بطاقات التخفيض بين الإباحة والتحريم
تُصدرُ بعضُ المحلات التجارية الكبرى بطاقات تخفيض مقابل مبلغ مالي وتتيح الحصول على السلع بخصم معين، فما قولكم في حكمها؟
بطاقات التخفيض أنواع متعددة، وهي بطاقات تمنح صاحبها حسمًا من أسعار السلع والخدمات لدى مجموعة من الشركات والمؤسسات، والمراكز التجارية، كالمستشفيات، والمستوصفات، والفنادق، والمطاعم، وأسواق المواد الاستهلاكية، والأغذية، ومعارض الألبسة، والمفروشات، والأجهزة الكهربائية، والسيارات، ومراكز الخدمات، والصيانة، والمدارس الأهلية، ومنتزهات الأطفال، ومكاتب السفر والسياحة، ومكاتب تأجير السيارات، وغيرها.
وقد تكون هذه البطاقات خاصة ببعض الأنشطة التجارية، كالبطاقات الصحية التي تمنح حاملها حسمًا لدى المستشفيات، والمستوصفات، والعيادات التجارية، أو بطاقات السفر كالبطاقة الذهبية التي تمنح صحبها حسمًا لدى الفنادق وشركات تأجير السيارات.
وهذه البطاقات تختلف من حيث نطاق الاستفادة منها، فقد تكون محليّة، وقد تكون دوليّة، وذلك حسب ثمن البطاقة، ومكانة الجهة المصدرة للبطاقة، وشهرتها.
وهذا النوع من بطاقات التخفيض يتبنى إصداره شركات الدعاية والإعلان والتسويق، أو شركات السفر والسياحة، وقد يقوم بإصدار هذه البطاقات بعض الجهات والمؤسسات غير التجارية، كبطاقات التخفيض التي تصدرها بعض الجمعيات التعاونية، أو البطاقات التي تصدرها بعض الأندية الرياضية، أو البطاقات التي تصدرها الغرف التجارية، وغير ذلك، (الحوافز التجارية التسويقية للمصلح ص 185).
وعُرفت بطاقة التخفيض أيضًا بأنها بطاقة تخول صاحبها الحصول على تخفيضٍ بنسبةٍ محددةٍ من أثمان السلع، أو الخدمات التي يشتريها من متاجر محددة، (انظر بطاقة التخفيض في ضوء قواعد المعاملات الشرعية، للسويلم ص2).
وبطاقات التخفيض على أقسام:
الأول: بطاقات تخفيض مجانية، وهي التي تمنحها بعض المحلات لزبائنها مجانًا، فإذا كانت البطاقاتُ مجانيةً، غير مدفوعة الثمن، يمنحها المتجر أو الشركة للزبون ليدخل في سحبٍ على الجوائز، أو ليُمنح بعض الخصومات: فلا بأس فيها ولا حرج، وهي بذلك تعتبر وعدًا بتخفيض الأسعار من قبل المتجر للمشتري، أو وعدًا بمنح الجوائز، والوعد بالخير جائزٌ لا حرج فيه، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على الوفاء بالوعد كقوله تعالى: {} [المائدة:1].
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: آيةُ المنافق ثلاثٌ: "" (رواه البخاري ومسلم)، وغير ذلك من النصوص.
ولكن يشترط أن لا يزيد المُصْدرُ للبطاقة في أسعار السلع ليحتال على الخصومات المعلن عنها في تلك البطاقات.
وهذه البطاقات وإن كان فيها نوعٌ من الغرر إلا أنه غررٌ معفوٌ عنه، لأن العقد هنا من عقود التبرع وليس من عقود المعاوضة، ومن المقرر عند الفقهاء أنه يغتفر الغرر في التبرعات ولا يغتفر في المعاوضات.
الثاني: بطاقات تخفيض يتم الحصول عليها بمقابلٍ مادي عن طريق الاشتراك السنوي أو برسومٍ محددة، وهذا النوع محرمٌ لا يجوز التعامل به، وقد صدرت قراراتٌ وفتاوى بتحريمه، منها قرار (مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة سنة 1427هـ 2006م) حيث جاء فيه ما يلي:
وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة في الموضوع، والمناقشات المستفيضة قرر:
أولًا: عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة أو شرائها إذا كانت مقابل ثمن مقطوع أو اشتراك سنوي، لما فيها من الغرر، فإن مشتري البطاقة يدفع مالًا ولا يعرف ما سيحصل عليه مقابل ذلك، فالغرم فيها متحققٌ يقابله غنمٌ محتمل، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه.
ثانياً: إذا كانت بطاقات التخفيض تصدر بالمجان من غير مقابل، فإن إصدارها وقبولها جائزٌ شرعًا، لأنه من باب الوعد بالتبرع أو الهبة.
ومنها قرار مجلس الإفتاء الأردني حيث ورد فيه: "بعد الدراسة والبحث ومداولة الرأي قرر المجلس ما يلي:
حكم بطاقات التخفيض التي تصدرها المتاجر(المولات) بغرض تشجيع زبائنها على الشراء وكسب الجوائز، فيه تفصيلٌ:
1- إذا كانت البطاقاتُ مجانيةً، غير مدفوعة الثمن، يمنحها المتجر أو الشركة للزبون ليدخل في سحب على الجوائز أو ليمنح بعض الخصومات: فلا بأس فيها ولا حرج، وهي بذلك تعتبر وعداً بتخفيض الأسعار من قبل المتجر للمشتري، أو وعدًا بمنح الجوائز، والوعدُ بالخير جائزٌ لا حرج فيه، بشرط أن لا يزيد المتجر في أسعار السلع ليحتال على الخصومات المعلن عنها في تلك البطاقات.
2- أما إذا كانت البطاقات مدفوعة الثمن، يشتريها الزبون بمبلغٍ معينٍ من المال، وكان هذا المبلغ زائدًا على قدر تكاليف استخراج البطاقة وإصدارها، أو كانت مما تستخرج باشتراك سنوي، فلا شك في حرمة هذا النوع من البطاقات، لدخول محذور الميسر فيها، لأن المتجر يستربح بسبب بيع مثل هذه البطاقات، في حين أن الزبون يدخل في مقامرة، قد يكسب الجوائز والخصومات التي تمنحها له هذه البطاقة، وقد لا يكسب شيئًا لعدم وصوله إلى النقاط المطلوب تجميعها للحصول على مزايا تلك البطاقة، أو لعدم شرائه من ذلك المتجر المعين، وهذا الاحتمال الذي يعتمد على الحظ هو الميسر المحرم، وهو الغرر الذي جاءت الشريعة بتحريمه في عقود المعاوضات.
3- أما إذا كانت البطاقات مدفوعة الثمن، يشتريها الزبون بمبلغ من المال، غير أن هذا المبلغ الذي يدفعه إنما هو لتغطية تكاليف استخراج البطاقة وإصدارها، من غير زيادة يربحها المتجر ببيع هذه البطاقات، فهذا محل شبهة ونظر، والأورع والأحوط الابتعاد عن جميع الشبهات. 4- ومنها فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية حيث ورد في قرارها: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي: بطاقة التخفيض المذكورة لا يجوز التعامل بها، إصداراً، واشتراكاً. لأمور عدة، منها:
أولًا: اشتمالها على الغرر والمخاطرة،لأن دفع المبلغ مقابل الحصول عليها: دفع بلا مقابل حقيقة، إذ قد تنتهي صلاحيتها ولم يستعملها حاملها، أو يكون استعماله لها لا يقابل ما دفعه من رسومها، وفي هذا غررٌ ومخاطرةٌ؛ والله سبحانه يقول: {}.
ثانيًا: اشتمالها على الربا، لأن دفع مُصدِرِها نسبة التخفيض لحاملها (في حال امتناع صاحب المتجر عن التخفيض هو الربا المحرم)، والتخفيض هنا قد يتجاوز رسم إصدار البطاقة، وقد أثبتت الوقائع حصول هذا، فحصل غُرمٌ على مُصدرها.
ثالثًا: أن لها آثارًا سالبة، ومنها: إثارة العداوة والبغضاء بين أصحاب المحلات المشتركين في التخفيض وغير المشتركين بنفاق السلعة المخَفَّضَة وكساد غيرها مِن بضائعِ الذين لم يشتركوا في دليل التخفيض.
رابعًا: ومن آثارها أيضًا: دفع حاملها إلى الاسترسال في الشراء لقاء التباهي بحملها والاغترار بالدعاية من ورائها، وفي هذا تصفية لمدَّخَرَاته، وزيادةٌ في الاستهلاك والإسراف فيه، فالبطاقة في حقيقتها (تعود بتنامي المصاريف وزيادتها، لا بالتوفير وزيادة الادخار)، (فتاوى اللجنة الدائمة).
ومن الأدلة التي تدل على حرمة بطاقات التخفيض المدفوعة الثمن أولًا: أن هذا النوع من البطاقات التخفيضية فيه جهالةٌ وغررٌ كبيران في جميع أطرافها، إذ لا يعلم حصول المقصود من العقد، ولا تُعرف حقيقته ومقداره، فالمشاركون في برنامج هذا النوع من بطاقات التخفيض تدور حالهم بين الغرم والغنم الناشئين عن المخاطرة، والغرر المحض، فهي داخلة في الميسر المحرم المذكور في قول الله تعالى: {} وهي أيضًا داخلةٌ في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
ثانيًا: إن في هذه المعاملة أكلًا للمال بالباطل، فجهة الإصدار تتقاضى رسمًا أو اشتراكًا سنويًا من المستهلك، ومن جهة التخفيض في بعض الصور، دون أن تقوم بعمل في مقابل ذلك، والله تعالى قد نهى عن ذلك فقال: {}.
ثالثًا: إن هذه المعاملة كثيرًا ما يكون فيها تغريرٌ وخداعٌ، وفرصةٌ لابتزاز الأموال بدون حق، فالتخفيضات التي يُوعدُ بها المستهلك المشترك في برنامج التخفيضات غالبًا ما تكون تخفيضاتٍ وهميّةٍ غير حقيقية، ويتضح ذلك بما يلي:
1- أن المستهلك الذي لم يشارك في برنامج التخفيض قد يحصل بمماكسته، وحذقه تخفيضًا مماثلًا أو يفوق ما يوعد به المشتركون في برنامج التخفيض.
2- أن بإمكان جهة التخفيض أن تزيد في ثمن السلع والخدمات بقدر ما يخفّض للمستهلك المشارك في برنامج التخفيض، لاسيما في السلع والخدمات التي لها وكيل معتمد كالسيارات، وكثيرٌ من الأجهزة الكهربائية، وغيرهما من السلع.
3- أن التخفيضات التي تعد بها جهات إصدار هذه البطاقات كثيرًا ما تكون مكذوبة لا صحة لها، (انظر الحوافز التجارية التسويقية للمصلح ص 212 فما بعدها،بطاقات التخفيض لمحمد عبد الرحيم ص19، بطاقات التخفيض لسعد الشثري ص6).
وخلاصة الأمر أن بطاقات التخفيض مختلفة الأنواع، فما كان منها مجانيًا فيجوز التعامل به، وما كان برسومٍ أو باشتراكاتٍ فيحرم التعامل به لاشتماله على الغرر المبطل للعقد.
تاريخ الفتوى: الجمعة 18 فبراير 2011.
حسام الدين عفانه
دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.
- التصنيف:
- المصدر: