حكم المال الحرام
رجلٌ كسب مالاً من حرام، أقام مشروعًا، هل العمل بِهذا المشروع حلالٌ أو حرام؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالسَّائلُ الكريم لم يبيِّنْ لنا أصْلَ المال الذي اكتَسَبَه ذلك الرَّجُل؛ حيثُ إنَّ المالَ الحرامَ يَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْن:
الأوَّل: مال مسروقٌ أو مغصوبٌ من شخصٍ ما، فهذا لا يَجوز العملُ عند سارقِه أو مغتصبِه؛ حيثُ إنَّه لا يَملِكُ هذا المال، ولا يَتَمَوَّله، فلا يَجوزُ له التَّصرُّف فيه، وإنْ عَامَله فيه مع عِلْمِه أنَّه مسروقٌ أو مغصوب، فهو مِثْلُه في الإثْم.
الثَّاني: أن يَكونَ حاصِلاً عليْه من التِّجارة بالعقود المحرَّمة كربًا ونَحْوِه، فإن كان المشروعُ كلُّه قائمًا من هذا المالِ، فلا يَجوز العملُ فيه.
قال النَّوويُّ ناقلاً عن الغزالي: "الأسواقُ التي بناها السَّلاطين بالأموال الحرام تَحْرُم التِّجارةُ فيها وسكناها".اهـ.
وأمَّا إذا اختلطَ هذا المالُ الحرام -الذي أُقِيمَ به المشروعُ- بِمالٍ حلالٍ، فالرَّاجِحُ هو جوازُ العَمَلِ عنده مع الكراهة، إذا كان أصْلُ العمل مباحًا، والأفضلُ العملُ عند غيْرِه، إن كان في ذلك للمَرْءِ سَعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "ما في الوجود من الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقودٍ لا تُباحُ بالقَبْضِ، إنْ عرَفه المسلِمُ اجتَنَبَهُ، فمَنْ علمتُ أنَّه سرَق مالاً، أو خانَه في أمانتِهُ، أو غصبَهُ فأخذه من المغصوب قهْرًا بغير حقٍّ، لَم يَجُزْ لي أن آخُذَه منه، لا بطريقِ الهِبَة، ولا بطريقِ المعاوَضة، ولا وفاءً عن أجرةٍ، ولا ثَمنِ مبيع، ولا وفاءً عن قرْضٍ؛ فإنَّ هذا عينُ مالِ ذلك المَظْلوم، وإن كان مَجهولَ الحال فالمَجْهولُ كالمعدوم، والأصْلُ فيما بيَدِ المُسلِم أن يَكون مِلْكًا له، إنِ ادَّعى أنَّه مِلْكُه، فإذا لَم أعلَمْ حال ذلك المال الذي بيَدِه بنيتُ الأمْرَ على الأصل، ثُمَّ إن كان ذلك الدِّرهم في نفس الأمر قد غصبه هو، ولم أعلم أنا، كنتُ جاهلاً بذلك، والمجهول كالمعدوم، لكن إن كان ذلك الرَّجُل معروفًا بأنَّ في ماله حرامًا، تَرَك مُعامَلته ورعًا، وإن كان أكثر مالِه حرامًا، ففيه نزاعٌ بيْن العُلماء".اهـ، بتصرُّف يسير من "مجموع الفتاوى".
وقال رحمه الله: "الحرامُ نوعان.... الثاني: الحرام لكَسْبِه: كالمأخوذ غصْبًا أو بعقْدٍ فاسد، فهذا إذا كان اختلَطَ بالحلال، لم يُحَرِّمْه".
وقال أيضًا: "الحرام إذا كان اختَلَطَ بِالحلال، فهذا نوعان:... .... الثاني: ما حَرُم لكَوْنِه أُخِذَ غصبًا، والمقبوض بعقودٍ مُحرَّمة كالربا والميسر، فهذا إذا اشتَبَه واختلطَ بغَيْرِه، لم يَحْرم الجميع، بل يُمَيَّز قدرُ هذا من قدر هذا، فيُصْرَف هذا إلى مستحِقِّه وهذا إلى مستحِقِّه"،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: