المشاركة في انتخابات الحكومة في الدولة المحتلة

منذ 2012-03-11
السؤال:

ما قول السادة العلماء أئمة الدين ودليل المسلمين وورثة الأنبياء حفظهم الله في حكم المشاركة في (التصويت في الانتخابات) في العراق التي ستقام في نهاية العام الميلادي الحالي؟ علما أن هذه الانتخابات هي لانتخاب أعضاء مجلس كتابة الدستور العراقي بصورته النهائية، وهؤلاء المنتخبون سيضعون قانونا يتحكم بمصير البلاد، والفئة الغالبة على المجلس ستكتب الدستور بشكل يضمن مصالحها ويقوي موقفها، فقد يرسخ الأعضاء بعض القوانين لنصرة مذهب وطائفة معينة وتقويتها على حساب الآخر، وهذا ما يعد له الرافضة وتدعمهم فيه إيران بالمال والبشر، أو قد يرسخ الأعضاء فصل الدين عن الدولة ومحاربة الدين، علما أنه سيشارك في الترشيح لهذا المجلس إسلاميون من أهل السنة، وهنالك الكثير من أهل السنة ممن لايرغبون في المشاركة فيها مما سيضعف وجودهم فيه، فما حكم الإدلاء بالصوت في هذه الانتخابات من حيث الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو التحريم؟ وما حكم مشاركة المرأة في حال اصطحابها من قبل محرم وأمن الاختلاط؟ وما صفة من يجوز انتخابهم لهذا المجلس؟ أفتونا مأجورين مع بيان الدليل بالتفصيل لزيادة اليقين.

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

قال الله تعالى: {} [التغابن: 16]، وقال عزوجل: {} [المائدة: 2]،

وقال سبحانه وتعالى: {} [محمد: 7]، وقال جل شأنه: {} [الصف: 14]، فالواجب على المسلم أن يفعل مما أوجب الله من تقواه ونصر دينه ومن التعاون على البر والتقوى ما يستطيع، كما ينبغي له أن يفعل من الخير ما يقدر عليه مما يكثر الخير ويخفف الشر، ولا ريب أن القوانين التي تضعها الدول التي تنتسب للإسلام لا يراعون فيها ما يوافق ويطابق أحكام الشريعة، بل يراعون فيها مصالح واضعيها والأحزاب التي ينتمون إليها، ويوافق أهواء جمهور الناس والأعراف الدولية ا لتي تعارفت عليها دول الكفر من اليهود والنصارى والمشركين ومن يقفو أثرهم من سائر الدول.

ومشاركة بعض المسلمين في وضع هذه القوانين، غاية ما يحصل من ذلك تخفيف الشر الذي ينجم عن تخليهم، فإن ترك المشاركة يمكن للمنافقين والمبتدعين والملحدين من بلوغ المزيد من أهدافهم من نشر مبادئهم ومن محاربة الإسلام والمسلمين وظلمهم، وعلى هذا فتنبغي المشاركة في وضع قانون للعراق، والمشاركة في انتخاب المرشحين لوضع القانون، وذلك لتحقيق الغاية المنشودة، وهي دفع شر الشرين وتحصيل خير الخيرين حسب الاستطاعة، ومن هذا المنطلق لا مانع أن تشارك المرأة في التصويت بانتخاب من يعرف بالعلم والدين والانتصار للإسلام مع الحزم وقوة الحجة،

لأن مشاركة المرأة حينئذ فيها نصرة للحق وتقوية لجانبه، لكن مع الاحتشام والالتزام بالآداب التي جاء بها الإسلام للمرأة، والحذر مما يؤدي إلى المخالفات الشرعية، كالاختلاط ومزاحمة الرجال، ويمكنها تلافي ذلك بأن تستنيب من يسجل مشاركتها.

ويجب على من يرشح لهذه المهمة بهذه النية ممن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ويؤمن بقوله تعالى: {} [الأنعام: 57]، يجب عليه أن يخلص لله في مشاركته وأن يجتهد في تخفيف الشر، وألا يطلب بهذه المشاركة عرضاً من الدنيا ولا جاهاً عند الناس، كما يجب عليه أن يبرأ من كل ما يوضع في القانون من الباطل مما لا يستطيع دفعه، وليس من الحكمة ترك الأمر لأهل الباطل، يحققون مآربهم دون أن يجدوا معارضاً من أهل الحق، بل لو رشح كافران وكان أحدهما مسالماً للمسلمين والآخر شديد العداوة لوجب انتخاب الأول لدفع شر الآخر، وهكذا يقال في سائر من يرشح لوضع قانون البلاد أو لرئاسة البلاد، أو لولاية من الولايات، فينبغي للمسلمين أن يجتهدوا فيما يمكن للخير ويدفع الشر أو يخففه حسب الإمكان، والله تعالى من وراء القصد، والله أعلم. وننصح بمراجعة فتوى سابقة للشيخ بعنوان: "المشاركة في الانتخابات ودخول البرلمان".  

تاريخ الفتوى: 23-11-1425 هـ.

عبد الرحمن بن ناصر البراك

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود