جاءتني بعثة إلى فرنسا لإكمال الدراسة، فما نصيحتكم؟
أعلمك سماحة الشيخ أني شاب جزائري ملتزم، قد بلغت الواحد والعشرين من العمر، وكنت قد نجحت في دراستي الرياضيات، وأنهيت الطور الجامعي الأول والثاني بتفوق، فبعثت ممنوحاً هذه السنة لإتمام الطور الثالث في فرنسا، وكر الإباحية، وعاصمة الكفر.
وقد نزلت بإحدى مدنها مدة سبعة أشهر، فلم أزل لأهلي متذكراً، وعلى فراقهم متحسراً، ثم إني رمت أخاً استأنس به، فطلبته في المسلمين فوجدتهم أصحاب ميوعة، وأهل التدين منهم قلة، ثم متبعوا السنة أعز من أحمر الياقوت، بل من حلال القوت، فاجتمعت علي الغربتان، وتضافرت علي الوحشتان، وإني لفي ضيق شديد، فإلى الله المشتكى.
وما زاد الطين بله أني كنت قد أصبت بصداع شديد قبيل قدومي، ما بان أثره إلا بعد نزولي فرنسا، فاستعصت علي الدراسة، وشق علي الطلب، والأعجب أن نفسي فترت، وهمتي خمدت، وإني على وشك الرسوب لأول مرة إن لم أتدارك الأمر، الأمر الذي سيكون شديد الوطأة على عائلتي الفقيرة، إذ أنا من يعولهم مما أدخره من منحتي الدراسية، المنوط استمرارها بنجاحي هذه السنة. فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأنكى المصاب ما كان في بلاد الغربة.
حاجتي عندكم سماحة الشيخ اثنتين: فأما أولاهن وهي ما حملني على مكاتبتكم فدعاء بظهر الغيب، في حال شريفة، وبقعة مباركة، ووقت سني، عسى الله يرفع عني ما نزل.
والثانية: نصيحة تتفضلون أنتم بها، وأتقلد أنا منتهاها، عل الله ينفع بها؟
أما ما طلبت الدعاء فهو حاصل إن شاء الله، أسأله جل وعلا أن يثبتك على الدين، وأن يزيدك من التوفيق والاستقامة والنجاح في أمور دينك ودنياك.
وأما النصيحة: فالذي أراه لك أن ترجع إلى أهلك، وتترك بلاد الحرية وبلاد الكفر التي الإقامة فيها حرام، والهجرة منها واجبة، وعيشك في بلدك على ما فيه من ضيق وتضيق أفضل لك ولأهلك من الغربة بين الكفار في بلاد الإباحية، وما يتيسر لك من أمور الدنيا خير لك بكثير من أن تطلب ما عند الله بالإقامة في بلاد الكفر، وما عند الله لا ينال بسخطه، والله المستعان.
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
- التصنيف:
- المصدر: