بيان الحقوق المشتركة بين الزوجين

منذ 2024-11-13

الشعور بالمسؤولية بين الزوجين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالرجل مسؤول عن زوجته، والمرأة كذلك مسؤولة عن زوجها، مسؤولة عن أمواله، ومسؤولة عن أولاده، ومسؤولة عن حقوقه كلها.

معاشر المؤمنين، اتَّقوا الله جل وعلا بفعل المأمور وبترك المحذور، فإنه ما فاز إلا أهل التقى وكانت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.

 

معاشر المؤمنين، إنه مما لا شك فيه ولا ارتياب أن أساس الأسرة هي مجموعة من الأفراد، فتتكون من ذلك الأُسر، ثم تتكوَّن من ذلك القرى والمدن، ثم بعد ذلك العالم والشعوب بأسْرها، ولقد اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا ببناء الأسرة، فهذا من الأهمية بمكان، فما كان الدين إلا عامًّا شاملًا لكل جوانب الحياة، فليس بحاجة إلى استدراك أو تكميل، فالدين كله متكامل شامل عام لكل نواحي الحياة؛ قال جل وعلا: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وقوله: {لِكُلِّ شَيْءٍ} يُفهم من ذلك العموم والشمول، وهذا نبينا يقرِّر هذا الأمر قائلًا: «إنه ما بعث الله نبيًّا إلا دل أمته على خير ما يعلمه لهم، وحذَّرهم من شر ما يعلمه لهم»، وهو القائل عن نفسه: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد»، بل هو صلى الله عليه وسلم أشفق بالأمة من والدها ومولودها، فهو الرؤوف الرحيم الذي عناه الله بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]، هذا حرصُ محمد بن عبد الله من أجل أن يكون المسلم أخا المسلم، ومن أجل أن تسود العدل والرحمة والشفقة، وأن يكون أساس الناس على الخير في كل الأمور.

 

فيا معاشر المؤمنين، تأملوا هذه القاعدة الأساسية التي قعَّدها محمد بن عبد الله، حينما أنطقه الله قائلًا: «المؤمن أخو المؤمن»، وفي حديث آخر: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد»، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، فإذا تأمَّلت رأيتَ بناءً ذا أساس قوي، فاعلم أن لذلك اهتمامًا، وهكذا شأن الأسر، فلا بد أن تكون على أساس من الصلاح، وأن يكون هذا في بداية العلاقة التي تكون بين الأسرتين، الذكور والإناث، فيبيِّن هذا الأمر قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وفي حديث آخر: (وفساد عريض)، فهذا هو الأساس الدين والخلق.

لعَمرك ما الإنسان إلا ابنُ دينـه   **   فلا تترك التقوى اتِّكالًا على النَّسَبِ 

لقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ   **   وقد وضع الشرك الحسيبَ أبا لهبِ 

 

فميزان التفاضل على هذا الأساس الدين والأخلاق، ليس ذلك ما يكون من الشهرة والقوة، وإنما هو هذا الأساس أن يكون على دين وخلق، وهكذا فيما يتعلق بالمرأة، فليس الأساس الجمال ولا الأحساب والأنساب فقط، وليس في ذلك المال، وإنما هو الصلاح والدين، هذه أُسس وضعها نبينا صلى الله عليه وسلم حينما قال: «تُنكح المرأة لأربع: لدينها ولجمالها ولحسبها ولمالها، ثم قال: فاظفر بذات الدين ترِبت يداك»؛ أي التصقت بهذه المرأة كما تلتصق اليد بالتراب، هذه قاعدة عظيمة أن يكون المرء حريصًا على قرين صالح من بداية الطريق والمشوار.

 

فمن حقوق الأبناء على الآباء أن يختار الآباء نساءً صالحات من بداية الطريق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع وخيرُ متاعها المرأة الصالحة» التي «إذا نظرت إليها سرَّتك، وإذا أمرتها أطاعتْك، وإذا غبتَ عنها حفِظتك في مالها ونفسها».

 

هذه قواعد للأزواج وقواعد للزوجات، فينبغي للأزواج أن يختاروا من النساء الصالحات، وينبغي للزوجات أن يخترنَ من الرجال الصالحين الأكفاء، لما تقدم من الأدلة، وأن يكون الحرص على الدين والخلق، أو يكون الحرص على الصلاح، فإن هذا مشوار طويل، إنه مشور عمر يقضيه العبد مع امرأته وتقضيه المرأة مع زوجها، فلا بد أن يكون هذا هو الأساس من بداية الطريق، ثم بعد ذلك لابد أن تكون الأسرة على أساس من المودة والمحبة، وألا يكون ذلك أشبه ما يكون بالتمثيل، أو ما ينظر على أجهزة الخراب والدمار، تمثيلية تُشاهَد ثم بعد ذلك يكون الفراق، الإسلام حرص كل الحرص على دوام الأسرة وبقائها، وكان من أبغض ما يكون الطلاق خراب للأسر وخراب للأفراد والذرية؛ يقول جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

 

فلابد أن تكون الأسرة على هذا الأساس مودةً ورحمة بين الزوجين، وأن يكون كل واحد من الآخر قد أخلَص في المحبة والمودة، ولا يكون ذلك تمثيلًا، وإنما يكون انطباعًا وأمرًا جِبليًّا كما قيل:

أنا من أهوى ومن أهوى   **   أنا نحن روحان حللنا بدنا 

 

لابد أن يكون بهذا الاعتبار أن يكون الإخلاص في هذا الود، وفي هذه المحبة، وإلا باءت بالفشل، ولابد أن تكون الزوجة حريصة على هذا، وأن يكون الزوج حريصًا على ذلك أيضًا، هذه من الحقوق المشتركة، ومن أعظم الحقوق:

• التعاون على طاعة الله من قِبَل الزوجين، يتعاونان على طاعة الله؛ كما قال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعدْوَانِ} [المائدة: 2 ].

 

وإن كان عند بعض الأزواج بعض الإساءة قبل الزواج، فلابد أن ينتهي هذا كله، وأن يكون الحرص من الطرفين على القلاح والنجاح، في حديث بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلل على أمر التعاون، فيقول: «رَحِمَ الله رجلًا قام من الليل يصلي، فأيقَظ امرأته فأبت، فنضح عليها الماء فقامت، ورحِم الله امرأة أيقظَت زوجها من الليل للصلاة، فأبي أن يقوم فنضحت على وجهه الماء فقام ليصلي»؛ تعاون على البر والتقوى، هذه هي الحقوق المشتركة بين الزوجين، ولابد أن هذا، وتأملوا في هذه الحياة الزوجية السعيدة التي بناؤها على أساس من الصلاح، ليس على تمثيل أو هَشٍّ، وإنما أساس قوي، هذه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، كانت من أجمل نساء زمانها، وكان عندها من المال والثراء، فاختارت محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ليكون هو المسوِّق لتجارتها، ولما جاء الخير وقد عاش الرسول معها قرابة عشرين عامًا، فلما جاء الخير والدين، كانت أول من آمنت به من النساء، حتى إن جبريل ينزل فيقول: (يا محمد، إن السلام يُقرئك السلام، ويقول لك: أقرئ خديجة السلام، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيها ولا نصب)، لا فيها هموم ولا أحزان.

 

هذه المرأة الصالحة، بداية أمر النبوة كان نبينا هناك في غار حراء المسمى الآن بجبل النور، يعرفه من ذهب إلى أرض مكة، يتعبد الله الليالي ذوات العدد، فيأتي جبريل فيقول: (اقرأ يا محمد، فيقول: «ما أنا بقارئ» ، ثم قال في الثالثة: اقرأ باسم ربك الذي خلق)، أمر مهول ما يعرفه رسول الله، فيرجع إلى زوجته خديجة يرتجف فؤاده ويرتجف جسمه كاملًا، فيقول: زملوني؛ أي غطُّوني ولفُّوني بالفراش، ثم يقول لخديجة: «والله لقد خشيت على نفسي يا خديجة»، خشي على نفسه من الهلاك، فتقول له خديجة المرأة التي ثبتت زوجها عند المصائب: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، ثم عددت من مناقبه، فقالت: إنك لتَصِل الرحم، وتَحمل الكَلَّ، وتُكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، وذكرت له من الفضائل ما يُثبته صلى الله عليه وسلم على الخير، ومن الحقوق المشتركة:

• الشعور بالمسؤولية بين الزوجين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالرجل مسؤول عن زوجته، والمرأة كذلك مسؤولة عن زوجها، مسؤولة عن أمواله، ومسؤولة عن أولاده، ومسؤولة عن حقوقه كلها.

 

ومن الحقوق المشتركة:

• العناية بالمظهر بين الزوجين: تعتني المرأة بمظهرها؛ لئلا يرتمي الزوج إلى غيرها، وكذلك يعتني الزوج بمظهره؛ حتى لا يكون أمام امرأته على رائحة كريهة كما هو حال الكثير، وربما تمنى الزوج أن يكون عرس أو زفاف في بلدته، من أجل أن تتطيب امرأته، من أجل إذا خرجت هيَّأت نفسها للغير، لكنه محرومٌ من ذلك، فهذا أمر وضع الإسلام له حدًّا، فقال جل وعلا: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، فالرجل يتزيَّن لزوجته بالحلال، والمرأة تتزين لزوجها بالحلال، فلا يكون الزينة لغير الزوج، إذا خرجت المرأة لا يجوز لها أن تتطيب بطيب يشم رائحته، وإنما هذا للزوج في البيت، ومن الحقوق المشتركة:

• عدم إفشاء السر بين الزوجين: هذا حق عظيم إذا أسرَّ الرجل لامرأته وأسرت المرأة لزوجها، وجب على الاثنين أن يحفظ كل واحد سرَّ الآخر؛ حتى تدوم العشرة وتبقى الأسرة على خير ووئام، وقديمًا قال العربي:

إذا ما المرء أخطأه ثــــلاث   **   فبِعه ولو بكفٍّ من رَمــــادِ 

سلامة صدره والصدق منه   **   وكتمان السرائر في الفؤادِ 

 

وهناك بعض الحقوق التي تخص الزوجة، فمن حقوق المرأة على زوجها:

• وجب على الزوج أن يعطي مهر امرأته كاملًا، وألا يأخذ شيئًا من هذا، فكثير من الأزواج يظلمون أو يقهرون، لا سيما إن كانت المرأة من أسرة ضعيفة، فإنهم يستذلونها، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]، إذا سمحت المرأة للزوج فلا حرج أن يأخذ شيئًا من مهرها، أما أن يأخذه بالقوة فلا يجوز، ومن حقها كذلك:

• أن ينفق عليها بالمعروف، وأن يوفر لها الطعام والشراب والكساء، وألا يعتدي على أموالها إن كان لها بعض من الإرث، أو مثلًا معاش تتقاضاه، فليس له أن يأخذ من ذلك شيئًا إلا عن طيب من نفسها، وإن فرَّط الزوج في التكسب كان آثمًا، قوله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثمًا أن يُضيع مَن يعول»، ومن حقوقها كذلك.

 

أن يعاشرها بالمعروف؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي»، فالعشرة بالمعروف أن يكون الرجل على سجايا حميدة داخل بيته، وألا يكون متعنترًا مثلًا في بيته، لكنه إن لقي الأصحاب والزملاء هش وبشَّ في وجوههم، فإن من أعظم الحقوق أن يكون الرجل مُدخلًا للسرور على أهل بيته وعلى أولاده، هذا لا يذهب ما يكون عند الرجل من القوة، فإن بعض الناس يظن أنه إن داعب أهله ذهبت هيبتُه من بيته، كلا والله فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أهله، ويستمع إلى كلامهم، هذا من التعاليم الشرعية التي وصانا بها الإسلام، ومن أعظم الحقوق وأجل الحقوق التي أوجبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

• الاستيصاء بالنساء خيرًا، ويحاول الرجل بقدر الاستطاعة أن يجنِّب زوجه وأهل بيته النار؛ لقوله سبحانه: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، هذا أمر من الأهمية بمكان أن يعمل الزوج على وقاية أهله من النار من هذه الدنيا، فإننا يا معاشر المسلمين نحرِص جميعًا على شراء الطعام والشراب، وعلى بناء البيوت، وعلى إدخال كل جديد ولذيذ إلى البيوت، لكن من الذي يعمل لمستقبل أولاده بعد الخروج من هذه الدنيا، وذلك أن يجنب أهله الحرم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، يؤكلهم الحلال، يحافظ عليهم من الحرام، ولا يرضى أن يكون مكسبه من حرامٍ؛ من ربا أو من رشوات، أو اختلاس أو غش، يغش بذلك المسلمين، ثم يأتي بذلك المال يطعمه أهله، فإن ربنا حرَّم ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما».

 

وكذلك الربا: «لعن الله الربا وآكل الربا وكاتبه....»، كلهم على لسان رسول الله، فلابد أن تجنب أهلك الحرام، فإنه «ما من جسد نبت من حرام إلا كانت النار أَولى به»، فلنجنِّب نساءنا الحرام، وليكن عند الأزواج غيرة على نسائهم، فمن الناس مثلًا إذا جاء بعض الزملاء ربما أمر أهله أن تدخل على زملائه، فتصب لهم القهوة أو الشاي، أو تبقى أمامهم للتفرج على التلفاز، أو تأخذ معهم أطراف الحديث وهم أجانب عنها، لا يغار على زوجته، يظُن أن هذا تقدم ومدنية عياذًا بالله.

إذا كان ترك الدين يعني تقدمًا   **   فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي 

 

ومن الأزواج من ربما صرَّح لأهله أن تخرج حيثما شاءت، تخرج إلى المعارض من غير رقابة ومتابعة، لابد أن يكون المؤمن عاملًا على إنجاح زوجته في هذه الدنيا، لا أن يزجَّ بها في خِضَمِّ الرذيلة، ومن الناس من ربما أدخل أطباق الهوى، فجعلها على بيته وجعل أولاده وبناته ونساءه يتفرجن على ما لذ وطاب من الحرام، ويقول هو امرؤ محافظ، وقد أدخل لهم أجهزة الدمار، من المسلمين من يدخل الأشرطة الماجنة والصور الفاتنة إلى بيته، والعياذ بالله من غير غيرة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة ديوث»، والمراد بالديوث هو الذي لا يغار على أهله كحال الخنزير، فإنه ما من حيوان إلا يغار على أهله عدا الخنزير، فإنه لا يغار على عرضه، يسمح لأنثاه أن تعاشر أي خنزير شاءت، وهكذا بعض الناس وللأسف الشديد من المسلمين من غير رقابة، إن مرض ابنه يسمح لزوجته أن تأخذه إلى المستشفى دون أن يكون معها مَحرم، وبعضهم يسمح لها أن تدخل على الطبيب ليكشف عليها، ويقول: هذا الطبيب معاهد ولا يمكن أن يتلطخ بشيء من السوء، مَن الذي قال هذا، هذا الطبيب رجل وله شهوة، وهكذا بعضهم ربما يبقى في سيارته، فتنزل امرأته إلى الطبيب، وآخر في سيارته، فتنزل امرأته إلى المخيط، فيأخذ مقاسها، أو إلى محل لبيع الأزياء، فيخرج لها الثياب، هذه أمريكية وهذه ملابس فرنسية، وعرض عليها الثياب الداخلية، يعرضها لهذه المرأة، فكم حصلت من أمور، كم حصل من إجهاض، وكم حصل من مآسٍ، وكم حصل من أطفال غير شرعيين، من الذي بدَّد هذا؟ الأزواج وولاة الأمور، ثم بعد ذلك يلومون البنات يلومون النساء ذوات العقول الخفيفة.

ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له   **    إياك إياك أن تبتل بالماءِ 

 

فأنت الذي عرَضت وأنت الذي قصَّرت وفرَّطت، ثم كان هذا الأمر الجلل، فَلُمْ نفسك أيها المسلم، لِمَ لا تذهب مع امرأتك إلى الطبيب؟ إن كان لابد من طبيب وإلا فالأصل طبيبة، لكن إذا كان الأمر لابد من طبيب، فاذهب أنت إليه تستطيع أن تبيِّن أعراض المرض وما الذي يصيره وما الذي يكون؟ وهكذا إذا أرادت شيئًا من اللباس، فكن أنت قائدها، فالذي يمنع أن تذهب مع نسائك مع بناتك لا سيما في الأسواق، فإنه مفراخ الشيطان، لا سيما الأسواق النسائية الأسواق المختلطة، وهكذا أيضًا في كثير من المرافق المشتركة، سواء كانت حكومية أو خاصة، يجب علينا أن يكون عندنا من الغيرة، فإن هذه من الحقوق التي كلَّفنا الله عز وجل بها، وإلا كان الويل للأزواج فإنهم مفرِّطون، أما المرأة فناقصة عقل ودين؛ يقول شوقي:

نظرة فابتسامة فسلام   **   فكلام فموعدٌ فلقاء 

 

معاشر المؤمنين، بعد أن بينَّا ما يلزم الزوج تجاه زوجته من الحقوق الشرعية، نُردف ما يجب على المرأة من الحقوق لزوجها، فإن على المرأة حقًّا عظيمًا للزوج، فإن الزوج هو صاحب القوامة، وهو صاحب الأمر والنهي؛ يقول سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، فإن الرجل يعطف ويرعى زوجته بالمعروف، أما المرأة فيجب عليها وجوبًا أن تطيع زوجها في طاعة الله، فإن أمرها بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، جاء في مسند أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء بعض الأنصار إلى رسول الله يشتكون جملًا هاج على أهله، فرفعوا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول رحمة للعالمين، فدخل الرسول مع أولئك الأنصار الحائط الذي فيه الجمل، فإذا بالجمل يقبل على رسول الله، فقالوا: يا رسول الله، نخشى عليك صولته، فإنه قد صار مثل الكَلْبِ قال: «لا بأس عليَّ منه إن شاء الله»، فلما جاء الجمل وقف بين يدي رسول الله، فسجد سجود إعظام وإجلال لرسول الله، فقال الصحابة: يا رسول الله، هذا الجمل يسجد لك، نحن أحقُّ بذلك منه، فقال صلى الله علي وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأَمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لعِظَم حقه عليها، لو كان به قرحة تحبس بالدم والصديد، فاستبلت المرأة ذلك، فلحسته ما أدَّت حقَّه»، هذا من عظم حق الزوج، ولتعلم المرأة أن الزوج باب إلى الجنة، إن حافظت على هذا الباب؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا صلَّت المرأة خمسها؛ أي الفروض، وصامت شهرها وعبدت ربها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ»، وجاءت امرأة إلى رسول الله فقال لها الرسول: «أيِّمٌ أنت أم بكر»؟، قالت: بل أيم، قال لها: «كيف أنت مع زوجك»؟، فقالت: لا آلو عليه؛ أي لا أنقص من حقوقه، فقال لها: «انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك».

 

فمن أعظم الحقوق على الزوجة لزوجها: طاعته فيما يجب من الخير، وألا تتساهل المرأة إذا أمرها، مثلا ألا تخرج، فلا يحل لها أن تخرج إذا أمرها بأمر فيه خيرٌ، فلا يجوز لها معصية ذلك، وكم من فتاوى وكم من اتصال من كثيرٍ من المسلمين فيما يتعلق بالطلاق المعلق، أمر زوجته ألا تخرج فعصت زوجته أمره فخرَجت، ثم بعد ذلك يسأل أهل العلم هل هذا طلاق، نعم إنه طلاق بفتوى أئمة المذاهب الأربعة، وكم حصلت من مآسٍ، فنقول للمرأة المسلمة: اتقي الله - عز وجل - في زوجك، ولو كان عندك من الشهادات سواء ماجستير أو دكتوراه، أو أعلى من ذلك، ولو كان زوجك جاهلًا، فلا يجوز لك أن تترفعي أو تعصي أمره، فهو الآمر والناهي، إن أمرك بالخير؛ أما إن أمرك بالشر فلا سمع ولا طاعة له.

 

ومن حقوق الزوج على امرأته:

• أن تقوم بأولاده، وأن تقوم ببيته أحسن وأتَم قيام، وهذه وظيفة عظيمة، لا كما يقال من قبل دعاة العمالة الذين يخدمون أعداء الإسلام الذين ينشدون قضية المرأة وتحرير المرأة وخروجها، فإذا تعطلت البيوت ضاع الأولاد والبنات، وهذا أسمى ما يكون عند الماسونيين اليهود والنصارى، فإنهم يطالبون بخروج المرأة من أجل أن تختلط بالرجال، فتصبح البيوت مهدَّمة، وقد تهدَّمت البيوت في كثير من المجتمعات الأوروبية، فصاروا في نهاية المطاف ينادون المرأة أن ترجع إلى البيت، وقد جلست مع بعض أساتذة الجامعات يقول: إن كثيرًا من الطلاب لا يرغبون بالزواج من المتعلمات، فإن المتعلمات يأبينَ البقاء في البيت؛ لأنهنَّ يُكثرن القراءة عن قضية المرأة، ويرغب الواحد منهم أن يتزوج امرأة بدوية من أجل أن يُلزمها البيت؛ لأنه يريد أن تكون في البيت، إلا لما لابد منه ولسنا نقول: إنها تعامل كما يعاملها أهل الجاهلية لا، فيجوز للمرأة أن تخرج إلى المزرعة وأن تعين زوجها على الخير، أما أن تخرج ليكون الرجل مثلًا موظفًا في كذا وهي موظفة في كذا، في معامل تختلط بالرجال، هذا حرام سواء رضي لنا الناس أو سخطوا علينا، فإن إرضاء الله مقدَّم على إرضائهم، هذا أمر ندَّد به العلماء وأشادوا به وبخطورته، فلا يجوز للمرأة أن تختلط بالرجال الأجانب، فإن هذا أمر يندى له الجبين والله، ولكن فيما لابد منه لا مانع أن تكون في مستشفى نسوي في عيادة نسوية، أو في مدرسة نسائية فيها بنات، لا حرج في ذلك، على أن يكون الزوج مطلعًا على ذلك، وهو الذي يذهب بها، ويأتي بها أو ابنها أو أخوها، فالمرأة هم يقولون: نصف المجتمع، لكن نحن نقول: المجتمع كله، فإن هذه المرأة كما قيل:

الأم مدرسة إذا أعددتَها   **   أعددتَ شعبًا طيبَ الأعراقِ 

 

المرأة هي مدرسة لزوجها، فقد قالوا قديمًا: الرجل هو ابن المرأة الصغير، وكذلك صغارها أيضًا يحتاجون إلى من يقوم عليهم، وحينما خرجت المرأة في كثير من الدول احتاجوا إلى شغالة في البيت، فتهدمت البيوت، والله تأتي المرأة على أعصابها من العمل والرجل على أعصابه، فلا هو يهيئ لها شيئًا، ولا هي تهيئ له شيئًا، وكلهم على نار، وقد كانت نسبة الطلاق في بعض دول الخليج قرابة 70%، يكون الساعة الثانية؛ أي قبل العصر عند الخروج من الدوام، فكل واحد يأتي على أعصابه وعنده من هموم العمل، فلا ينبئ ذلك إلا بفك تلك الأُسر.

 

هذه أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة رضي الله عنها، تزوجها الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المبشرين بالجنة، فكانت المرأة تقول: تزوجت الزبير فوالله ليس له مال ولا عقار، وإنما له ناضح وفرس، فكانت تقوم بخدمة فرسه وبخدمة ناضحه، قالت: وأذهب أستقي الماء من مسافة ثلثي فرسخ يعني قرابة ساعتين، تأتي بالماء على رأسها قالت: حتى أعطاني أبي خادمًا يخدمني، ويقول أنس بن مالك: كان أصحاب رسول الله إذا زوج أحدهم ابنته، أمر أن تطيع زوجها، وأن تقوم بخدمته، وهكذا درج الناس وتربينا على أن المرأة تقوم بخدمة زوجها، فهذا من أعظم الحقوق، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عوانَّ»، ويقول: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجَها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت».

 

وهذا أمر يا عباد الله يجب علينا أن نتفطَّن إليه، ويجب على المرأة أيضًا أن تحترم زوجها، وألا تكلمه إلا فيما لابد منه، لقد قالت ابنة سعيد بن المسيب: إن كانت إحدانا لتكلم زوجها كما تتكلمون مع ملوككم، بمعنى أنها لا تتكلم إلا في غاية الأدب مع زوجها، وألا تكثر عليه من الطلبات، فإن الكثير من المسلمات ربما طلبت الطلاق من زوجها، إن ذهب بها تزور صديقاتها، فرأت عندها بعض الموضات أو بعض الموديلات، فجاءت إلى الزوج الفقير فأرهقت كاهله، فلا يكون الحل إلا الطلاق، يجب على المرأة أن ترضخ لفقر زوجها، وأن تعلم أن هذه الدنيا الفانية، متاع الغرور، وأن الله إن بارك أعطى، وإذا حمدت المرأة ما عند زوجها من القليل، يجعل الله القليل كثيرًا، ويبارك الله في الحلال، ويعوِّض الله هذه المرأة في الدنيا قبل الآخرة.

 

أسأل الله بمنِّه وكرمع وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى - أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرته، اللهم أصلِح أزواج المسلمين، اللهم أصلِح بنات المسلمين، وزوجات المسلمين وأمهات المسلمين، وأُسَر المسلمين، وباعة المسلمين، وأطباء المسلمين، وتُجَّار المسلمين، وسائقي المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

___________________________________________________
الكاتب: الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري