عظمة تُحيط بك من كل جانب!

منذ 5 ساعات

قد يمرُّ بالأرض التي يمشي عليها مرور الغافل، لكن القرآن يعيد فتح العين والقلب معًا، ليقول: انظر، وتأمَّل، ثم اعرف عظمة الخالق!

عندما تتأمل في بداية سورة الأنعام ستجد أنَّها لا تبدأ بوعد ولا وعيد، أو أمر أو نهي، بل تبدأ بحقيقة كبرى ينبغي أن تستقر في القلب قبل كل شيء: أنَّ الحمد كلَّه لله! {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} والحمد في هذه الآية ليس حمد شكرٍ على نعمة مخصوصة، بل حمد ثناءٍ وتعظيم.

وابتداءُ السورة بالحمد فيه تربية للقلب قبل التكليف، وتوجيه للنفس قبل العمل، كأن القرآن يُعلِّمك: قبل أن تطلب من الله وقبل أن تخاطبه بحاجتك، تعلَّم أولاً كيف تُعظِّمه.

ثم تشير الآية أنَّ الخلق أعظم شاهد على العظمة {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} والخلق هنا لم يُذكر على سبيل الخبر، بل على سبيل الاستدعاء للتفكّر والتعظيم، فالسماوات بما فيها من اتساع وانتظام وإحكام، والأرض بما فيها من ثبات وتقدير وتنوُّع، كلها آيات ناطقة بعظمة الخالق، وكلها جاءت للتفكُّر في عظمة الخالق سبحانه: قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

فخلق السماوات والأرض ليس وجود فقط، بل نظام، وتقدير، وإحكام، وآيات تشير إلى عظمة الخالق، وكلما ازداد الإنسان نظرًا في هذا الخلق، ازداد علمًا بصغر حجمه أمام عظمة الله عز وجل.

قد يعتاد الواحد منَّا النظر إلى السماء، وقد يمرُّ بالأرض التي يمشي عليها مرور الغافل، لكن القرآن يعيد فتح العين والقلب معًا، ليقول: انظر، وتأمَّل، ثم اعرف عظمة الخالق! وحين يجمع القرآن بين السماوات والأرض في الذكر، فهو يجمع بين أعظم مشهدين يحيطان بالإنسان: ما فوقه، وما تحته، ليشعر أن وجوده كله محاط بآيات الله، وأنَّ العظمة ليست فكرة ذهنية، بل حقيقة قائمة تحيط به من كل جانب، فتأمَّل!

ارفع بصرك قليلًا، ليس لتعدَّ النجوم، بل لتدرك عجزك عن عدِّها، اتساعٌ لا تُحيط به الأبصار، وانتظامٌ لا يختل، وسكونٌ يحمل في داخله حركة دقيقة محسوبة، {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} انظر وتأمَّل، هل رأيت خللًا؟ هل أبصرت تفاوتًا؟ كلا، {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ}

ثم انتقل ببصرك من عظمة الخلق إلى قدرة الخالق، فالسماوات ليست قائمة بذاتها، ولا الأرض ثابتة بقوتها، وإنما هي قائمة بأمر الله، ثابتة بإمساكه، ألا تعلم أنَّ الله «يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا»؟، ثم يأتيك من السُّنة ما يُقرِّب المعنى إلى قلبك قبل عقلك، فها هو حبر يهودي يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: 

"يا أبا القاسم، إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والماء والثَّرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الملك" فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا لكلامه!

قف هنا، لا تتجاوز، أعد قراءة الحديث ببطء، وتأمل: مجرَّاتٌ لا تُحصى، وأرضونٌ لا تُعد، وجبالٌ راسيات، كلها في قبضةٍ واحدة! سبحانه ما أعظمه!

قف مرة أخرى، واستحِ أن يُعصى من هذا وصفه، أو يُغفل عن تعظيمه من هذه قدرته.