الفرح بالحرام

منذ 6 ساعات

لا شك أن الفرح بالنعمة مطلوب ومشروع، خاصة إذا شكر العبد نعمة الله عليه، فالمؤمن إن أصابته نعماء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، وله في كليهما خير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

لا شك أن الفرح بالنعمة مطلوب ومشروع، خاصة إذا شكر العبد نعمة الله عليه، فالمؤمن إن أصابته نعماء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، وله في كليهما خير، كما في الحديث:  «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» . [رواه مسلم] .

وقد قال تعالى عن نعمة الإسلام:  {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}  {يونس:58} فالفرح بالطاعة والفرح بالإسلام والفرح بالإيمان والتوفيق لمرضاة الله فرح ممدوح.

الفرح  المذموم :

 ذكرَ ابنُ حجرَ الهَيتميُّ في كتابِه [الزَّواجرِ] أنَّ من جُملةِ الكَبائرِ: (فرحُ العبدِ بالمعصيةِ، والإصرارُ عليها، ونسيانُ اللهِ -تعالى- والدَّارِ الآخرةِ، والأمنُ من مكرِ اللهِ، والاسترسالُ في المعاصي).

كيفَ يفرحُ بالذَّنبِ من يعلمُ أنَّ له ربَّاً قديراً؟! كيفَ يفرحُ بالذَّنبِ من يعلمُ أنَّه به سميعاً بصيراً؟! كيفَ يفرحُ مؤمنٌ بالذَّنبِ وهو يعلمُ أنَّ ربَّه عليه غضبانُ؟! كيفَ يفرحُ مؤمنٌ بالذَّنبِ وهو يعلمُ أثرَ الذَّنوبِ على الفردِ والأوطانِ؟!

يقولُ ابنُ القيِّمِ -رحمَه اللهُ تعالى-: "الْفَرَحُ بِالْمَعْصِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَالْجَهْلِ بِقَدْرِ مَنْ عَصَاهُ، وَالْجَهْلِ بِسُوءِ عَاقِبَتِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا، فَفَرَحُهُ بِهَا غَطَّى عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَفَرَحُهُ بِهَا أَشَدُّ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِنْ مُوَاقَعَتِهَا، وَالْمُؤْمِنُ لَا تَتِمُّ لَهُ لَذَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ أَبَدًا، وَلَا يَكْمُلُ بِهَا فَرَحُهُ، بَلْ لَا يُبَاشِرُهَا إِلَّا وَالْحُزْنُ مُخَالِطٌ لِقَلْبِهِ، وَلَكِنَّ سُكْرَ الشَّهْوَةِ يَحْجُبُهُ عَنِ الشُّعُورِ بِهِ، وَمَتَى خَلَّى قَلْبَهُ مِنْ هَذَا الْحُزْنِ، وَاشْتَدَّتْ غِبْطَتُهُ وَسُرُورُهُ فَلْيَتَّهِمْ إِيمَانَهُ، وَلْيَبْكِ عَلَى مَوْتِ قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا؛ لَأَحْزَنَهُ ارْتِكَابُهُ لِلذَّنْبِ، وَغَاظَهُ وَصَعُبَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحِسُّ الْقَلْبُ بِذَلِكَ، فَحَيْثُ لَمْ يُحِسَّ بِهِ فَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامٌ".

قال تعالى: { ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾} [الحديد: 23]؛قال الإمام ابن كثير: أي: ولا تفرحوا فرح بَطَر وأَشَر يدفعكم إلى الكبر والفخر على الناس بما أنعَم الله به عليكم؛ فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كَدِّكم؛ وإنما هو عن قَدَر الله ورزقه لكم، فلا تتخذوا نعم الله أشرًا وبطرًا، تفخرون بها على الناس.

لقد ذمّ الله الفرح في كتابه ، وهو الفرح الذي يُصاحبه أشر وبَطَر .
قال سبحانه وتعالى عن قارون : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ }
قال المؤمنون منهم : يا قارون لا تفرح بما أوليت ، فتبطر .
قال مُجاهد : المرحين الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم .

وإنَّ من خطورةِ الفرحِ بالمعصيةِ هو أنَّها سبيلٌ لمحبةِ انتشارِها في كلِّ الأرجاءِ، والفرحِ بظهورِ الفواحشِ ليتسنى له الوقوعَ فيها دونَ حياءٍ، وقد قالَ اللهُ -تعالى- في أمثالِ هؤلاءِ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19].

يا من تفرح بالمعصية احذر فإنك معاقب:

أعظم المعاقبة أن لا يحس المعاقب بالعقوبة. وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة، كالفرح بالمال الحرام، والتمكن من الذنوب.
ومن هذه حاله، لا يفوز بطاعة.
وإني تدبرت أحوال أكثر العلماء والمتزهدين فرأيتهم في عقوبات لا يحسون بها، ومعظمها من قبل طلبهم للرياسة.
فالعالم منهم، يغضب إن رد عليه خطؤه، والواعظ متصنع بوعظه، والمتزهد منافق أو مراء.
فأول عقوباتهم، إعراضهم عن الحق شغلاً بالخلق.
ومن خفي عقوباتهم، سلب حلاوة المناجاة، ولذة التعبد.
إلا رجال مؤمنون، ونساء مؤمنات، يحفظ الله بهم الأرض، بواطنهم كظواهرهم، بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم، بل أحلى، وهممهم عند الثريا، بل أعلى.
إن عرفوا تنكروا، وإن رئيت لهم كرامة، أنكروا.
فالناس في غفلاتهم، وهم في قطع فلاتهم، تحبهم بقاع الأرض، وتفرح بهم أملاك السماء.
نسأل الله معز وجل التوفيق لاتباعهم، وأن يجعلنا من أتباعهم.

أبو الهيثم

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.