أين أنت
أيها الغافل عن درب هداه سادرا في الغي لا يعرف دربه أي زاد يحمل العاصي غدا حين يأتي مغضبا لله ربه
رقية القضاة
الفجر يؤذن بانبلاج النور وانحسار أمواج الظلام، والقلوب المستجيبة لنداء الله الخالد تحث الخطو الى بيوته الرحبة والصفوف المتآخية ترص بانتظار تكبيرة الإحرام،تلك التكبيرة التي تخرج النفوس العطشى من صحراء الظمأ الروحي إلى منابع الورد العذب، ومن هجير العناء إلى ظلال الجنان،ومن ضيق انغلاق أبواب الأماني على الأرض إلى باب الكريم الودود المشرع لكل قاصد مكروب، وانقضت اللحظات العامرة بالود واللطف والرجاء ولم تكن من روادها ولم تحظ بانوارها وفاتتك قسمة عطاياها،وافتقدك المعطي حيث أمرك فلم يجدك ،وفات موعد رحمة وراء موعد وسار ركب عطاء خلف ركب وبسط الغني كفه لك لتتوب عن ذنوب المساء كما بسطها في الليل لتتوب عن ذنوب الصباح فلم تلتقط ولم تغتنم الفرصة الطيبة ولم تسابق اليها ولم تسارع ففاتتك لفتة الغفران وغيث الهداية لم تطرق الباب المشرع ابدا المرحب أبدا المنتظر لأوبتك لم تناجي ربك بعد الغفلة ولم تنادي حين وجدت نفسك وحيدا زادك الذنب وريك الشقاء .
أيها الغائب عن مواطن الرحمة أين أنت؟؟
ومدت الشمس أشرعتها الدافئة والقت باوردة الحياة على رواد الحياة وغدا الناس مابين موبق لنفسه ومعتق لها ولم تغد مع الغادين ولم تكن مع الساعين إلى الرزق الحلال وأنت صحيح الجسم معافى البدن فضيعت من تعول وما وقيتهم ذل السؤال ولم توقن بأن العمل عبادة وأنك مأمور بالسعي فالعطايا وفيرة فهل بذلت لها الثمن ؟
الرزق مخبوء في بواطن الأرض الرزق منثور في الفضاء الرزق متاح للأقوياء والضعفاء الرزق والوعد في السماء فعليك بالسعي والبحث والتوكل والدعاء، ايها القاعد المتواكل غدت الطيور من أعشاشها بترانيمها الطروب وتسبيحاتها العذاب تطلب الفضل من واهبه الوهاب وامتدت السواعد الطاهرة تضرب الصخر وتقلب التراب وتنبت الزهر في القفر اليباب وتجري المياه لتسقي الغصون المخضرة وتجني الثمر وتتلقى ما قسم الله لها بالرضا والشكر والقناعة أن رزقها كان حلالا طيبا، ولم تكن مع الطير ولا مع السواعد الضاربة في آفاق البحث، وعتبت واعترضت و سخطت لأنك لم تأخذ ولم تجني ولم تحصد الخيرات اتقعد عن الطلب وتنتظر العطايا؟ لم تكن مع قاصدي باب الرزاق فأين أنت؟؟
وأقيمت حلقات العلم وانطلقت العقول لتتزود بأنواره وتنتقل عبر أثيره المفتوح على كل أروقة الإبداع، والتحصيل والإنتاج ، وتحمل طلابه كل أنواع المعاناة سعداء بالسعي الى ارقى معارج التميز،وسارعوا إلى أبواب فروض العين فولجوها وإلى أبواب الكفايات فطرقوها وجعلوا العلم سبيلهم لنيل القربات والارتقاء في ميادين الحياة فيهم الصحيح والعليل فيهم من لا يملك الكثير ولا القليل وانت صحيح العقل سليم البدن قادر على طلب العلم، ولكنك مفقود من تلك الدائرة الكريمة فأين انت ؟
ومضى ركب أهل الجهاد، بأهل الأجور،قد وطنوا النفوس على المضي قدما لإعلاء كلمة الله ،والذود عن حرماته وحماه ،والمظلومين من عباده، المقهورين بجبروت الفراعنة ،ومضت كتائب الرافضين لذل المستعمرين لصوص الأوطان وسراق التاريخ ،ومزوري الوقائع مرتكبي الفظائع بحق الصامدين الثائرين وومضت في عتمة المصائب والخطوب سيوف المجاهدين وحطت سهامهم في اكباد اعداء الله وطالت رهيفات رماحهم نحر الظلم والطغيان وانبرت الأقلام المخلصة للأمة تخط تاريخها المشرق من جديد وتكتبه دون زيف ولا تزوير ووقف الخطباء على منابر الوعظ والتفقيه والتوجيه يحرسون قيم الأمة وثوابتها ويوجهون خط سيرها الى بر الامان ،واخذ أهل القرآن مجالسهم خشعا منصتين مابين متعلم يطلب النور ومابين معلم يبذله ويطلبه فإذا جن عليهم الليل قاموا قانتين واقتربوا سجدا خاشعين ، متفكرين منيبين مطلبهم أن يتقبل الله منهم وأن يحط الخطايا عنهم عبراتهم تسبق الكلمات وأشواقهم تسبق الدعوات ،يلتمسون بوجوههم الساجدة الطريق ويبتغون بذل الجباه العزة ويستعينون على نوائب الدهر ومصاعب الحياة بالصبر والصلاة ويفتقدك الجليل حيث أمرك فلا يجدك فأين أنت؟؟
لست مع العباد الساجدين ولست مع العاملين المتوكلين وما أنت في صفوف المجاهدين ولم تسخر قولك ولا فعلك في الذود عن حياض الدين ولم تدمع عينك لمصائب المكلومين وما أهمك أبدا أمر المسلمين فما هو موقعك في الأرض وقد جعلت فيها لتعمرها وما مكانك من أمتك ولم يهمك أمرها وأين أنت من عبادة الله وقد خلقت لتعبده أيها الغافل الموبق لنفسك أين أنت؟؟؟
أيها الغافل عن درب هداه سادرا في الغي لا يعرف دربه
إنما عمرك ساعات فخذ من جميل القول والأفعال قربه
أي زاد يحمل العاصي غدا حين يأتي مغضبا لله ربه
[ {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ]
رقية القضاة
كاتبة إسلامية وباحثة أردنية
- التصنيف: