السلفيون.. من خارج الحسابات إلى قلب البرلمان

منذ 2012-01-26

لم تتوقف الدوائر الإعلامية والبحثية والسياسية كثيراً عند تحقيق حزب الحرية والعدالة نسبته المتوقعة في أولى مراحل الانتخابات المصرية...


لم تتوقف الدوائر الإعلامية والبحثية والسياسية كثيراً عند تحقيق حزب الحرية والعدالة نسبته المتوقعة في أولى مراحل الانتخابات المصرية، وإنما وقفت ملياً أمام الإطلالة المفاجئة للتيار السلفي متمثلاً في قائمة حزب النور على المشهد السياسي المصري.

والباحثون المصريون الذين كانوا يتجاهلون مراراً في معظم إصدارات مركز الأهرام الاستراتيجي وغيره من المراكز الرئيسية البارزة خلال العقدين الماضيين لاسيما تقارير الحالة الدينية في مصر، ذكر التيار السلفي أو يضعونه في آخر سلم اهتماماتهم البحثية؛ فاجأهم هذا التيار بقدرته الهائلة على التحول من منطقة الرؤية الرمادية إلى دائرة الضوء، والذين راهنوا على قلة خبرته السياسية وإحجام الناخب المصري عما يعتبرونه "تشدداً" لدى هذا التيار، واجهتهم أرقام تفيد بأن واحداً من كل أربعة مصريين يختار ممثلي هذا التيار حتى الآن عن طيب خاطر.

النتيجة كانت بالفعل مفاجئة لقطاعات كثيرة من "النخبويين" لكنها ليست كذلك لآخرين يرونها منطقية لحد كبير استناداً إلى جملة من المعطيات، من أبرزها:

• أن الحركة السلفية بتنوعاتها المختلفة تمثل حالة جماهيرية لا يمكن إنكارها، وهي برغم ضعف تنظيمها إبان حكم مبارك كانت تتوفر على أعداد كبيرة، تختلف مجموعاتها في الجزئيات، لكنها تلتقي عند الكليات، كما أن استحقاقات اللحظة السياسية فرضت على مجموعاتها الصغيرة الاندماج في أطر أكبر ما دامت معظم كياناتها قد اختارت اللعبة السياسية والتعامل وفق آلياتها الانتخابية والحزبية، وبالتالي فقد وجدت جموع السلفيين نفسها مدفوعة نحو التوحد داخل كيانات أوسع، كان أبرزها بطبيعة الحال، حزب النور، الذراع السياسي للدعوة السلفية بالإسكندرية وفروعها في سائر أنحاء البلاد، والذي مثل الواجهة لكل أطياف السلفية والجماعات التي تلتقيها في المنهاج التأصيلي وتختلف فكرياً بعض الشيء والتطبيقات الفقهية والاجتهادات السلوكية كالجماعة الإسلامية وبعض القوى السلفية الأخرى.

• أن الحركة السلفية قد أفادت من آليتين أساسيتين في خلق تعاطف شعبي كبير معها، تتمثل الأولى في إجادتها بسط مظلتها على مئات الآلاف من المساجد والزوايا التي ارتضى روادها بإشراف التيار السلفي عليها لإجادة بعض عناصره مؤهلات هذا الإشراف، من تحمل مسؤولية الإمامة والخطابة علاوة على "السمت الإسلامي" الفاعل في التأثير النفسي على المصلين، هذا إضافة إلى تفوق كثيرين من خطباء الحركة على خطباء الأوقاف المعينين، وتطرقهم لموضوعات تلبي اهتمامات المصلين، وإشرافهم على حلقات القرآن والعلم المختلفة في المساجد لكافة الأعمار، وهذا قد انعكس على قدرتهم على مخاطبة قطاعات عريضة من الشعب، وقدرتهم تالياً على التصدي لهجمات التيارات الأخرى ضدهم.

وتتجسد الثانية في بروز رموز ودعاة ينتمون إلى التيار أفسحت لهم العديد من الفضائيات السلفية وغير السلفية أبوابها، وأطلوا على شاشاتها، مكتسبين مئات الآلاف من الأنصار والطلاب في وقت كان النظام السابق يسحب شيئاً فشيئاً من رصيد المناهج الدينية، بما ألحت له الحاجة لإيجاد مصدر آخر تعويضي يلبي هذا الشوق من أولياء الأمور وغيرهم لتعليم أبنائهم شيئاً من أحكام وأخلاق وسلوكيات وتاريخ دينهم.

• أن التيار السلفي قد وفر للشعب المصري ما لم توفره بعض التيارات الأخرى من المباشرة في الطرح والوضوح في الخطاب الإسلامي ـ بغض النظر عن اتفاق البعض أو اختلافه مع تفاصيل ذلك ـ، وهذا الوضوح وتلك المباشرة قد مكنت التيار من التوغل أكثر من غيره في القطاعات الحرفية، والمناطق الريفية والصحراوية بأكثر من معدل النمو التعبوي الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين خلال السنوات الماضية، وهذا ربما تجليه نتائج محافظة دمياط (حرفية)، وكفر الشيخ (ريفية)، وهذه الأخيرة عززها وجود الرمز السلفي أبي اسحاق الحويني برغم عدم انخراطه في العملية السياسية، وهو ذو خطاب مباشر وواضح بطبيعة الحال.

• أن نظام مبارك الذي كان يتحسب للإخوان سياسياً أكثر مما كان يفعل مع السلفيين ـ وإن قمعهم ـ حيث لم يكن يجد جسداً سلفياً بنيوياً متماسكاً؛ فكان معنياً بمواجهة الإخوان بتقليم أظفارهم في كل محفل، وسعى لنسف كل أداة يستخدمها الإخوان في الدعوة لكيانهم؛ فألغى النقابات والاتحادات، ومنع التجمعات، وغيرها مما حجم عمل الإخوان بينما لم يتمكن ـ ولم يرد في الحقيقة ـ من تسديد ضربات قاضية للأداة التي يستخدمها التيار السلفي بالأساس، وهي المساجد، ما مكنه من الإفادة من الشعور الديني في استقطاب الشباب، بخلاف الإخوان الذين لم يكونوا ينشطون في المساجد بمثل هذا النحو السلفي، وعليه زاد النمو الدعوي السلفي عنه لدى الإخوان، هذا علاوة على تحول نحاه النشاط الإخواني التعبوي في السنوات الأخيرة التي سبقت الإطاحة بمبارك، وهو تغليب الدعوة للإخوان سياسياً وللاسم عن الدعوة الشاملة (الدينية إن جاز التعبير)، ما قلص من الانتشار الإخواني لاسيما منذ العام 2005 وحتى خلع مبارك.

• أن السيولة التي أوجدتها الثورة في الحالة السياسية نجم عنها فراغ هائل في التمثيل الشعبي للقوى والتيارات الفكرية، لم تتمكن سوى القوى الإسلامية من ملئه، وطبيعي أن تفيد الحركة السلفية من هذا الفراغ، لاسيما أن جماعة الإخوان عبر حزبها السياسي قد تعهدت منذ الوهلة الأولى بعدم تحقيق أغلبية في الانتخابات البرلمانية، وبرغم عدم التزام الإخوان بنسبة الـ30% التي كانت قد حددتها منذ البداية إلا أن دخولها في تحالف انتخابي حد كثيراً من قدرتها على ملء هذا الفراغ.

• أن الحركة السلفية قد استثمرت جيداً أخطاء بعض غلاة العلمانية، والتجييش "القبطي" الذي حصل في الاستفتاء وقبل الانتخابات البرلمانية في تجيير كل هذا في صالح رعايتها للجبهة التي يناط بها التصدي لكل هذا، وإذا كانت جماعة الإخوان تنأى بنفسها عن الانخراط في صراع يبدو طائفياً؛ فإن نشطاء السلفية، وبعض رموزها غير المسيسين قد كفوا الحزب السياسي للسلفيين مؤنة هذا الصراع، ومن ثم حشد الشعور الإسلامي باتجاه أصحاب الراية الظاهرة في مناوأة الحشد الطائفي لـ"الأقباط"، وهذا نظيره يقال عن الغلو في إبراز الأفكار العلمانية المتطرفة، والذي دفع قطاعات شعبية إلى "التصويت الانتقامي" لحزب الحركة السلفية.

• إطلاق حملة إعلامية ساذجة على التيار عبر وسائل الإعلام، (كاد أن يخلو نظيرها على حزب جماعة الإخوان)، وقد كانت هذه الحملة من الرعونة بحيث نجحت في رفع أسهم التيار السلفي لاسيما مع شائعات قطع الأذن وهدم الأضرحة والتورط في أحداث عنف طائفية، إضافة لبعض الفتاوى الغريبة واستقطاع بعض المقاطع المرئية وغيرها من تلك الأشياء التي كشفت عن تهافت ورخاوة "النخبة"، ووضع التيار السلفي في خانة المظلوم المفترى عليه، ما أفاده كثيراً في تحويل هذا التعاطف بطاقات انتخابية.

• تحالف حزب الحرية والعدالة، وانخراطه لفترة طويلة نسبياً تحت لافتة "التحالف الديمقراطي"، ووضع "أقباط" و"علمانيين" وبعض القوى الأخرى على قائمته الانتخابية، وجه قطاعاً لا بأس به من الناخبين باتجاه من يعتبرون قائمتهم "إسلامية خالصة"، وهو ما صب في خانة قائمة حزب النور، التي وإن كانت لا تعبر عن السلفيين وحدهم، إلا أنها تشمل كل المجموعات غير الإخوانية من التيار "الإسلامي".

• إفادة التيار السلفي من كثرة الفضائيات "السلفية" التي مثلت حائط صد في صراعه مع القوى الأخرى؛ فيما اتسم الأداء الإعلامي للإخوان بالضعف النسبي، وساهم تأخر إطلاق فضائية "الإخوان" (مصر 25) في ترك الساحة فارغة للتيار السلفي لاكتساب المزيد من الأنصار في سباق الانتخابات.

وهذه، ونظائرها مما قفز بقائمة النور تالية بعد قائمة الحرية والعدالة وبفارق لا يتناسب مع فارق الخبرة السياسية والتاريخ الحزبي والتجارب الانتخابية (حصد السلفيون على ثلثي ما حصل عليه الإخوان من أصوات في الجولة الأولى من الانتخابات)، وهو أمر يحمد للسلفيين، ويستطيع التيار السلفي أن يفخر به، غير أن هذا الفخر لابد ألا يجاوز حدود الفخر إلى حالة الزهو، التي قد تتوقع من بعض قطاعاته الشبابية، ولكنه لا يتوجب أن يتسلل إلى مستويات أعلى من هذا، وهو تالياً لابد أن يمنح التيار السلفي فرصة لحساب خطواته ودراسة تجربته من دون أن يضفي عليها قدراً من القداسة، لاعتبار أن لهذا التقدم ما بعده من استحقاقات، أولها يبدأ بالتأصيل الدقيق لخطواته الحالية والقادمة، ولا ينتهي عند حدود العبء الثقيل الملقى على عاتقهم سواء أكانوا في الحكم أو المعارضة لاعتبارات تتعلق بأمانة المسؤولية، ومدى القدرة على تحملها والتشارك مع الآخرين في حملها، وأول هؤلاء الآخرين، هم جماعة الإخوان، التي نافسها السلفيون في معركة انتخابية لابد ألا تنسيهم للحظة أن الحرية والعدالة وإن صاروا خصماً انتخابياً، فلابد ألا يكون تنافسهما خصماً من رصيد الفكرة الإسلامية ذاتها.
 
المصدر: موقع المختار الإسلامي