شكر الله تعالى
عبادة عظيمة لو عرف الناس قدرها لبذلوا في سبيلها أعمارهم، بها تزيد النعم، وبضدها تحل البلايا والنقم، عبادة لا تُكلف جهدًا، ولكنها تُثمر سعادة، وتُورث رضى، وتُقرب من الله زُلفى.
فإن حديثنا اليوم عن عبادة عظيمة لو عرف الناس قدرها لبذلوا في سبيلها أعمارهم، بها تزيد النعم، وبضدها تحل البلايا والنقم، عبادة لا تُكلف جهدًا، ولكنها تُثمر سعادة، وتُورث رضى، وتُقرب من الله زُلفى.
ومن الأمور المخيفة أن القائم بهذه العبادة من الناس قليل جدا، على الرغم من كثرة الآيات التي تأمر بها، والفضل الذي جاء فيها، هذه العبادة -أيها المسلمون- هي شكر الله تعالى، شكر الله على عظيم نعمه وجميل آلائه، التي لا تعد ولا تحصى، {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} {وقليل من عبادي الشكور}كم هي مؤلمة هذه الآيات في نفوس المؤمنين ! وكم هو محزن ألا ترى في عداد الشاكرين!
كم أمر الله تعالى بالشكر في آيات كثيرة، وطلب من عباده أن يقابلوا نعمه بالشكر،والله لا يأمر بشيء إلا وهو يحبه ويرضاه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وقال: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}.
أيها المسلمون، قد أخبرنا الله عن أنبيائه وصفوة خلقه أنهم ممن قاموا بهذه العبادة أتم قيام، فاستحقوا ثناء الله عليهم قال الله عن خليله إبراهيم {إن إبراهيم كان أمة حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، وقال عن نوح عليه السلام: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}
أيها المسلم، وهل خطر على بالك يوماً أن الله تعالى اشتق من هذه العبادة اسمين كريمين له؛ ليحثنا على شكره وهما الشاكر والشكور وتدبر معي هذه الآيات {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} وقال تعالى: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}
عجيبة هذه الآيات، كم هي عظيمة في معانيها، وكم فيها من قوة هائلة لتدفع للعبد للقيام بشكر الله، الشاكر والشكور من أسماء الله تعالى، إلا أن الشكور أبلغ من الشاكر، لأن الشكور صيغة مبالغة، أي: كثير الشكر. ومعنى هذين الاسمين، أن الله يقبل من عباده اليسير من العمل، ويعطي الجزيل من النعم، ويعفو عن الكثير من الذنوب والزلل.
فالله أكبر ! ما أكرم الله! يعطي بلا سؤال، ويثيب على القليل، ويغفر الكثير، ثم يُسمّي نفسه شكوراً لعباده! فأين نحن من تدبر هذين الاسمين؟ ومن القيام بالشكر؟
أيها المسلمون، واعلموا أنكم حتى تكونوا قائمين بالشكر، فلابد أن يظهر الشكر على ألسنتكم ثناءً على الله بالجميل واعترافًا بفضله ونعمه، وعلى قلوبكم شهودًا ومحبة، وعلى جوارحكم انقيادًا وطاعة، قال القرطبي : الشكر ألا تتقوى بنعمه على معاصيه. وفي الحديث : «إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» (مسلم).
انظر شكر على طعام قليل وهو الغذاء أو العشاء بالفتح وروي الأكلة بالضم وهي اللقمة، ثواب كبير رضا الله فكيف بمن يشكر الله في كل حال !!
وشكر نعمة المال يكون بالاعتراف بالقلب بأنها من الله لا من كسبك وحذقك، وباللسان ثناء وحمدا لله، وبالجوارح إخراجا للزكاة وإنفاقا للمال في وجوه الخير، وهكذا نعم المطاعم والمشارب والملبس والقوة في البدن والمركوب والعلم..الخ أن تعترف بقلبك، وتحمد بلسانك، وتسخرها في طاعة الله تعالى، فعندئذ وحينئذ تزيد هذه النعم وتظفر بوعد الله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.
وكان شكر الأنبياء العملي بقيام الليل وصوم النافلة فحينما أمر الله آل داود بقوله {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، كان يصوم يوما، ويفطر يوما عليه الصلاة والسلام، وقال ﷺ قَالَ لَهُ: «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبين الشكر بالعمل، فقد كان يقوم الليل حتى تتفطر أو تنتفخ قدماه، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟!» قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا»
ختاماً أيها المسلمون، سلوا الله الإعانة على شكره فقليل من عباد الله الشكور، وقد علم النبي معاذا دعاء بعد الصلاة فقال له «يا معاذ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، فلاَ تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك». (رواه أَبُو داود والنسائـي).
- التصنيف: