دور الشباب في بناء الأمة

منذ 4 ساعات

أيها الشباب، إن عليكم مسؤولية كبيرة، وإن الله عز وجل سائلنا جميعًا عما استخلفنا فيه، فعليك أن تبحث لنفسك عن ثغر تقف عليه في خدمة دين الله عز وجل.

ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم وبمجنة وبعكاظ، وبمنازلهم بمِنًى يقول: «من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة»؟ فلا يجد أحدًا ينصره ويؤويه، حتى إن الرجل يرحل من مضر، أو من اليمن، إلى ذي رَحِمِه، فيأتيه قومه، فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله عز وجل له من يثرب، فيأتيه الرجل فيؤمن به، فيقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم بعثنا الله عز وجل، فأتمرنا، واجتمعنا سبعون رجلًا منا، فقلنا: حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة، ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فقال عَمُّه العباس: يا بن أخي، إني لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلما نظر العباس في وجوهنا، قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم، هؤلاء أحداث، فقلنا: يا رسول الله، علامَ نبايعك؟ قال: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العُسْر واليُسْر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب، فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة»

فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين، فقال: رويدًا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافةً، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، وعلى مفارقة العرب كافةً، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفةً فذروه، فهو أعذر عند الله، قالوا: يا أسعد بن زرارة، أمِطْ عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلًا رجلًا يأخذ علينا بشرطة العباس، ويعطينا على ذلك الجنة.

 

تأمل معي في هذا الحديث المبارك: قول العباس رضي الله عنه: يا بن أخي، إني لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب، ثم قوله رضي الله عنه: فلما نظر العباس في وجوهنا، قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم، هؤلاء أحداث.

 

"هؤلاء أحداث"؛ أي: حديثة أسنانهم؛ أي: إنهم ليسوا كبار قومهم، وليسوا كبراءهم.

 

لما بعث الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم حالفه الشباب، وحاربه الشيوخ. وتأمَّل معي الذرية وارتباطها بالضعف، يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]، ويقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: 38 - 40]، ويقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9].

 

فتأمل ارتباط لفظة الذرية بالضعف، والضعف إما يكون عن صغر السن، أو عن قلة الإمكانات، وهذا حال المؤمنين مع الأنبياء، تأمل قول الله عز وجل في محكم التنزيل عن موسى عليه السلام: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس: 82 - 86].

 

فهؤلاء الذين آمنوا مع موسى عليه السلام بداهة لم يكونوا صغار السن، وإنما كانت إمكاناتهم ضعيفة، والمتأمل لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم يرى ويجد عجبًا! يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكن لديهم في أي مرة أبدًا تكافؤ في العدد والعدة والعتاد مع أعدائهم، ويرى نصر الله عز وجل دومًا لهم.

 

أيها الشباب، إن عليكم مسؤولية كبيرة، وإن الله عز وجل سائلنا جميعًا عما استخلفنا فيه، يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].

 

قال الطبري رحمه الله: والخليفة الفعيلة، من قولك: خلف فلان فلانًا في هذا الأمر، إذا قام مقامه فيه بعده، كما قال تعالى ذكره في محكم التنزيل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14].

 

واعلم- رحمني الله وإياك- أن الله عز وجل لا يترك عباده هملًا سُدًى {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]، أخرج الترمذي في جامعه (2416) عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: ‌عن ‌عمره ‌فيم ‌أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم.

 

أخي الشاب، إذا سألت والدك أو جدَّك عن الأيام، فسيخبرك يقينًا بسرعة مرورها، وقد يحكي لك عن لحظات الندم على ما فات من الخير فيها، ومَنْ مِنَّا إلا وهذا حاله، مُقِلّ أو مُستكثِر.

 

روينا أنه ليس يتحسَّر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها، والحديث ضعيف.

 

نصيحتي لك أخي الشاب أن تبحث لنفسك عن ثغر تقف عليه في خدمة دين الله عز وجل، واعلم أنه لا تعارض أبدًا بين الدين والدنيا، وإن وجدت هذا التعارض فيما يبدو لك فاعلم أن هناك خللًا، إما في فهم الدور المناط بنا في الدنيا، وإما في تصور كيفية الجمع بين الدنيا وأمور الدين. اعلم أن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

 

فالأصل أن الدنيا إنما هي وسيلة للآخرة، فاحذر أن تنشغل بالوسيلة عن الغاية، واعلم أنه بالنية يمكن أن تنقلب العادات إلى عبادات تؤجر عليها.

 

أخرج البخاري في صحيحه (4344) قال: حدثنا مسلم: حدثنا شعبة: حدثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن، فقال: «يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبَشِّرا ولا تُنفِّرا، وتطاوعا»، فقال أبو موسى: يا نبي الله، إن أرضنا بها شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ المِزْرُ، وشَرَابٌ مِنَ العَسَلِ البِتْعُ، فقال: «كلُّ مسكر حرام». فانطلقا، فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا وقاعدًا وعلَى رَاحِلَتِي، وأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وضرب فسطاطًا، فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى، فإذا رجل موثق، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتدَّ، فقال معاذ: لأضربن عنقه.

 

فالنومة قد احتسبها معاذ رضي الله عنه في سبيل الله، ابتغاء وجه الله عز وجل. ومما يعين على هذا: النية الصالحة في كل الأعمال والأقوال، والتقوِّي بها على العبادة، وإتيانها على السنة، وغير ذلك ما نذكره بالتفصيل لاحقًا، إن شاء الله، وإذا أردت حقًّا تحديد ثغر تقف عليه، اعلم أنك تحتاج بعد توفيق الله عز وجل إلى عدة أمور، منها:

الصدق:

أخرج النسائي في المجتبى (1953) قال: أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبدالله، عن ابن جريج، قال: أخبرني عكرمة بن خالد أن ابن أبي عمار أخبره عن شداد بن الهاد «أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتَّبَعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوةٌ غنمَ النبي صلى الله عليه وسلم سبيًا، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسم قَسمَه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: «قسمته لك» ، قال: ما على هذا اتَّبَعْتُك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة. فقال: ‌ «إن ‌تصدق ‌الله ‌يصدقك»، فلبثوا قليلًا، ثم نهضوا في قتال العدوِّ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهو هو»؟»، قالوا: نعم، قال: «صدق الله فصدقه»، ثم كَفَّنَه النبي صلى الله عليه وسلم في جبَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصَلَّى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: «اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك».

 

الله الله في الصدق يا من تبحث عن الثغر!

الله الله في الصدق يا من تقف على الثغر!

 

الإخلاص:

أخرج الترمذي في جامعه (2382) قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبدالله بن المبارك، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدني أن عقبة بن مسلم حدَّثه، أن شُفَيًّا الأصبحي حدثه «أنه دخل المدينة» فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا، قلت له: أسألك بحق وبحق لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشْغةً فمكثنا قليلًا ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشْغةً شديدةً، ثم أفاق فمسح وجهه، فقال: أفعل لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشْغةً شديدةً، ثم مال خارًّا على وجهه فأسندته عليَّ طويلًا ثم أفاق، فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قُتِل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي، قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت، قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانًا قارئ فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصِل الرَّحِم وأتصَدَّق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد، فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قُتِل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قُتِلت، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذاك، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسعَّر بهم النار يوم القيامة».

 

وقال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة بن مسلم أن شفيًّا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا.

 

قال أبو عثمان: وحدثني العلاء ابن أبي حكيم، أنه كان سيَّافًا لمعاوية، فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة، فقال معاوية: قد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس، ثم بكى معاوية بكاءً شديدًا حتى ظننا أنه هالك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بشرٍّ، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].

 

الله الله في الإخلاص يا من تبحث عن الثغر!

الله الله في الإخلاص يا من تقف على الثغر!

 

الديمومة:

أخرج البخاري في صحيحه (1987) قال: حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة: «قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص من الأيام شيئًا؟ قالت: لا، كان عمله ديمةً، وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم».

 

وأخرج البخاري أيضًا في صحيحه (6465) قال: حدثني محمد بن عرعرة: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها، وإنْ قَلَّ»، وقال: «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ».

 

الله الله في الديمومة على طاعة الله عز وجل يا من تبحث عن الثغر!

الله الله في الديمومة على طاعة الله عز وجل يا من تقف على الثغر!

 

واعلم أن العمل قد يكون في ظاهره بسيطًا، لكنه يكون عند الله بالصدق والإخلاص عظيمًا، والعكس بالعكس. نسأل الله أن يوفقنا إلى طاعته ورضاه، وأن يستعملنا فيما يحبُّه ويرضاه.

 

واعلم - رحمني الله وإياك- أن إعداد الجيل الذي يحمل راية هذا الدين ومسؤوليته، من أوجب الواجبات على هذه الأمة، وأنها أمة عظيمة لا تموت بموت أحد، كيف وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بعده الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنه، والأمة- إن شاء الله- سائرة على الطريق، تقوى وتضعف؛ ولكنها أمة لا تموت بفضل الله عز وجل ورحمته.

 

ختامًا: اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عَدْلٌ فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو عَلَّمْتَه أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همنا وغمنا.

__________________________________________
الكاتب: أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب