ماحكم السمسرة العقارية والرهن العقاري؟

منذ 2012-03-16
السؤال:

لديَّ مكتب عقاري، أؤجر البيوت وأتقاضى أجرة الشهر الأول مناصفةً من المُؤَجِّر والمستأجِر؛ أي إذا كانت أجرة البيت في الشهر3000 آخذ 1500 من المُؤَجِّر و1500 من المستأجر، مرة واحدة عند توقيع العقد.

وأبيع البيوت لأصحابها وآخذ نسبة على بيعي للبيت مقدارها 3% من سعر البيت فإن كان سعر البيت مئة ألف آخذ ثلاثة آلاف.

هل في عملي شبهة حرام؟ وما قول الفقهاء الأربعة في ذلك، علماً إن بعض الناس يقولون إن عملي فيه شبهة؟

أقوم أيضاً برهن البيوت التي وضع أصحابها مفتاح البيت عندي؛ مثلاً: يرهن (زيد) بيته بمليون ويأخذ المليون من (عمرو)، و(عمرو) يسكن في بيت (زيد) مدة سنة أو سنتين ولا يدفع له أجرة البيت، التي تبلغ السنة الواحدة مئة ألف، وإذا انتهت السنة أو السنتين - حسب الاتفاق - يُسَلِّم زيد المليون الذي أخذه من (عمرو)، ويخرج (عمرو) من بيت (زيد)، ويسلمه له، أما أنا - صاحب المكتب العقاري - فآخذ نسبة من الراهن والمسترهِن، مثلاً 3% من الاثنين. هل في عملي شيء؟
وهل في عمل الراهن والْمُرْتَهِن شيء من الحرام؟ علماً إن الراهن (زيد) يستفيد من المال.
أرجو بيان ذلك بأقوال العلماء والأرجح منها، أي الخلاصة من أقوالهم مع الدليل، إن وُجِد.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا حرج أن يأخذ السمسار عمولة من الطرفين أو أحدهما، حسب العُرف أو الاتفاق مع البائع والمشتري، هو مذهب عامة أهل العلم؛ لأن السمسرة من باب الجَعَالَة، والجَعَالَة عقد جائز بين الطرفين؛ قال البهوتي في "كشَّاف القناع": "وإن فسخها الجاعِل قبل شروع العامل لم يلزمه شيء، وبعد الشروع فعليه للعامل أجر مثل عمله". قال البخاري: "باب أجر السمسرة"، ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأساً، والأجرة التي يحصل عليها السمسار مقابل ذلك تسمى جَعَالَة، ويُشتَرَط فيها أن تكون معلومة.

وقد أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى يُبَيَّن له أجره. وفي رواية للنسائي: "".

ولكن اختلف العلماء فيما إذا كانت السمسرة نسبة من الربح؛ فالجمهور يشترطون أن تكون العمولة (الجعل) معلومة، وكونها نسبة من الربح يؤدي إلى جهالتها، وأجازه الحنابلة؛ فقال ابن قدامة في "المغني": "وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصاناً ليبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز، نص عليه في رواية حرب وإن دفع غزلاً إلى رجل ينسجه ثوباً بثلث ثمنه أو ربعه جاز، نص عليه (أو) دفع ثوباً إلى من يخيطه أو غزلاً إلى من ينسجه (بجزء منه) مشاع معلوم "جاز".

وقال ابن سيرين: "إذا قال: بعه بكذا. فما كان من ربح فهو لك، أو بيني وبينك، فلا بأس به".

وعليه؛ فالسمسار يستحق أجرته المتفق عليها كاملة بعد تمام عمله ؛لأن العقد استقر بتمام العمل؛ فاستحق ما جُعل؛ كما نص عليه أهل العلم.

أما رهن البيوت مقابل انتفاع الْمُرْتَهِن بسكنى العين المرهونة سنة أو سنتين ولا يدفع أجرة المثل في تلك المدة فهو من الربا؛ لأن حقيقة الأمر أن الطرف الأول أقرض مبلغاً من المال وعاد قرضه عليه بمنفعة، وهذه المنفعة هي سكناه في تلك الدار التي تقدَّر بمئة ألف ففي الحقيقة هو أقرض مليوناً لمدة عام، وأخذ مليوناً ومئة ألف.

وقد اتفق العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، فانتفاع الْمُرْتَهِن بالسكنى في البيت - على الوجه المذكور في السؤال - لا يجوز، وعلى هذا أجمع أهل العلم؛ لأنه من باب القرض الذي يجر نفعاً؛ قال ابن قدامة في "المغني": "فإن أذن الراهن للمرتهن بغير عوض، وكان دين الرهن من قرض،لم يجز؛ لأنه يُحَصِّل قرضاً يجر منفعة، وذلك حرام".

وذكر ابن قدامة -أيضاً- عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يقول عن الدور إذا كانت رهناً في قرضٍ يَنْتَفِعُ بها الْمُرْتَهِن: هو الربا المحض". وقال الشافعي في الأم : "فإن شَرَطَ الْمُرْتَهِن على الرَّاهن أن له سكنى الدار، أو خدمة العبد، أو منفعة الرهن، أو شيئاً من منفعة الرهن ما كانت، أو من أي الرهن كانت داراً أو حيواناً أو غيره - فالشرط باطل، وإن كان أسلف ألفاً على أن يرهنه رهناً، وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن، فالشرط باطل؛ لأن ذلك زيادة في السلف".

وعليه؛ فلا يجوز لك معاونة كلاً من الراهن والمُرتَهِن على تلك المعاملة الربوية؛ لما فيها من التعاون على الإثم والعدوان؛ قال تعالى: {} [المائدة:2].

كما لا يحل لك الانتفاع بالمال الذي تأخذه جراء هذا، أما لو كنت قد قمت بتلك المعاملة من قبل وتقاضيت عليها أجراً وأنت تجهل الحكم، فلا شيء عليك إن شاء الله،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام