَمِكينَ في دُنْياهم وكَسْبِهم وتَفْضيلِ العَمَلِ الدُّنْيويِّ على الأُخْرَويِّ، وتفضيلِ المالِ على العِبادةِ والعِلْمِ: محكومٌ عليهم بالكُفْرِ. وهذا أمرٌ لم يَقُمْ عليه الدَّليلُ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ، بل هؤلاء مع انْشِغالِهم بما يَنْشَغِلون به، بل مع تَلَبُّسِهم بالمعاصي والكَبائِرِ، مُعتَرِفون باللهِ رَبًّ،ا وبالإسلامِ دينًا، وبالقُرآنِ إمامًا، وبسَيِّدِنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نبيًّا ورسولًا، غايةُ أَمْرِهم أنَّهم وَقَعوا في الغَفْلةِ أو المَعْصيةِ أو الجَهْلِ، وليس شَيءٌ مِن ذلك بمُكَفِّرٍ في دِينِ اللهِ تعالى].

الرَّدُّ:

أمَّا قَولُهم إنَّ معنى النَّاقِضِ تكفيرُ العامَّةِ مِنَ النَّاسِ والجَهَلةِ منهم، فقد تقدَّمَ الكَلامُ الصَّريحُ مِن قَولِه بنَفْيِ هذا عن نَفْسِه، ومن ذلك قَولُه: (وأمَّا الكَذِبُ والبُهْتانُ فمِثْلُ قَولِهم: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ)[25].

ومِن عَجائِبِ قَولِهم أنَّ كَلامَ الشَّيخِ عن الإعراضِ عن دِينِ اللهِ تعالى لا يتعَلَّمُه ولا يَعمَلُ به أنَّه يَستلزِمُ تَكفيرَ النَّاسِ المُنهَمِكينَ في دُنْياهم وكَسْبِهم! وأقَلُّ ما يُقالُ في هذا أنَّهم يتَّهِمون عامَّةَ المُسلِمين المُنْشَغِلينَ في دُنْياهم بأنَّهم أعَرضوا عن دِينِ اللهِ لا يتعَلَّمونَه ولا يَعْملون به، وهذا سُوءُ ظَنٍّ منهم بعامَّةِ المُسلِمين؛ فالمُسلِمون مهما انْشَغَلوا بدُنْياهم وانغَمَسوا فيها فلا يَصِحُّ أن يقالُ عنهم: إنَّهم أعرَضوا عن دينِ اللهِ وإنَّهم لم يتعَلَّموه ولم يَعْمَلوا به؛ فهذه من أوصافِ المُشرِكينَ والمُنافِقينَ، وليست مِن أوصافِ المُسلِمين، وما أكثَرَ الآياتِ في القُرآنِ الكَريمِ التي تَصِفُ الكُفَّارَ بأنَّهم مُعْرِضونَ عن دِينِ اللهِ!

ثمَّ خَتَموا نواقِضَهم بقَوْلِهم: (خاتِمةٌ: وقد بَيَّنَّا أنَّ هذه "النَّواقِضَ العَشْرَ" التي جاء بها مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ خطيرةٌ، وتؤَدِّي إلى الفِتْنةِ وسَفْكِ دِماءِ المُسلِمين، وفَسادٍ في الأرضِ، وخرابِ الدِّينِ والدُّنيا) فيا سُوءَ خاتِمَتِهم!

نَسألُ اللهَ لنا ولهم الهِدايةَ، وأن يُصلِحَ حالَ المُسلِمينَ ويَرُدَّهم إلى دِينِه رَدًّا جَميلًا، وأن يُرِيَنا الحَقَّ حَقًّا ويَرْزُقَنا اتِّباعَه، ويُرِيَنا الباطِلَ باطِلًا ويَرْزُقَنا اجتِنابَه، وأن يَنصُرَ دِينَه وكِتابَه وسُنَّةَ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

 


[1] الكِتابُ مِن مَطبوعاتِ وَزارةِ الأوقافِ الأَرْدُنِيَّةِ، وإشرافُ الدُّكتورِ علي جمعة.

[2] وهي رِسالةٌ مُختَصَرةٌ لا تتجاوَزُ صَفْحَتينِ استَلَّها مِن كتابِ "الإقناعِ" للحَجَّاويِّ في أوَّلِ بابِ حُكمِ المُرْتَدِّ، هَذَّبَها وأرسَلَها لبَعْضِ خُصومِه، والحَجَّاويُّ عُمَّدةُ المتأخِّرينَ في المذهَبِ الحَنْبليِّ، ومتوفًّى في القَرنِ العاشِرِ قَبْلَ ابنِ عَبدِ الوهَّابِ بأكثَرَ مِن مِئْتَيْ عامٍ.

[3] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/63).

[4] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/104).

[5] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/100).

[6] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (10/131).

[7] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (10/112).

[8] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (10/113).

[9] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/202).

[10] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (10/130).

[11] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/102).

[12] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/34).

[13] ((فتاوى ومسائل)) (ص: 68).

[14] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/81).

[15] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/104).

[16] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/104).

[17] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (10/113).

[18] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/83).

[19] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (10/131).

[20] يُنظر: ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (4/ 302).

[21] (1/ 48).

[22] (2/48).

[23] (ص: 101-104).

[24] (12/300).

[25] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/104).