آلام وآمال وأمة لن تموت

منذ 2024-02-08

يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا تظنَّ أن الأمانة أن تتوضأ برطل من ماء، وتصلي ركعتين في المحراب؛ إن الأمانة أن تحمل هذا الدين، وتحمله للناس".

في هذه الآونة الأخيرة توالَتْ على الأمة الإسلامية النكبات والأزمات؛ ما بين سقوط لبعض دولها في أياد كافرة، وما بين قتل لأبنائها على أيادٍ فاجرة، وفي خلال هذه الأزمات والنكبات؛ بل بعد كل أزمة أو نكبة يتكلم الناس: ما الحل؟ وما المخرج؟ ولكنه الكلام الذي لا يؤدي إلى القيام؛ بل كل منا يقول: أنا أعمل ما في وسعي، والحقيقة أن هذه كلمة مخدرة يقولها أحدنا بغرض إسكان ضميره، والإيحاء بأنه قدَّم كل شيء، وفي الحقيقة لم يقدم شيئًا، وهكذا فمعظم الناس يتكلمون وحسب، ولا أحد يفعل شيئًا؛ بل إن شئت فقل: لا أحد يحاول فعل أي شيء، ويتحجَّج قائلًا: أنا لا أدري ما أفعل.

 

من هذا المنطلق أحاول في هذه الكلمات استقراء الواقع وعرضه على حضراتكم، ثم أحاول إيجاد حلول ناجحة لما نحن فيه.

 

وحتى لا تضيع الكلمات سدى، وحتى تعُمَّ -بإذن الله تعالى- الفائدة فسيكون الكلام حول هذه العناصر:

1- آلام وهزائم، فما السبب؟

2- آمال ونصر وأمة لن تموت.

3- واجبات وأعمال في مجتمع مسلم.

 

فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.

 

1- آلام وهزائم، فما السبب؟

قد يتساءل البعض لماذا ننهزم وهم ينتصرون ويسودون؟ هل كُتب علينا أن يستعلي علينا يهود أو كفرة، أم هل كتب علينا أن يبدد ثرواتِنا المفسدون؟ ولا تتعجب أخي المسلم من هذا السؤال، فلقد سأله قبلك أفضل من مشوا على البسيطة، فأنزل الله الإجابة:  {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ ‌أَصَبْتُمْ ‌مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].

 

قل لي بربِّك عن أسبابِ محنتِنا   ***   فرُبَّما مجدنا الماضي أعَدْناه 

فأطرقَ الشيخُ حينًا ثُمَّ عــاوَدَه   ***   حنينُه فارتوى بالدمع لحياه 

وقال قولةَ حقٍّ لا نظيرَ لها   ***   اللهُ ضيَّعَنا لما أضَعْناه 

 

إذًا فالسبب إخوتاه هو البعد عن الله عز وجل؛ أي: المعصية، فهي شؤم على أصحابها، فإن قلة عددنا، وضعف إمكاناتنا في مواجهة عدوِّنا لا تضرنا؛ لكن سوء فعالنا وقبيح ذنوبنا مهلك.

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

"ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تُحدث في الأرض أنواعًا من الفساد، قال تعالى:  {ظَهَرَ الْفَسَادُ ‌فِي ‌الْبَرِّ ‌وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

 

إذًا فالمعصية سبب كل بلية، ويكفيك عبد الله في التدليل على ذلك ما حدث في غزوة أُحُد، فبعد الانتصار الساحق في بداية الأمر كانت معصية أربعين فقط سببًا مباشرًا في انكشاف ظهر المسلمين، ولم تكن هذه المعصية إلا مخالفة أمرٍ واحدٍ من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، فبسبب معصية واحدة جاءت الهزيمة، ومقتل سبعين من خيار الصحابة؛ بل وكاد يُقتَل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بمعاصينا التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى.

 

• قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: "إني لأعصي الله، فأعرف ذلك في خُلُق دابَّتي وجاريتي".

 

• ويقول أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: "من صَفَّى صُفِّي له، ومن كَدَّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في ليله كُوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كُوفئ في ليله".

 

 ويقول أحد السلف: "من سَرَّه أن تدوم له العافية؛ فليتقِ الله عز وجل".

 

إذًا فالعبرة ليست في الكثرة وليست في القوة.

 

 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا لأصحابه: "لستم تُنصرون بكثرة؛ وإنما تُنصرون من السماء".

 

 ويقول الله عز وجل في حديث قُدُسي رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد: " «أنا الله لا إله إلا أنا إذا رضيت باركت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد» ".

 

ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الله يقيم الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة، وإن كانت مسلمة".

 

أرسل هولاكو إلى قطز، كما ذكر المقريزي في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك"،رسالة طويلة أذكر لكم أيها الإخوة سطرًا واحدًا منها ليتبين لكم أمر ما نحن فيه: (وقد ثبت عندكم إنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل)، والأمر لا يحتاج لتعليق فقد بان ما أريد.

 

يُحكى أن ابنة هولاكو- زعيمِ التتار- كانت تطوف في بغداد، فرأت جمعًا من الناس يلتفُّـون حول رجل منهم، فسألت عنه، فإذا هو عالم من علماء المسلمين، فأمرت بإحضاره، فلما مَثَل بين يديها سألته: ألستم المؤمنين بالله؟ قال: بلى، قالت: ألا تزعمون أن الله يؤيد بنصره من يشاء؟ قال: بلى، قالت: ألم ينصرنا الله عليكم؟ قال: بلى، قالت: أفلا يعني ذلك أننا أحبُّ إلى الله منكم؟ قال: لا، قالت: لمَ؟ قال: ألا تعرفين راعي الغنم؟ قالت: بلى، قال: ألا يكون مع قطيعه بعض الكلاب؟ قالت: بلى، قال: ما يفعل الراعي إذا شردت بعض أغنامه، وخرجت عن سلطانه؟ قالت: يرسل عليها كلابه لتعيدها إلى سلطانه، قال: كم تستمر في مطاردة الخراف؟ قالت: ما دامت شاردة،قال: فأنتم أيها التتار كلاب الله في أرضه، وما دمنا شاردين عن منهج الله وطاعته، فستبقون وراءنا حتى نعود إليه جل وعلا.

 

وما زلنا شاردين منذ زمن المغول!

 

2- آمال ونصر وأمة لن تموت:

نعم، سينتصر هذا الدين بلا أدنى ذرة من شك، ويقينُنا في ذلك أكبرُ من يقيننا بالشمس والقمر، ونقول لكل الناس:

لا تهيئ كفني ما مت بعد   **   لم يزل في أضلعي برق ورعد 

أنا تاريخي ألا تعرفـــــــه   **   خالد ينبض في قلبي وسعـــد 

 

ويقيننا ذلك إنما هو مستمدٌّ من وعد الله الذي لا يتخلَّف، ومن بشارات نبينا صلى الله عليه وسلم.

 

قال جل ذكره وتعالى شأنه:

1-  {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا ‌نُورَ ‌اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8-9].

 

• يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: "يحاولون أن يردوا الحق بالباطل، ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس بفيه، وكما أن هذا مستحيل، فذلك مستحيل".

 

2-  {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ‌لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

 

• قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته الولاة على الناس، فتصلح بهم البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم بعد خوفهم أمنًا وحكمًا".

 

نقول: لقد تحقق وعد الله مرات كثيرة، وظل واقعًا ومتحققًا ما دام المسلمون على شرط الله: ﴿ ‌ {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

 

قال البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه: نزلت هذه الآية، ونحن في خوف شديد كمثل أيامنا هذه، فالخوفُ والرعبُ يسود البلاد، والقتل والتشريد والاضطهاد؛ ولكننا مؤمنون بنصر من الله العزيز، كما نصر المؤمنين من قبلنا، ونعلم أن هذه الآية الكريمة هي كقوله تعالى:  {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ ‌يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].



قال صلى الله عليه وسلم:

(1) فيما أخرجه البخاري من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردة، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو لنا فقعد، وهو محمرٌّ وجهه، فقال:  «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليمسكن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله».

 

(2)ما أخرجه أحمد في مسنده، وصحَّحه الألباني عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعز به الإسلام، وذلًّا يذل به الكفر».

 

لا تجزعي من منظر السُّحْبِ التي   **   تخفي كواكبنا عن الأنظــــــــارِ 

سترين تلك السُّحْب تنْفضُ ثوبَهـا   **   يومًا بما نرجو من الأمطـــــــارِ 

يا غزة الجرح المعطَّر بالتُّقــــــــى   **   لا تَيْأَسي من صَحْوةِ المليــــارِ 

لا تَيْأَسي من أُمَّةٍ في روحِهــــــــا   **   ما زالَ يَجْري منهجُ المُختـــــارِ 

 

3- أعمال وواجبات:

لقد غدا العمل لنصرة الإسلام اليوم فرضَ عينٍ على كل فرد من أفراد الأمة رجلًا كان أو امرأة، شابًّا كان أم شيخًا، فالأمل بلا عمل، ولا يحدث النصر إلا بالصبر، ولا يكون التمكين إلا باتخاذ أسبابه؛ ومنها:

السبب الأول: الإيمان والعمل الصالح:

قال ابن القيم: النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، فمن نقص إيمانه نقص نصيبُه من النصر والتأييد؛ ولهذا إذا أُصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله، أو بإدالة عدوِّه عليه، فإنما هي بذنوبه؛ إما بترك واجب، أو فعل مُحرَّم، وهو من نقص إيمانه.

 

السبب الثاني: وجود علماء ودُعاة ربانيِّين:

قال ابن القيم:فسبيلُه وسبيل أَتْباعه الدعْوة إلى الله، فَمَنْ لم يدعُ إلى الله فليس على سبيله.

 

السبب الثالث: نصر دين الله:

قال الله تعالى:  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ‌يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

 

السبب الرابع: التوكُّل على الله والأخذ بالأسباب:

قال تعالى:  {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ‌فَهُوَ ‌حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

 

السبب الخامس: التضرُّع إلى الله، والإلحاح في الدعاء والاستغاثة به سبحانه:

قال ابن القيم:الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ومن أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدفعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يُخفِّفه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن.

 

السبب السادس: الاجتماع وعدم التفرُّق والتنازع:

فقال سبحانه:  {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا ‌فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

 

السبب السابع: إعداد ما يُستطاع من قوة:

قال الله سبحانه:  {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ ‌رِبَاطِ ‌الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60].

 

وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الرأس لما يصيب الجسد».

 

لقد صاح المصلحون ليجمعوا الجميع على نصرة الدين كلما حدث للأمة ابتلاء أو بلاء، واسمع مني أخي المسلم لهذه الصيحة من عبدالقادر الجيلاني الذي قال: "دين محمد تنهار حيطانه، ويتناثر أساسه! هذا أمر لن يتم، تعالوا يا أهل الأرض نشيد ما تهدَّم، ونقيم ما وقع)).

 

فهيا أخي في الله، أم أنك تنتسب إلى نفر من هذه الأمة يغضبون سريعًا، ثم يهدءون، ثم ينامون هؤلاء الأناس الذين يثورون وينفعلون، ولا يفعلون شيئًا، وصدق فيهم قول القائل: "لو هدمت الكعبة لما ضج المسلمون اليوم أكثر من ثلاثة أيام"، وصدق فيهم قول اليهود والنصارى:

قد ملأنا البر من أشلائهم   **   فدعوهم يملئوا الدنيا كلاما 

 

 فكن معي مع هذه الأعمال والواجبات، ولن أطيل عليك أو أحملك فوق طاقتك؛ ولكني سأتبع معك المثل القائل: إن أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع.

 

 فأول ما أريده منك أن تكون صالحًا.

 

وقال تعالى:  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا ‌تَخُونُوا ‌اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].

 

 قال ابن كثير رحمه الله: والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار، اللازمة والمتعدية.

 

• يقول عبدالقادر الجيلاني رحمه الله: "ملائكتكم تتعجب من وقاحتكم، تتعجَّب من كثرة كذبكم في أحوالكم، تتعجَّب من كذبكم في توحيدكم، كل حديثكم في الغلاء والرخص وأحوال السلاطين والأغنياء، أكل فلان، لبس فلان، تزوَّج فلان، استغنى فلان، افتقر فلان".

 

ولكن اعلم أخي أن كلمات اللسان وحدها لا تغير الواقع المر، وحده العمل هو الذي يُغيِّر، وأول العمل إصلاح النفس؛ لذا يقول الجيلاني أيضًا: "النفس كلها شَرٌّ في شَرٍّ، فإذا جوهدت واطمأنَّتْ أصبحت كلها خيرًا في خير".

 

 وثاني ما أريده منك أن تكون آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر؛ قال تعالى:  {كُنْتُمْ ‌خَيْرَ ‌أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

 

 وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية قال: "أنتم خير الناس للناس، تأتون بهم والسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام".

 

ويكفيك في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري:  «خيرُكم من تعلَّم القرآن وعَلَّمَه».

 

ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا تظنَّ أن الأمانة أن تتوضأ برطل من ماء، وتصلي ركعتين في المحراب؛ إن الأمانة أن تحمل هذا الدين، وتحمله للناس".

 

واعلم أخي في الله أن انتشار المعاصي كما هي الآن لم يكن وليد يوم أو شهر أو سنة؛ إنما هو وليد شخص فعل، وآخر سكت؛ فعمَّتِ الفوضى.

 

درجنا على فوضى أضاعت جهودنا   **   وغالوا بترتيب الجهود وأقدموا 

وقد يرجع الحق المشوش خائبًـــــا   **   وينتصر البطلان وهْو منظَّــــــم 

 

وثالث ما أريده منك أن تكون داعيًا.

 

كانت عائشة رضي الله عنها تقول: "سلوا الله التيسير في كل شيء، حتى الشسع في النعل؛ فإنه إن لم يُيسِّره الله لم يتيسَّر".

 

فكيف الأمر إذا لم يكن شسع نعل؛ بل ضياع أمة، وإبادة شعب، واستئصال دين، أفلا يستحق ذلك الدعاء الليل مع النهار؟!

 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري:  «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء».

 

ويقول ابن الجوزي رحمه الله: "إذا وقعت في محنة يصعب الخلاص منها؛ فليس لك إلا الدعاء، واللجوء إلى الله بعد أن تقدم التوبة من الذنوب".

 

ويقول عبدالله بن عون رحمه الله تعالى: "لو أن رجلًا انقطع إلى هؤلاء الملوك في الدنيا لانتفع، فكيف بمن ينقطع إلى من له السموات والأرض، وما بينهما وما تحت الثرى".

 

وأختم مع حضراتكم بهذا الدعاء الذي يُلقِّننا إياه الزاهد سُدَيف بن ميمون رحمه الله تعالى:

"اللهم قد حكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل نحلة، اللهم وقد استحصد زرع الباطل، وبلغ نهايته، اللهم فافتح له يدًا من الحق حاصدة، تبدد شمله، وتُفرِّق أمره ليظهر الحق في أحسن صوره، وأتم نوره".

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَنْ زكَّاها، اللهم ائذن لنا بأمر رُشْدٍ، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُذَلُّ فيها عدوك وعدونا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألِّف بين قلوبهم، اللهم اشْفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واغفر لنا ولهم، اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهم على محمد وآله وصحبه.

________________________________________________________
الكاتب: رضا أحمد السباعي