مهنة المحاماة

منذ 2013-02-12
السؤال:

أعمل مُحاميًا، وفي هذه المهنة -في بعض الأحيان- تَجد أنَّ المتَّهم قد قام فعلاً بارتِكاب الجريمة، ولكنَّ القانون يُبَرِّئه؛ نظرًا لوجودِ خطأٍ إجرائيٍّ مثلاً، ففي هذه الحالة، ماذا أفعل؟ هل أعملُ على القضية؛ حيثُ إنَّ القانون يُبَرِّئه، ولو تركت أنا القضية سوف يعمَلُ بِها أيُّ محامٍ آخَر، وإن لم يَعمل بها أيُّ محامٍ ستُعيِّن المحكمة محاميًا للمتَّهم، وحتَّى لو لم يُدافع أحد عن المتَّهم، فإنَّ القانونَ أعطى السُّلطة للمحكمة، أن تتصدَّى لبعْضِ العيوب الشَّكلية؛ إذًا فهي ستقضي بالبراءة من تلقاء نفسِها؛ لأنَّها تطبّق القانون، فماذا أفعل؟ هل أطبق القانون أيضًا؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقد سبقَ بيان حكْم العمل بِمهنة المُحاماة في فتوى سابقةٍ، بعنوان: "حكم العمل في المحاماة"، وقد بيَّنَّا فيها: أنَّه يَجب على المُحامي مُراعاةُ حكم الشَّرع في أصل القضيَّة؛ فلا يترافَع إلا إذا علِم مشروعيَّة الدَّعوى ومضمونَها، وأنه لا يَجوزُ له تبرئةُ مَن يَعلَمُ جُرْمَه، أو يغلب على ظنِّه ذلك؛ لعموم قول الله تعالى: {} [النساء: 105]، وقال: {} [ النساء: 109]، وكذلك لا يجوز له المطالبةُ لموكِّله بحقٍّ ليس له؛ لقولِه تعالى: {} [النحل: 90]، وقال صلى الله عليه وسلَّم: "" (رواه أحمد وأبو داود).

ولتعلم رعاك الله أن الواجب على من يعيشُ في بلدٍ، يُتحاكم فيه إلى القوانين الوضعيَّة، ألاَّ يدخُل في أيِّ قضيةٍ؛ إلا بشرط أن يَعرفَ: أنَّ الحُكْم الذي يُطالِبُ به لا يتعارضُ مع أحكام الشريعة الإسلاميَّة، مع الأخْذِ في الاعتِبار الشُّروط، التي تَمَّ ذِكْرُها في الفتوى المُحال عليها.

قال العلاَّمة الشنقيطي، في "أضواء البيان"، عند قولِه تعالى: {} [الشورى: 10]: "ما دلَّتْ عليه هذه الآيةُ الكريمة، من أنَّ ما اخْتَلَفَ فيه النَّاس من الأحكام، فحُكْمُه إلى الله وحدَه، لا إلى غيره، جاء موضَّحًا في آيات كثيرة، فالإشراكُ بالله في حكمِه كالإشراك به في عبادتِه؛ قال في حكمه: {} [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامرٍ من السبعة: {}، وقال في الإشراك به في عبادته: {} [الكهف: 110]، فالأمران سواءٌ، كما ترى إيضاحَه، إن شاء الله؛ وبذلك تعلَمُ أنَّ الحلال ما أحلَّه الله، وأنَّ الحرام ما حرَّمه الله، والدِّين هو ما شَرَعَه الله، فكلُّ تشريعٍ من غيره باطل، والعملُ به بدلَ تشريع الله عند مَن يعتقد أنَّه مثلُه أو خيرٌ منه - كفرٌ بواح لا نِزاعَ فيه، وقد دلَّ القرآن في آياتٍ كثيرة: على أنَّه لا حُكْمَ لغَيْرِ الله، وأنَّ اتِّباع تشريع غيرِه كفرٌ به؛ فمِن الآيات الدَّالَّة على أنَّ الحكم لله وحدَه قولُه تعالى: {} [الأنعام: 57]، وقولُه تعالى: {} [المائدة: 44]، وقولُه تعالى: {} [القصص: 88]، والآياتُ بِمثل ذلك كثيرةٌ جدًّا؛ كقولِه تعالى: {} [النحل: 100]، وقولِه تعالى: {} [الأنعام: 121]، وقولِه تعالى: {} [يس: 60]، والآيات بِمثل ذلك كثيرةٌ جدًّا" اهـ.

وعليه؛ فلا يَجوزُ الدِّفاع عن المُجرمين لِتبرئَتِهم، وكلُّ قضيَّة يُدافع فيها المسلم عن الباطلِ، عالمًا بذلك معتقدًا تَحريمه، وقد حَمله على ذلك طمعُه في كسب القضيَّة للانتِصار، أو لينال الأجر عليها - فهو آثم، مرتكبٌ لكبيرةٍ من كبائر الذُّنوب، وما يأخذُه من الأجر على ذلك، فهو سُحْتٌ، لا يَحلُّ له.

وقد نصَّ أهلُ العلم الذين جوَّزوا العمل بالمحاماة -في ظل القانون الوضعي-: على أنه لايحل العمل؛ إلا بشرط الدفاع عن المظلومين وحسب.

ولمزيد فائدةٍ تُراجع الفتويان: "وظائف البنوك والمحاماة"، وفتوى اللجنة الدَّائمة: "حكم دراسة القانون والمحاماة"،، والله أعلم. 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام