اختلاط المال الحرام بالحلال
تُبْتُ إلى الله من أفعال كثيرة كنت أفعلها أيام الصبا، فقد سرقتُ أكثر من مرَّة من أصدقائي وأقاربي عدَّة أشياءَ وأموالاً وبعض الذهب، وتبت إلى الله وعزمت على عدَم الرُّجوع إلى السَّرقة والنَّصب، والذي فعلتُه من 30 عامًا مضت، وإلى الآن لم آخذ شيئًا من أحد أو أنصب على أحد.
المشكلة الآن أنَّ هذه النُّقود التي سبقَ وسرقتُها لم أعد أعرف بعضَ أصحابِها؛ لبعد الزَّمن، وقد كافحتُ خِلال حياتِي، واشتريتُ بعض الأشياء، وعمِلت مشروعًا صغيرًا أكسب منه بعض الأموال؛ ولكنَّ هذا المشروع طبعًا اختلطتْ فيه أموالي مع بعْض الأموال التي أخذتُها من النَّاس بغير وجْه حقٍّ، ولا أتذكَّرُهم الآن.
فسؤالي: هل النقود التي أكسبها من هذا المشْروع تعتبر حلالاً أستطيعُ أن أتصدَّق منها مثلاً وآكل منها؟
أنا فعلاً تبْتُ إلى الله، ولم ولن أفعل أي شيء، ومواظبة على الصَّلاة وكل تعاليم الدين منذ زمن بعيد، وهي توبة صادقة - إن شاء الله.
ما هو السبيل لمعالجة اختِلاط نقودي الحلال مع الحرام وأنا لا أستطيع أن أجزم فيها بشيء؟
أفيدوني برسالة مفصَّلة أفادكم الله، حيث إنَّني في حيرة شديدة من أمري؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا شكَّ أنَّ السَّرقة محرَّمة وأكبر الكبائر والذُّنوب، وقد سبق تفصيل هذا في فتوى: "سرقة العين المحرمة".
والواجب: ردُّ ما سرقتِ أو أخذتِه بغير وجْه حقٍّ إلى أصحابِه إن كانوا معلومين، فإن عجزْتِ عن معرفتِهم بعد مُحاولات متكرِّرة، وبحثٍ جادٍّ، فلتُخْرِجي تلك الأموال أو قيمتها؛ إن كانت أشياء عينية في مصالح المسلمين؛ حتَّى تبرأ ذمَّتُك أمام الله - عزَّ وجلَّ - وذلك إن كنت تعلمين مِقْدار تلك الأموال، فإن خفِيَ عليْك مقدارُها، فاجتهِدي قدْر المستطاع، ولتتوخَّيِ الحذَر، ولا تُكلَّفين - إن شاء الله - أكثر من ذلك.
ثمَّ إنَّ عليك أن تُكثري من أعمال البرِّ؛ فإنَّ أصحاب الحقوق قد يُطالِبونَك بِها يوم القيامة، والله حكَمٌ عدْل، فقد يوفِّيهم إيَّاها من حسناتِك، فعليْك أن تكثري من الحسنات؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
وأمَّا المشروع الذي أقمتِه من مال مختلط، فيحلُّ لك الإنفاق منه والتصدُّق وغير ذلك، لا سيَّما بعدما تَجتهدين في إخْراج القدْر الحرام منه.
واللهَ نسأل أن يثبِّتَك على الحقِّ، وأن يلْهِمك رشدك، ويعيذَك من شر نفسك.
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: