ضابط الاحتكار
أقتبس بعضًا ممَّا قُلتَ - بارك الله فيك - إذْ إني أحتاج لتوضيحٍ أكثر.
قولك: "والاحتِكار - في نظَر الحنفيَّة -: هو شراء طعامٍ ونحوِه، وحبسُه إلى الغلاء أربعين يومًا، وعند الشافعية: شراء القُوت في وقت الغلاء ليُمْسِكه ويبيعه بعد ذلك بأكثرَ من ثمنِه؛ للتضييق حينئذ، وعند الحنابلة مثل ذلك، بِمعنى: أنَّ الاحتكار هو حبْس الشَّيء انتظارًا لغلائِه، وهو الأمر المرادف للامتناع عن البيع".
هل هذا القول يَدخل كذلك في العقار وكل شيء في الحياة؟ فأنا رَجُل مُستثمر، ولي نظرة بعيدة المدى عند شرائي مثلاً عقارًا، كالأراضي مثلاً؛ وذلك لأنَّ السوق يرتفِع بشكل عام، وأريد أن أحتفِظ بِهذا العقار لمدَّة -مثلاً- عشر سنوات، أو عشرين عامًا، أو ما شابه، فهل هذا العمل جائز لي شرعًا؟ أليس لي الحريَّة بما أنِّي صاحب العقار أن أبيع متى ما أردتُ، وأبقيها متى ما أردت؟
وماذا كذلك عن الأسهم؟ فهل يحقُّ لرجل صاحب خبرة قام بدراسة القوائم الماليَّة للشَّركة، وتنبَّأ بارتفاعٍ لها قادم، فهل يَجوز لي أن أُبقيها لحين أن ترتفع؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فما ذكره السائلُ الكريم من شراء العقارات، وحبسها أو الانتِظار حتَّى يرتفع السُّوق بعد عدَّة أعوام ثم بيعها – لا يُعد من الاحتكار، وإنَّما هو ادِّخار، وفارق بين الادِّخار الذي هو تخبِئة الشَّيء لوقْتِ الحاجة، سواءً ما يضرُّ الناسَ حبسُه وما لا يضرُّ، ويكون في الأموال النقديَّة وغيرها، كما أنَّ الادِّخار قد يكون مطلوبًا في بعض صورِه، بخلاف الاحتِكار الذي لا يكون إلا فيما يضرُّ بالنَّاس حبسُه؛ ولذلك فمذهب جماهير أهل العلم -أبو حنيفةَ ومحمَّد والشافعيَّة والحنابلة– على: أنَّ الاحتِكار في القُوت خاصَّة، وذهب المالكيَّة وأبو يوسف من الحنفيَّة إلى: أنَّه يَجري في كلِّ ما يحتاجُه النَّاس، ويتضرَّرون من حبسِه، من قوت وإدام ولباسٍ وغير ذلك.
وقال ابن رشد: "لا خِلاف أنَّه لا يجوز احتِكار شيءٍ من الطَّعام ولا غيرِه، في وقتٍ يضرُّ احتكارُه فيه بالنَّاس من طعام وغيره، من كتَّان وحنَّاء وعصفر، فإن لَم يضرَّ احتكارُه، فرابعُ الأقوال مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في "المدوَّنة": جوازُ الاحتِكار في الطَّعام وغيرِه، وروى أشهبُ عن مالكٍ: أنَّ القمح والشَّعير لا يجوز احتكارُهُما بحال.
وقدِ اتَّفق الفقهاء على: أنَّ الحكمة في تحريم الاحتِكار: رفعُ الضَّرر عن عامَّة النَّاس".
وقال الحصكفي الحنفي نقلاً عن الشرنبلالي عن "الكافي": إنَّ الاحتِكار -شرعًا-: اشتِراء الطَّعام ونحوِه، وحبسُه إلى مدَّة اختلفوا في تقديرِها، فمن قائلٍ: إنَّها أربعون يومًا؛ لقول النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم، فيما رواه أحمد والحاكمُ بسنده: ""؛ لكن حكى ابنُ أبي حاتم عن أبيه: أنَّه منكر.
ومن قائل: إنَّها شهر؛ لأنَّ ما دونه قليلٌ عاجل، والشَّهر وما فوقَه كثيرٌ آجل".
أمَّا التجارة في الأسهُم، فقد سبق بيانُها في الفتوى: "العمل في شرِكات تداوُل الأسهم والأوراق النقديَّة"، "البورصة"،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: