لماذا لا نتغير

منذ 2024-07-01

ومن وسائل تغيير العادات: محاولة الاتصاف بالأخلاق الحسنة شيئًا فشيئًا، حتى تكتمل الأخلاق الحسنة، وتزول السيئة

يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسانَ، ويخلق فيه طِباعًا مختلفة؛ كالغضب والرضا، والكرم والبخل، والشجاعة والجبن، وغير ذلك.

 

فمن وجد في نفسه من خصال الخير، فلْيَحْمَدِ الله على ذلك.

 

ومن وجد في نفسه غيرَ ذلك، فهل يُبقي عليها، أو يسعى إلى تغييرها وتبديلها، كما يسعى إلى تغيير ملابسه إذا تغيَّرت أو تبدَّلت، ويُغيِّر سيارته إذا تعطَّلت؟

 

فهو لا يرضى أن يبقى في ثياب متسخة أو مُهْتَرِئة، ولا يرضى أن تبقى لديه مركبة متوقفة.

 

وكذلك الأخلاق؛ ينفُض عنه أخلاق السوء، ويلبَس أخلاق الكرم.

 

وقد تكون أخلاق السوء امتحانًا وابتلاءً من الله تعالى للإنسان في أن يسعى إلى تغييرها، والاتصاف بضدها.

 

فمن ذلك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الوصية: ((قال: أوصِني يا رسول الله، فقال: «لا تغضب»، ثم قال: أوصِني يا رسول الله، قال: «لا تغضب»، ثم قال: أوصني يا رسول الله، فقال: «لا تغضب»؛ (رواه البخاري).

 

فهذا رجل كان سريع الغضب، وتعلمون ماذا ينتج عن الغضب من أمور لا تُحمد عُقباها.

 

وخطب النبي صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة بعد وفاة زوجها، فاعتذرت بثلاثة أمور:

الأول: أنها ذات عيال.

الثاني: أنها كانت كبيرة السن؛ فقد كان عمرها خمسة وأربعين عامًا.

الثالث: أنه فيها حِدَّة؛ أي: شدة في أخلاقها وطِباعها.

 

فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم: أما عيالكِ فهم عيالي، وأما ما ذكرتِهِ من عمركِ فأنا أكبر منكِ، وأما الحِدَّة في طبعكِ، فأدعو الله أن يذهبها عنكِ، وقد كان.

 

فالدعاء طريق من طرق تغيير عادات الإنسان التي لا يحبها، أو كسب العادات التي يتمنى أن يتصف بها.

 

ومن وسائل تغيير العادات والأخلاق المماثلةُ أو المشابهة، والمعنى: محاولة الاتصاف بالأخلاق الحسنة شيئًا فشيئًا، حتى تكتمل الأخلاق الحسنة، وتزول السيئة؛ فقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم".

 

فكما يحاول الإنسان أن يتعلم الأشياء الجديدة؛ مثل: برامج أجهزة الاتصال، أو يتعلم مهارات في الحياة، كان يجهلها عن طريق المشاهدة هنا أو هناك، فكذلك الأخلاق الحسنة يتعلمها الإنسان تعلمًا، فمن أُصيب بالبخل، فعلاجه أن يُغمس في وسط الكرماء، لعله قلبه يحيا من جديد، ومن أُصيب ببذاءة اللسان، فليُغمس في وسط أهل اللطف والبيان.

 

فيقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، إذا أراد الإنسان أن يسعى في تغيير ما يكرهه في نفسه، وكان صادقًا في ذلك، أعانه الله عليه، وهوَّنه على نفسه.

 

واعلم - أيها المسلم - أنَّ مَن تراهم من أهل الكرم والجود والحِلم وغيرها من الفضائل، أن بعضهم إنما اكتسبها اكتسابًا من غيره، فهم لم يُولَدوا كِرامًا أهلَ حِلْمٍ وعفوٍ، فالأمر ليس بالصعب ولا العسير المستحيل.

 

ومن ذلك ما رُوِيَ عن الأحنف بن قيس التميمي الذي يُقال عنه: أحلم العرب، فقد سألوه يومًا: ممن تعلمت الحلم؟ قال: "تعلَّمته من قيس بن عاصم؛ كنا عنده يومًا وهو جالس بفناء بيته، محتبٍ بثيابه، يحدثنا بحديثه، فأتاه جماعة يحملون رجلًا مقتولًا، ويجرُّون رجلًا مقيدًا، فقالوا له: هذا ابن أخيك قد قتل ابنَك، فوالله ما حلَّ حَبْوَتَه، فالتفت إلى ابن أخيه فقال: يا بن أخي، لقد قطعت رحِمَك، وقتلت ابن عمك، فعفا الله عنك، ثم التفت إلى أحد أبنائه، وقال له: أطْلِقْ قيد ابن عمك، وادفن أخاك، واحمل إلى أمِّه مائة بعير؛ فإنها غريبة".

 

والخطأ كل الخطأ أن يبقى الإنسان متمسكًا بعاداته السيئة ويرضى بها، ويعامل الناس عليها؛ أخيرًا تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «يا أمَّ سَلَمَةَ، ذهب حسن الخُلُق بخيري الدنيا والآخرة».

 

أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل البر والإحسان، وأن يعيذنا وإياكم من صفات الفسق والطغيان، إنه على كل شيء قدير.

 

 

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

_______________________________________________________
الكاتب: ساير بن هليل المسباح