الضغوط النفسية وأثرها في الإنسان وكيفية التعامل معها
إذ إن الإسلام لم يتركنا في مواجهة هذه الضغوط دون توجيه، وقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من النصوص التي تعيننا على مواجهة الضغوط النفسية:
أيها الأحبة في الله، في هذا العصر الذي نعيشه، أصبحت الضغوط النفسية من أبرز التحديات التي يواجهها الإنسان، وأصبح الحديث عنها من الأمور اليومية التي يتداولها الناس في مختلف المجتمعات، من ضغوط الحياة اليومية، إلى تحديات العمل، ومرورًا بالصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، كلها عوامل تؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية، ويكاد لا يمر يوم إلا ويشعر كثير من الناس بثقل هذه الضغوط على قلوبهم وعقولهم؛ مما يؤدي إلى القلق، والتوتر، وأحيانًا الاكتئاب.
وقد تكون الضغوط النفسية في البداية خفيفة، لكنها إذا تراكمت ولم يتم التعامل معها بشكل صحيح، يمكن أن تتحول إلى مشاكل كبيرة تؤثر في حياتنا اليومية، وفي علاقاتنا مع الآخرين، وفي قدرتنا على أداء واجباتنا بشكل جيد؛ لذا فإن من الأهمية بمكان أن نتعلم كيف نتعامل مع هذه الضغوط، وأن نفهم أسبابها وطرق التعامل معها وفقًا لما عَلَّمنا إيَّاه ديننا الحنيف.
الضغوط النفسية: أسبابها وآثارها:
أيها الأحبة، إذا نظرنا إلى أسباب الضغوط النفسية، نجد أنها تتعدد وتتفاوت من شخص لآخر، ولكن هناك بعض الأسباب المشتركة التي تؤدي إلى حدوث هذه الضغوط، ومنها:
1- الضغوط الاجتماعية: مثل المشاكل الأسرية، وضغوط العلاقات الاجتماعية، وعدم التفاهم مع الأفراد في محيط الشخص.
2- الضغوط الاقتصادية: التي تتعلق بالتحديات المالية والمشاكل التي يعاني منها الشخص نتيجة لعدم القدرة على توفير احتياجاته أو مواجهة الأزمات الاقتصادية.
3- الضغوط المهنية: تلك التي يواجهها الشخص في بيئة العمل، سواء كانت بسبب ضغط العمل، أو عدم التقدير، أو قلة الفرص للترقي.
4- الضغوط الصحية: عندما يعاني الشخص من أمراض جسدية أو نفسية تؤثر في حالته النفسية بشكل كبير.
5- التوقعات والضغوط الذاتية: حيث يضع الشخص لنفسه معايير عالية للغاية، أو يتوقع أن يكون مثاليًّا في جميع جوانب حياته؛ مما يؤدي إلى شعور دائم بالإجهاد والتوتر.
أما عن الآثار، فكما نعلم فإن الضغوط النفسية تؤثر في الإنسان في جوانب عدة، منها:
الجوانب النفسية: مثل القلق المستمر، والتوتر، والاكتئاب، والشعور بالفراغ أو عدم القدرة على التركيز.
الجوانب الجسدية: مثل زيادة معدل ضربات القلب، والأرق، والصداع، وآلام العضلات.
الجوانب الاجتماعية: حيث تؤدي الضغوط النفسية إلى تدهور العلاقات الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء، وقد تؤدي إلى العزلة أو الانطواء.
التعامل مع الضغوط النفسية في الإسلام:
أيها الأحبة، إن ديننا الحنيف قد أرشدنا إلى كيفية التعامل مع الضغوط النفسية بطرق حكيمة؛ إذ إن الإسلام لم يتركنا في مواجهة هذه الضغوط دون توجيه، وقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من النصوص التي تعيننا على مواجهة الضغوط النفسية:
1- التوكل على الله: إن التوكل على الله هو من أعظم وسائل تخفيف الضغوط النفسية، فعندما يشعر المؤمن بأنه لا قوة له سوى بالله، وأنه قادر على مواجهة أي تحديات بفضل الله ورعايته؛ فإن ذلك يخفف من وطأة الضغوط، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].
2- الصلاة والدعاء: تعتبر الصلاة من أعظم العبادات التي يمكن أن تساعد في تخفيف التوتر والضغوط، في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرحنا بها يا بلال»؛ أي: إن الصلاة كانت راحة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت وسيلة لتهدئة نفسه وتخفيف همومه.
3- الصبر: إن الصبر من القيم التي حثَّنا عليها الإسلام بشكل كبير، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، فالصبر في مواجهة الضغوط يساعد على التماسك النفسي والقدرة على التحمل.
4- الرضا بالقضاء والقدر: إن إيماننا بأن كل ما يحدث في حياتنا هو بتقدير من الله، يساعدنا على تقبُّل الصعوبات والضغوط النفسية بشكل أفضل، فالرضا يقوِّي القلب ويمنحنا السكينة.
5- الاستغفار والذكر: إن الذكر والاستغفار من أهم وسائل الراحة النفسية؛ حيث تملأ قلوبنا بالطمأنينة وتخفف من همومنا، قال الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
أيها المسلمون، لا شك أن الضغوط النفسية تزداد في حياتنا بسبب التحديات الكثيرة التي نواجهها، ولكن يجب أن نتذكر دائمًا أن الله سبحانه وتعالى مع المؤمنين في الشدائد، وأنه لا يضيع أجر من صبر واحتسب، وقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»؛ (رواه مسلم).
فلنستعين بالله تعالى، ولنتذكر أنه لا شيء يحدث في حياتنا إلا بتقدير الله وحكمته، فحتى في أوقات الشدة والضغوط، فإن الله يبتلينا ليختبر صبرنا، ويجعلنا أقوى وأقرب إليه.
أيها الأحبة، لنحسن التعامل مع الضغوط النفسية بأن نتوكل على الله وندعوه، ونتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في اللجوء إلى الصلاة والدعاء، ولنتذكر دائمًا أن ما نمر به من تحديات ليس سوى اختبار من الله، وأنه ما بعد الضيق إلا الفرج.
نسأل الله تعالى أن يُخفِّف عنَّا ضغوط الحياة، وأن يرزقنا السكينة والطمأنينة في قلوبنا، وأن يُعيننا على الصبر والثبات في جميع أوقات الشدة، اللهم آمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
_______________________________________________________
الكاتب: محمد عبدالله التركي
- التصنيف: