التعامل مع المبتدع ورد بدعته
سؤال: كيف يكون التَّعامل مع المبتدع المسلم وردّ بدعته في الشرع؟
جزاكم الله خيرَ الجزاء.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ التعامل مع المبتدِع يَختلف باختلاف نوْع بدعتِه ودرجتِها؛ كما بيَّنَّا في: "جهاد المبتدعة". هذا؛ والواجبُ: نصح صاحب البدعة بالحكمة والموعظة الحسنة، واللينُ في الخِطاب، ودعوتُه إلى الله، وإقامةُ الحجَّة عليه، وإزالةُ شبهتِه، فإن أصرَّ على بدعته، هُجِر وزُجِر، إذا غلب على الظَّنِّ أنَّ ذلك ينفعه، وينبغي التثبتُ أوَّلاً في الحكم على شخصٍ ما بأنَّه مبتدع، والرجوعُ في ذلك إلى أهل العلم، والتفريقُ بين البِدْعة وصاحبِها، فربَّما كان معذورًا بجهل أو تأويل؛ وهذه طريقة أهل السنة في الحكم على معين بكفر أو بدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لأحد أن يُكَفِّر أحدًا من المسلمين -وإن أخطأ وغلط- حتى تُقَام عليه الحُجَّة، وتُبَيَّن له المحجَّة، ومَن ثبت إسلامُه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشُبَهة ... وإنما الواجبُ: بيانُ ما بعث اللهُ به رُسلَه، وأنزل به كتبه، وتبليغُ ما جاءت به الرسلُ عن الله، والوفاءُ بميثاق الله، الذي أخذه على العلماء، فيجب أن يَعْلَم ما جاءت به الرسل، ويُؤْمنَ به، ويُبَلِّغه، ويدعوَ إليه، ويجاهدَ عليه، ويَزِنَ جميع ما خاض الناس فيه: من أقوال وأعمال، في الأصول والفروع، الباطنة والظاهرة، بكتاب الله وسنَّة رسوله، غيرَ مُتَّبِعين لهوى: من عادة، أو مذهب، أو طريقة، أو رئاسة، أو سلف، ولا متبعين لظن: من حديث ضعيف، أو قياس فاسد -سواءٌ كان قياسَ شمول أو قياسَ تمثيل- أو تقليدٍ لمن لا يجب اتِّباعُ قوله وعمله؛ فإن الله ذمَّ في كتابه الذين يتَّبعون الظن وما تهوى الأنفس، ويتركون اتباع ما جاءهم من ربهم من الهدى".
وقال الشَّيخ محمد بن عثيمين -رحِمه الله-: "البدعُ تنقسِم إلى قِسمين: بدع مكفِّرة، وبدع دون ذلك، وفي كلا القِسمين يجب عليْنا نحن أن ندعو هؤلاءِ -الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهُم البدع المكفِّرة وما دونَها- إلى الحق، ببيان الحقِّ دون أن نُهاجم ما هم عليْه؛ إلا بعد أن نعرِف منهم الاستِكْبار عن قبول الحق؛ لأنَّ الله –تعالى- قال للنبي -صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم-: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فندعو أوَّلاً هؤلاء إلى الحقِّ ببيان الحق وإيضاحِه بأدلَّته، والحقُّ مقبولٌ لدى كلِّ ذي فطرة سليمة، فإذا وجدنا العناد والاستِكْبار، فإنَّنا نبيِّن باطلَهم، على أنَّ بيان باطلِهم -في غير مُجادلتهم- أمرٌ واجب.
أمَّا هجرُهم، فهذا يترتَّب على البدعة، فإذا كانت البدعة مكفِّرة، وجب هجرُه، وإذا كانت دون ذلك، فإنَّنا نتوقَّف في هجره: فإن كان في هجره مصلحةٌ، فعلْناه، وإن لم يكن فيه مصلحة، اجتنبْناه؛ وذلك أنَّ الأصل في المؤمن تَحريم هجرِه؛ لقول النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -: " "، فكلُّ مؤمن -وإن كان فاسقًا- فإنَّه يَحرم هجرُه، ما لم يكن في الهجْر مصلحة، فإذا كان في الهجر مصلحة، هجرْناه؛ لأنَّ الهجْر حينئذٍ دواء، أمَّا إذا لم يكُن فيه مصلحةٌ، أو كان فيه زيادة في المعصية والعتوِّ فإنَّ ما لا مصلحةَ فيه، فتركُه هو المصلحة". اهـ، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: