شاب نشأ في عبادة الله

منذ 2024-06-26

من الأمثلة المعاصرة: الشباب الذين يَمْلؤُون المساجد والمدارس والجامعات، يطلبون العلم الشرعي، ويدعون إلى دين الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويلتحقون بحلقات تحفيظ القرآن الكريم.

د.أمين الشقاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( «(سبعةٌ يظلُّهم الله - تعالى - في ظلِّه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عَدْلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عبادة الله، ورجلٌ معلَّقٌ قلبُه في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شِماله ما تُنفِقَ يمينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عيناه» ))[1].

يجمع الله الخلائق يوم القيامة، الأوَّلينَ منهم والآخِرين؛ ﴿ { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } ﴾ [النجم: 31] في يومٍ طويلٍ قدرُه، عظيمٍ هَوْلُه، شديدٍ كَرْبُه، حذَّر الله منه عبادَه، وأمرهم بالاستعداد له.

قال تعالى: ﴿  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}  ﴾ [الحج: 1: 2].

وقال تعالى: ﴿  {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا } ﴾ [المزمل: 17].

وعن المِقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( «تُدْنَى الشمس من الخَلْق، حتى تكون منهم بمقدار مِيل؛ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق؛ فمنهم مَنْ يكون إلى كَعْبَيْه، ومنهم مَنْ يكون إلى رُكْبَتَيْه، ومنهم مَنْ يكون إلى حِقْوَيْه، ومنهم مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَق إلجامًا» ))[2].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( «يَعْرَق الناسُ يوم القيامة، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويُلْجِمُهم حتى يبلغ آذانهم» ))[3].

ولا يتَّسع الوقت للحديث عن السَّبعة، ولكن نقف وقفاتٍ يسيرة مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( «شابٌّ نشأ في عِبَادة اللهِ» )).

فهذا الشاب وفَّقَهُ الله منذ نَشأ للأعمال الصالحة، وحبَّبها إليه، وكَرَّه إليه الأعمال السيئة، وأعانه على تركها: إما بسبب تربية صالحة، أو رِفْقة طيبة، أو غير ذلك؛ وقد حفظه الله ممَّا نشأ عليه كثيرٌ من الشباب من اللهو واللَّعب، وإضاعة الصلوات، والانهماك في الشهوات والملذَّات، وقد أثنى الله على هذا النشء المبارك بقوله: ﴿ { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}  ﴾ [الكهف: 13].

ولما كان الشباب داعيًا قويًّا للشهوات، كان من أعجب الأمور الشاب الذي يُلزِم نفسَه بالطاعة والاجتهاد فيها، واستحقَّ بذلك أن يكون من السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه.

لقد علم أنه مسؤولٌ عن شبابه فيما أبلاه، فعمل بوصية نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم  - التي أوصى بها؛ حيث قال: ( «(اغْتَنِم خمسًا قبل خَمْسٍ: شبابَك قبل هَرَمِكَ، وفراغَك قبل شغلك، وحياتَك قبل موتك، وصحتَك قبل سقمك، وغِنَاك قبل فَقْرك» ))[4].

وعن ابن مسعود  - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: (( «لا تزول قَدَما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمسٍ: عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما عَلِم» )) [5].

والشباب هم عماد الأمَّة، وهم جيل المستقبل؛ منهم يتكوَّن بناءُ الأمة، ومنهم ينشأ العلماء والمصلحون والمجاهدون وغيرهم من أبناء المجتمع، الذين إذا صلحوا انتفعت بهم مجتمعاتهم في الدنيا والآخِرة؛ قال تعالى: ﴿  {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}  ﴾ [الطور: 21].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( «إذا مات ابن آدمَ انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صَدَقَةٍ جارية، أو عِلْمٍ يُنتفع به، أو وَلَدٍ صالحٍ يدعو له» ))[6].

ومن الأمثلة على الشباب الملتزِم بطاعة ربه شبابُ الصحابة؛ أمثال: أسامة بن زيد، الذي أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيادة جيش المسلمين المتَّجِه إلى الشام، وعمره لم يتجاوز السابعة عشر، وفي القوم كِبَارُ الصحابة، حتى إن أبا بكر كان يستأذن أسامة بن زيد أن يُبقيَ عمر عنده في المدينة، فيأذن أسامة في ذلك، وعلي بن أبي طالب الذي بات في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما هاجر إلى المدينة، وعَرَّضَ نفسه للقتل فداءً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعفر بن أبي طالب الذي كان قائدًا لجيش المسلمين في معركة مُؤْتَة الشهيرة خَلَفًا للقائد زيد بن حارثة - رضي الله عنه - الذي قُتِل في تلك المعركة، فحَمَل راية المسلمين وأخذ سيفه، وهو يقول:

 

يا  حَبَّذَا  الجَنَّةُ   وَاقْتِرَابُهَا        طَيِّبَةٌ     وَبَارِدٌ     شَرَابُهَا
والرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا        عَلَيَّ  إِنْ  لاقَيْتُهَا  ضِرَابُهَا

 

فقطعوا يده اليمنى، فأمسك الراية بيده اليسرى، فقطعوا يده اليسرى، فضم الراية إلى صدره، فتكاثروا عليه فقتلوه.

يقول عبدالله بن عمر: "التمسنا جعفر بن أبي طالب في القتلى، فإذا هو قد ضُرِب بضعًا وتسعين ضربة، ما بين ضربةٍ بسيفٍ، وطعنةٍ برمح[7].

قال تعالى: ﴿  {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}  ﴾ [الأحزاب: 23].

ومن الأمثلة كذلك: محمد بن القاسم، الذي فتح بلاد السند والهند وعمره لم يتجاوز السابعة عشر؛ كما تروي لنا كتب السير.

قال الشاعر:

 

عُبَّادُ  لَيْلٍ  إِذَا  جَنَّ  الظَّلامُ  بِهِمْ        كَمْ عَابِدٍ دَمْعُهُ  فِي  الخَدِّ  أَجْرَاهُ
وَأُسْدُ غَابٍ إِذَا نَادَى الجِهَادُ بِهِمْ        هَبُّوا إلى المَوْتِ يَسْتَجْدُونَ رُؤْيَاهُ
يَا رَبِّ فَابْعَثْ لَنَا مِنْ مِثْلِهِمْ  نَفَرًا        يُشَيِّدُونَ   لَنَا    مَجْدًا    أَضَعْنَاهُ

 

 

ومن الأمثلة المعاصرة: الشباب الذين يَمْلؤُون المساجد والمدارس والجامعات، يطلبون العلم الشرعي، ويدعون إلى دين الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويلتحقون بحلقات تحفيظ القرآن الكريم.

وهذا شيء يُثلِج الصدر، وأمَّتنا لا يزال فيها الخير إلى يوم القيامة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] صحيح البخاري (1/ 440) برقم (1423)، ومسلم (2/ 715) برقم (1031).

[2] صحيح مسلم (4/ 2196) برقم (2864).

[3] صحيح البخاري (4/ 197) برقم (6532)، وصحيح مسلم (4/ 2196) برقم (2863).

[4] مستدرك الحاكم (4/ 341) برقم (7846).

[5] سنن الترمذي (4/ 612) برقم (2416).

[6] صحيح مسلم (3/ 1255) برقم (1631).

[7] صحيح البخاري (3/ 146) برقم (4261).