الأخلاق الحسنة، ثمراتها، من يوفق لها، وما أخطر شيء عليها؟

منذ 5 ساعات

إن أخطر شيء على أخلاق الناس هو هذه الدنيا بمتاعها ومُغرياتها، بزخارفها وشهواتها من النساء والبنين... إن الغلوَّ في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلِيَّة.

الأخلاق الحسنة تُضاعف الأجرَ والثواب، فمن منا لا يريد أن تبلُغَ درجاته عند الله درجة الصائم الذي لا يُفطِر، والقائم الذي لا يَفْتُر؟ فمن أراد هذه الدرجة العظيمة التي يتمناها كل مسلم، فعليه بحُسْنِ الخُلُقِ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن المؤمن لَيُدرك بحسن الخُلُق درجةَ الصائم القائم»؛ (رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني).

 

 

الإيمان والأخلاق قُرناء، إذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدَّق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خيرَ فيها، هي من أهل النار» ، قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدَّق بأثْوَارٍ – قطع - من الأقِطِ - وهو لبن جامد - ولا تؤذي أحدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي من أهل الجنة»؛ (رواه أحمد، وابن حبان، وصححه الألباني).

 

وانظر وتأمَّل كيف يقسم النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثًا؟ وعلى ماذا؟ فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن} ، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جارُه بوائقَه»؛ (متفق عليه).

 

أيها المؤمنون عباد الله:

إن حُسْنَ الخُلُقِ هو أساس الخيريَّة والتفاضل بين الناس يوم القيامة، فهنيئًا لصاحب الخُلُقِ مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ويا سعادة من كان مجلسه في الجنة قريبًا من رسول الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا»؛ (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

 

الناس يوم القيامة في وَجَلٍ وفي خوف وفزع، الكل يتمنى حسنة واحدة تنفعه في ذلك اليوم، الكل ينظر إلى ميزانه، هل سيثقُل أم سيخِفُّ؟ فالمفلح من ثقُلت موازينه، والخاسر من خفَّت موازينه؛ قال تعالى:  {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8، 9].

 

من سيفلح ذلك اليوم يا تُرى؟!

إنه صاحب الخُلُقِ الرفيع؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء في الميزان أثقلُ من حُسْنِ الخُلُقِ»؛ (رواه الترمذي، وابن حبان، وصححه الألباني).

 

أيها الأحِبَّة الكرام في الله:

فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم التفاوت في الإيمان بين المسلمين هو حُسْنُ الخُلُق، فأحسنهم خلقًا هو أكملهم إيمانًا؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم»؛ (رواه الترمذي، وأحمد)؛ فالأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان.

 

إن نَيل السعادة والعَيشَ في أكنافها، لا يُدرَك بالمنصب ولا بالجاه، ولا يُنال بالشهوات ومُتَعِ الحياة، ولا بجمال المظهر ورقيق اللباس، لا يُنال إلا بلِباس التقوى ورداء الخُلُق؛ عمل صالح، وقول حسن،  {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 77، 78].

 

عباد الله:

إن الأخلاق العظيمة سببٌ في محبة الله للعبد، وإذا أحبَّك الله، وفَّقك وسدَّدك وأعانك؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ عباد الله إلى الله أحسنُهم خُلُقًا»؛ (رواه الحاكم، والطبراني، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح).

 

إن أخطر شيء على أخلاق الناس هو هذه الدنيا بمتاعها ومُغرياتها، بزخارفها وشهواتها من النساء والبنين... إن الغلوَّ في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلِيَّة.

 

من أجل متاع الدنيا يبيع الأخ أخاه، ويقتل الابن أباه، ومن أجلها يخون الناس الأمانات، وينكُثون العهود، ومن أجلها يجحد الناس الحقوقَ، وينسَون الواجبات.

وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بَقِيَت = فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

أما بعد أيها الأحبة الكرام في الله:

فالكل مشتاق إلى الجنة، بل الكل يطمح إلى أعالي الجنان؛ لأن الجنة درجاتٌ، فمن أراد قصرًا في أعلى الجنة، فلْيُحْسِن خُلُقَه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك الْمِراء وإن كان مُحِقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خُلُقه»؛ (رواه أبو داود، والطبراني، والبيهقي، وحسنه الألباني).

 

 

فأكثر ما يُدخِل الناسَ الجنةَ شيئان اثنان مهمان؛ تقوى الله، وحسن الخلق، فتقوى الله وحسن الخلق سببان رئيسيان لدخول الجنة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخِل الناس الجنةَ، فقال: تق «وى الله وحسن الخلق» ، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: «الفَمُ والفَرْجُ»؛ (رواه الترمذي، وأحمد، وابن حبان، وحسنه الألباني).

 

لقد مدح الله المؤمنين الصادقين بكونهم يتحلَّون بمكارم الأخلاق، ويتخلَّقون بآداب الإسلام؛ فقال:  {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 63 - 67]، ثم بيَّن جزاءهم:  {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 75، 76].

 

وما يُوفَّق لهذه الأخلاق وهذه الخِصال الحميدة إلا الذين صبروا نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحب الله؛ فإن النفوسَ مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ فإذا صبر الإنسان نفسَه، وامتثل أمرَ ربِّه، وعرَف جزيل الثواب، وعلِم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيد شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدةً، وأن إحسانه إليه ليس بواضعٍ قدْرَه، بل من تواضَعَ لله رفعه - هان عليه الأمر متلذذًا مُستحليًا له؛ لكونه من خصال خواصِّ الخلق التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق، ولا عجب أن رأينا أحد محققي علماء الإسلام مثل ابن القيم يقول: "الدين هو الخُلُق، فمن زاد عليك في الخلق، زاد عليك في الدين"؛ (مدارج السالكين).

 

عباد الله:

صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...

_______________________________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري