السعادة الزوجية وعدم التسرع في الطلاق
هذا هو بيتُ النبوةِ الذي ما خلا من الخلافِ الزوجي، ويريد البعضُ في حياتِه أن يخلوَ بيتُه من الخلافِ والمشكلات، وكأنه يطلب الكمالَ مع أنه هو لم يصِلْ إلى الكمال، ففيه من التقصيرِ والخللِ الشيء الكثير
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكرُ له على ما أَوْلى من نِعَمٍ سابغةٍ وأسدى، أحمده سبحانه وهو الوليُّ الحميد، وأتوبُ إليه - جلَّ شأنه - وهو التواب الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها النجاةَ يوم القيامة، ونَدَّخِرُها عُدةً لنا يومَ لا ينفع مال ولا بنون، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وخليلُه وصفيُّه من خلقِه، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الأبرار، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى، فهي وصيةُ الله للأوَّلين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
أيها الإخوة، في يومٍ من أيام المدينة النبويةِ المشرقةِ في عهدِ ساكنِها نبيِّ الأمَّةِ - عليه الصلاة والسلام - دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ – رضي الله عنه - يَسْتَأْذِنُ عَلَيه، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ، فلما استأذن أبو بكر - رضي الله عنه - أُذن له فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا حَوْلهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا لأمرٍ أَهَمَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عمرُ - رضي الله عنه -: لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ - هي زوجُ عمر - سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا - أي ضربتها - فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي - كَمَا تَرَى - يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»،
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ، وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ، كِلاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟! فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]، قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ – رضي الله عنها -، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ»، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَتَلا عَلَيْهَا الآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَلَّا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: «لا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا».
هذا هو بيتُ النبوةِ الذي ما خلا من الخلافِ الزوجي، ويريد البعضُ في حياتِه أن يخلوَ بيتُه من الخلافِ والمشكلات، وكأنه يطلب الكمالَ مع أنه هو لم يصِلْ إلى الكمال، ففيه من التقصيرِ والخللِ الشيء الكثير.
إن في هذا الحديث يتضحُ لنا كمالُ خُلقِه صلى الله عليه وسلم وحُسْنُ عشرتِه لأزواجِه، فلم يُعَنِّفْهُنَّ أو يستدعي آباءهنَّ، وإنما كانَ دخولُ الصِّدِّيقِ والفاروقِ مِن قدرِ اللهِ دونَ استدعاءٍ منهُ صلى الله عليه وسلم لهما، وكذلك سكتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن حقِّهِ وهو النبيُّ الكريم، وهو صاحبُ الرسالةِ للثَّقَلَيْنِ.
عباد الله، لنعلم أنَّ أَوْلَى الناسِ بحُسْنِ الخلقِ بعدَ الوالدين الزوجةُ، فهي رفيقةُ العمرِ، وهي أمُّ أولادِك، وهي التي تُربِّيهم وتسهرُ معهم إذا كانوا صغارًا أو مرضى، ولأنَّ اللهَ - عز وجل - سمَّى عقدَ النكاحِ ميثاقًا غليظًا، وجعلَ حياةَ الزوجين مِنْ آياتِه، فقد قال في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، نعم لتسكنوا إليها، وكذلك هُنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنَّ، فما أسعدَ الحياةَ إذا استقى أصحابُها تعاليمَهم من الوَحْيَيْنِ، وطَبَّقَ الجميعُ ذلكَ في واقعِ عيشِهم! فاللهُ أعلمُ بما يُصلحُ البشر؛ إذ هو الذي خلقَهُم، وهو أعلمُ بهِم وهم أَجِنَّةٌ في بطونِ أُمَّهاتِهم.
إخوةَ الإيمان، لا يُمكنُ أن يكونَ هناك كمالٌ من الإنسان؛ لأنَّ الإنسانَ من شأنِه القُصور، فليصفح كلٌّ مِنَ الزوجين عن الزلَّاتِ والهفوات، وإنَّ من الخللِ أن يتخلَّقَ بالتسامحِ مع كلِّ الناسِ إلا مع رفيقةِ دَرْبِه، فهذه هُوَّةٌ سحيقةٌ في الحياةِ الزوجية، إنَّه لا يسعدُ بهناءِ الحياةِ إلا من عاشَ حياةَ التغافلِ، فقد كان هذا من هَدْيهِ صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى عنه: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: 3].
إن إحقاقَ الأمورِ على آخرِها، وعدمَ تقديمِ الزوجينِ تنازلاتٍ فيما بينهما، وأنْ يريدَ كُلٌّ منهما محاسبةَ الآخرِ على الصغيرِ والنقيرِ والقطمير، فإنَّ الحياةَ لن تصفوَ بذلك، ولن يستقيمَ العيشُ بهذا التصرُّف، في الصحيحين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإن المرأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع، وإن أعوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصوا بالنساء، وقد قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي»؛ (صحيح الترمذي).
انظروا إلى تصرُّفِه صلى الله عليه وسلم عندما غارت عائشةُ - رضي الله عنها – وكسرتِ الصحفة كما في الصحيح، فلقد أرسلتْ إحدى أمهاتِ المؤمنينَ بصحفةٍ فيها طعامٌ، فضربتْ يدَ الخادم، فسقطتِ الصحفةُ فانفلقتْ فجمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفةِ، ثمَّ جَعَلَ يجمعُ الطعامَ الذي كان في الصحفةِ ويقول: «غارتْ أمُّكُم» ، ثم حبسَ الخادمَ حتى أُتِيَ بَصَحْفَةٍ مِنْ عندِها، فدفَعَ الصحفةَ الصحيحةَ إلى التي كُسِرتْ صحفتُها، وأمسكَ المكسورةَ في بيت التي كَسَرَت، نعم صدق الحق إذ يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ما أروع تلك الأخلاق، إنه حافظ على قلبِ حبيبتِه عائشةَ – رضي الله عنها - فلم يكسرْ قلبَهَا، ولم يخدشْ شعورَها، وأما كَسْرُ الصحفةِ فإنَّهُ ينجبرُ بالتعويض، ومع هذا دافعَ عنها بقوله: «غارَتْ أُمُّكُم» ، وكأنَّ شيئًا لم يكن، فما أنبل تلك الخصال منه عليه الصلاة والسلام!
عبدَ الله، سعادتُك الزوجيةُ لا تعني خُلُوَّ الحياةِ من المشكلاتِ، وإنما تَعْني قُدْرتكَ على حَلِّ تلك المشكلاتِ، وألَّا تؤثرَ في العلاقةِ بينَك وبينَ زوجِك.
إن من الناس من لا يرعَى حالاتِ الغضبِ من المرأةِ خاصةً من حديثي الزواج؛ ولذلك كثرتْ نِسبُ الطلاقِ عند الشباب، فإنَّ المرأةَ فيها أحوالٌ بدنيةٌ وتركيباتٌ نفسيةٌ وعضويةٌ تؤدِّي بها إلى تغيُّرِ أحوالِها؛ لأنها تأتيها ظروفُ الحيضِ والنفاسِ، وكذلك أول شهورِ الحملِ وما فيه من الوحم، وكذلك همومُ التربيةِ ورعايةِ الصِّغارِ، فينبغي للرجلِ أن يتفهمَ ذلك، وأن يعرفَ أحوالَ وخصائصَ المرأةِ وما جَبَلَها اللهُ عليها.
معاشرَ الأزواج، الحوارُ له وقتُه وليسَ في أيِّ وقت، فاجتنبِ النقاشاتِ عند الغضبِ أو أمامَ الأبناءِ ولو كانوا أطفالًا؛ لأنه ربما سيحتدُّ الخلافُ، وترتفعُ الأصواتُ، وتعظمُ المشاكلُ، بدلًا من أن يتمَّ الوصولُ إلى حلٍّ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ في هذه الحالةِ يريدُ أن ينتصر، فأصبحَ شريكُ الحياةِ خَصْمًا بدلَ أن يصيرَ رفيقَ العمر، وأين خُلُقُ العفوِ عند الخطأ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنةً، إذا كرِهَ منها خُلُقًا رضِيَ منها آخر»؛ (مسلم).
إنَّ من يريدُ الكمالَ في الحياةِ الزوجيةِ بلا نَقْصٍ فليبقَ بلا زوجةٍ، ولينتظرِ الحورَ العينَ في الآخرة، فإن الحياةَ هكذا لا تَكْملُ لأحدٍ ولا تتزينُ لكلِّ أحد، فنبيُّنا صلى الله عليه وسلم سيدُ الخلقِ لم تَكملْ له الدنيا، بل قَبِلَها على ما قَدَّرَ اللهُ له، وصَبَرَ وأَحسنَ العِشْرةَ والصُّحْبةَ عليه الصلاة والسلام.
أيها الإخوة، فحينما يُقَدِّرُ اللهُ للحياةِ الزوجيةِ ألا تلتئم، وتُسْتَنْفَد كلُّ الحلولِ فلا تنفع، فقد قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، نعم قد يُقدِّر اللهُ ذلك بعد دراسةٍ وعدمِ تَسَرُّعٍ من الزوج، فحينئذٍ له أن يُطلِّقَ الطلاقَ بأحكامِه الشرعية، فلماذا عِنْدَ هذا الحدثِ تتغيرُ بعضُ النفوسِ ويظهرُ العبوس؟ وكأنها معركةٌ مع عدوٍّ لا يستحقُّ الرحمةَ ولا حُسْنَ التعامُل؟ ما الذي يفعلُه بعضُ الناسِ الآن؟ طلاقٌ بلا علمٍ ولا تَبَصُّرٍ بالأحكام، فبمجردِ ما يَغضبُ بعضُ الأزواجِ يُصدرُ هذه الكلمةَ وكأنَّهُ متأثرٌ بالمسلسلاتِ الهابطة، وكأنَّ بعضَ هؤلاءِ الفُسَّاقِ أصبحوا قدوتَهم في ذلك.
فهل عَلِمَ هؤلاءِ أن الطلاقَ لا يجوز أثناءَ الحيض؟ وهل علموا أنَّ الطلاقَ لا يجوزُ في الطُّهْرِ الذي أتى فيه أهلَه؟ وهل علموا أن الطلاقَ الثلاثَ مخالفٌ للكتابِ والسُّنَّة؟ ألا يقرءونَ الوَحْيَيْن، أم تصدرُ أفعالُهم تبعًا لأهوائهم دونَ علمٍ ولا تأنٍّ ولا رَويَّة؟
قال اللهُ تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}؛ أي: إنَّ الذي فيه الرجعةُ مرتان، فإنْ راجعَها فقد أمسَكَها، وإن تركَها حتى تنقضيَ عدتُها قد سَرَّحَها، وتأملوا قولَه: {مَرَّتَانِ}؛ ولم يقلْ: طلقتان تنبيهًا على أنَّه ينبغي أن يكونَ مرةً بعد مرة، كلُّ طلقةٍ في مرةٍ لا أن يجمعَها مرةً واحدةً، وتأمَّلوا كلمةَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} فهي تشيرُ إلى الحِرْصِ والحياطةِ والحِفْظ، وأنه ينبغي إذا أعادها أن ينظرَ كيفَ سيعاملُها، وكيف ستكونُ عشرتُه لها، وإن كان الثاني وتَعَذَّرَ الإمساكُ، وكانَ الحلُّ هو الفِراق، فهنا يكون اللُّطْفُ أيضًا، فقال تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ}، يا لها من كلمةٍ! ما ألطفَها في موقفٍ لا يَعرفُ فيه الكثيرُ إلا العنف! فلم يقل سبحانه: أو فراقٌ أو طردٌ أو إبعادٌ؛ بل قال: {تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فأين هذا من صراخِ بعضِهم، وعباراتِ السبِّ واللَّعْنِ والتهديد؟
لقد ذَكَرَ اللهُ تعالى في المطلقةِ قبلَ الدخولِ أنَّ لها نصفَ المهر، والزوجُ لم يدخلْ بها ولم يطلْ مكوثُه مَعَها، ومع ذلك قال تعالى في نهاية الآية: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، ما أعظم الأخلاق التي يدعو إليها القرآن! لكن أينَ المتدبِّرون؟!
ويجدرُ التنبيهُ للزوجةِ أيضًا أنَّ بعضَهنَّ تسألُ زوجَها الطلاقَ لغيرِ حاجة، كما نسمعُ في هذا الزمنِ كثيرًا، وأغلبُهُنَّ تطلبُه لأسبابٍ دُنيويةٍ تافهة، إمَّا لأنَّ زوجَها لا يسمحُ لها بالذهابِ مع صاحباتِ السوء، أو لا يسمحُ لها بالسفر وحدها، أو تريد التحرُّرَ من أوامرِ زوجها، وصَوَّرَ لها بعضُ شياطينِ الإنسِ أن طاعتَها لزوجِها ذِلٌّةٌ ومهانةٌ، وبعضُهنَّ تصل إلى إنكارِ ما جاءَ في القرآنِ بالقوامةِ، وكل هذا وذاك كان نتيجةً لما يرينَهُ في وسائلِ الإعلامِ السيئة، ومن طلبتِ الطلاق لغيرِ حاجةٍ معتبرةٍ، فقد وقعتْ في كبيرةٍ من كبائرِ الذنوب، وعَجَّلتْ لنفسِها حياةَ الذلِّ، وسترى ذلك بعد سنوات، حينما ترى نساءً قد كَبُرْنَ وبدأ أبناؤُهنَّ وبناتُهنَّ يُحِطْنَها بالرعايةِ والحفظ، وتلك منبوذةٌ وحيدةٌ، قد آثرتْ شبابَها، فإذا كَبرتْ علمتْ أن صويحباتِ السوءِ قد غرَّرْنَ بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة»؛ (رواه أبو داود وصححه الألباني).
وصلوا وسلموا على من أُمِرْتُم بالصلاة والسلام عليه.
__________________________________________________________
الكاتب: وليد مرعي الشهري