الأكل حتى الشبع، ثم التقيُّؤ
يَحدث أن أحضُر على مائدةٍ عامرة أضطر إلى الأكْل بكثرة، لكن بعد ذلك أستفرغ جَميع ما أكلتُه عمدًا؛ لِلحفاظ على الرَّشاقة، هل آثم على ذلك؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فاعلمي رعاك الله: أنَّ الإفراط في الأكْل والتوسُّع فيه أمر غيرُ مرغوب؛ لما فيه من ضرَرٍ على المال وعلى الصحة؛ وقد نَهانا اللهُ تعالى عنِ الإسراف، فقال سبحانَهُ: {} [الأعراف: 31].
والإسرافُ في الطعام: هو مُجاوزةُ الحدِّ في الأكل، فعلى المرء أن يأكُل بقدْر الحاجة؛ قال صلى الله عليه وسلَّم: "" (رواه أحمدُ والتّرمذيُّ، وهو حديث صحيح).
وقال صلى الله عليه وسلَّم: "" (رواه أحمد وأبو داود، وعلقه البخاري)، وقال ابن عباس: "كل ما شئت، والبس واشرب ما شئت، ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة".
قال في "كشَّاف القناع": "ويجوز أكلُه أكثرَ من ثلثِه بحيث لا يؤْذيه، وأكلُه كثيرًا مع خوف أذًى وتخمةٍ يحرُم".
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية": "وقال الشيخُ تَقِيُّ الدين في موضع آخر: "الإسراف في المُباحات: هو مجاوزةُ الحدّ، وهو من العدوان المحرَّم". اهـ.
فإذا كان الإسراف في تناول الطعام بهذا الحكم، فما بال مَن يُسْرِف على نفسه في الأكْل، ثم يتقيَّأ ويُهدر الطَّعام بعد تناوله؟!
فلا شكَّ أنَّ هذه عادة سيِّئة، وقد تصِل للحرمة؛ لما فيها من إضاعة المال؛ ففي الصحيحَين عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "" وفي روايةٍ عند البُخاري: "".
وقال صلَّى الله عليْه وسلَّم لصحابتِه لمَّا شبِعوا وقد أخرجَهم الجوع: "" (رواه مسلم).
قال السَّرَخْسي في "المبسوط": "ولأنَّه إنَّما يأكل في منفعةِ نفسه، ولا منفعةَ في الأكْلِ فوق الشِّبع؛ بل فيه مضرَّة، فيكون ذلك بمنزلة إلقاءِ الطَّعام في مزبلة، أو شرٍّ منها؛ ولأنَّ ما يزيد على مقدار حاجَتِه منَ الطَّعام فيه حقُّ غيرِه، فإنَّه يسدُّ به جوعَته إذا أوْصله إليه بعوَضٍ أوْ بِغَيْرِ عِوَض، فهو في تناوُلِه جانٍ على حقِّ الغَير؛ وذلك حرام، ولأنَّ الأكلَ فوق الشِّبع ربَّما يُمْرِضه، فيكون ذلك كجِراحَتِه". اهـ.
وعليه؛ فلا يجوز لكِ الإسراف في الأكْل ثم إهداره بتقيُّئِه،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: