عقوباتُ الزاني المغتصب

منذ 2014-05-19
السؤال:

اغتصب شابٌ فتاةً رغماً عنها، وحملت منه، واعترف الشاب بفعلته النكراء، فماذا يترتب على جريمته من حقوقٍ للفتاة، وهل يجوز إسقاطُ الجنين؟ 

الإجابة:

أولاً: الاغتصابُ في الغالب يقع من الرجل على المرأة، والمقصود هو إرغام المرأة على الزنا، أو مواقعتها رغماً عنها، أي بغير رضاها، فإن كان الوقاع برضاها، فهو زناً. والاغتصاب زناً، وهو جريمةٌ يُعاقب عليها الشرعُ، ويُعتبر من كبائر الذنوب، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [سورة الفرقان الآيات 68-70]. وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النور الآية 2]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (رواه البخاري ومسلم). وإذا أُضيف الإكراهُ إلى الزنا، كانت الجريمة أكبر، والإثم أعظم على الرجل المغتصب، ولا إثم على المغتصَبة ولا عقوبةَ عليها، كما سيأتي.

ثانياً: الواجب الشرعي يقتضي أن تدافع المرأة عن عرضها حال تعرضها للاغتصاب، وتدفع المغتصبَ بكل طريقةٍ تقدر عليها، ولو أدى ذلك إلى قتلِ المغتصَبة، فقد ورد في الحديث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال‏: ‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏: ‏ «من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون دمه فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون دينه فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيدٌ» (رواه أبو داود والترمذي وقال‏: ‏حديث حسن صحيح). ‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قُتل دون مظلمته فهو شهيدٌ» (رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع). وإذا قَتلتْ المغتصَبةُ المغتصِبَ، فلا شيء عليها، وقد نقل ابن المنذر عن الإمام الشافعي: [أن مَنْ أُريد مالُه أو نفسُه أو حريمُه ولم يمكنه الدفعُ إلا بالقتل، فله ذلك، وليس عليه قَودٌ ولا ديةٌ ولا كفارةٌ] سبل السلام3/507. وقال الإمام النووي: [أما الصائل فكل قاصدٍ من مسلمٍ وذميٍّ وعبدٍ وحرٍّ وصبيٍّ ومجنونٍ وبهيمةٍ يجوز دفعه، فإن أبى الدفع على نفسه، فلا ضمانَ بقصاصٍ ولا ديةٍ ولا كفارةٍ ولا قيمةٍ] روضة الطالبين7/391. وقال ابن قدامة: [ومن صال عليه آدميٌ أو غيره فقتله دفعاً عن نفسه لم يضمنه؛ لأنه قتله بالدفع الجائز، فلم يجب ضمانه] الشرح الكبير5/455. [وإنْ قتلَ المصولُ عليه الصائلَ دفاعاً عن نفسه ونحوها، فلا ضمان عليه -عند الجمهور- بقصاصٍ ولا ديةٍ ولا كفارةٍ ولا قيمةٍ، ولا إثم عليه، لأنه مأمورٌ بذلك] الموسوعة الفقهية الكويتية 28/106.

ثالثاً: اتفق أهل العلم على أن الفتاة المغتصَبةُ لا إثمَ عليها، لأنها مكرَهةٌ، لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي). كما أن المكرَهةَ لا حدَّ عليها، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا حدَّ على مكرَهةٍ في قول عامة أهل العلم، روي ذلك عن عمر والزهري وقتادة‏‏ والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏ «عفي لأمتي عن الخطأ‏، ‏والنسيان وما استكرهوا عليه‏». ‏وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه ‏ «‏أن امرأة اسْتُكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأَ عنها الحدَّ» (‏رواه الأثرم). قال‏: ‏(وأُتيَ عمرُ بإماءٍ من إماء الإمارة‏، ‏استكرههن غلمانٌ من غلمان الإمارة، فضرب الغلمانَ ولم يضربْ الإماء). وروى سعيد بإسناده عن طارق بن شهاب‏: ‏قال‏: ‏أُتيَ عمرُ بامرأةٍ قد زنت‏، ‏فقالت‏: ‏إني كنتُ نائمةً، فلم أستيقظ إلا برجلٍ قد جثم عليَّ، فخلى سبيلها ولم يضربها، ولأن هذا شبهة‏، ‏والحدودُ تُدرأُ بالشبهات، ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء، وهو أن يغلبها على نفسها، وبين الإكراه بالتهديد بالقتل ونحوه، ونصَّ عليه أحمد‏، ‏في راعٍ جاءته امرأةٌ قد عطشت، فسألته أن يسقيها‏، ‏فقال لها‏: ‏أمكنيني من نفسك. قال‏: ‏هذه مضطرةٌ. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة استسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت‏، ‏فرُفع ذلك إلى عمر فقال لعلي‏: ‏ما ترى فيها‏؟ ‏قال‏: ‏إنها مضطرةٌ، فأعطاها عمر شيئاً وتركها‏] المغني 9/59-60‏.

رابعاً: عقوبة المغتصب هي إقامة حدِّ الزنا عليه، فإن كان المغتصبُ عزباً، فجلد مائة وتغريب عامٍ، وإذا كان محصناً فالرجم، للآية السابقة، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البكرُ بالبكر مائةُ جلدةٍ وتغريبُ عام» (رواه مسلم). ولما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية واليهوديين اللذين زنيا، وهو قول جمهور العلماء. وقال المالكية في قولٍ لهم والشافعية في قولٍ لهم أيضاً يُطبقُ حدُّ الحرابة على المغتصب، وهو المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة المائدة الآية 33]. وقول الجمهور أرجح.

خامساً: يضمن المغتصبُ مهرَ المثل للمغتصبة، على قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجب المهرُ للمنكوحة نكاحاً صحيحاً والموطوءة في نكاح فاسد والموطوءة بشبهة بغير خلافٍ نعلمه. ويجب للمكرَهة على الزنا... وذكر القاضي أن أحمد قد قال في رواية أبي طالب في حق الأجنبية إذا أكرَهَها على الزنا‏ ‏وهي بكر‏ٌ: ‏فعليه المهر وأرشُ البكارة، وهذا قول الشافعي. . . ولنا ‏‏قول النبي صلى الله عليه وسلم‏: «فلها المهرُ بما استحلَّ من فرجها». ‏وهذا حجةٌ على أبي حنيفة، فإن المكْرِهَ مستحلٌ لفرجها، فإن الاستحلال، الفعلُ في غير موضع الحل‏، ‏كقوله عليه السلام‏: ‏‏ «‏ما آمنَ بالقرآن من استحلَّ محارمه»‏] المغني 8/98.

سادساً: قال الشافعية على المغتصب أيضاً أَرشُ البكارة، إن كانت المغتصبة بِِكراً، أي ضمان غشاء البكارة، وهو قولٌ عند الحنابلة أيضاً، قال الإمام النووي: [لبكارة المرأة حالان أحدهما: أن يزيلها من لا يستحق افتضاضها، فإن أزالها بغير آلة الجماع كالأصبع والخشبة، لزمه أرش البكارة... وإن كانت مكرَهًة أو كان هناك شبهة نكاح فاسد أو غيره فوجهان: أصحهما وهو المنصوص، أنه يجب مهرُ مثلِها ثيباً، وأرش البكارة] روضة الطالبين3/385.

ومقدار أرش البكارة فيه خلافٌ بين الفقهاء، فمنهم من قال فيه حكومةُ عدلٍ، والمقصود الواجب الذي يقدره عدلٌ في جناية ليس فيها مقدارٌ معينٌ من المال. [حكومةُ عدلٍ، وهي تختلف باختلاف الأحوال والمجتمعات، لأنه إتلاف جزءٍ لم يردْ الشرعُ بتقدير عوضه، فرجع في ديته إلى الحكومة، كسائر ما لم يقدر، والمقصود بالحكومة هنا، اجتماع مجموعةٍ من أهل الخبرة العدول لتقدير هذا الأرش] مركز الفتوى على الإنترنت. ومنهم من قال يكون تقدير أرش البكارة بناءً على اختلاف مهرها فيما لو كانت بكراً أو ثيباً، قال العلامة العثيمين: [وأرش البكارة هو فرقُ ما بين مهرها ثيباً ومهرها بكراً، فإذا قلنا: إن مهرها ثيباً ألف ريال، ومهرها بكراً ألفان، فيكون الأرش ألف ريال] الشرح الممتع 12/313.

سابعاً: من المعلوم أنه قد يكون في حالات الاغتصاب عنفٌ جنسيٌ، وخاصةً إذا كانت المغتصبة فتاةً صغيرةً في العمر، فإذا أدى الاغتصابُ إلى الإفضاء وهو: [خلط السبيلين، مثل أن يجامع الرجلُ امرأته الصغيرة التي لا تحتمل الجماع، فيصير مسلكيها مسلكاً واحداً] الموسوعة الفقهية الكويتية5/296، ففي حالة الإفضاء يجب على المغتصب الدِّيةُ أيضاً باتفاق الفقهاء، واختُلف في تقديرها، فالحنفية والحنابلة على أنها ثلثُ الدِّية، وقال المالكية فيه حكومةُ عدلٍ، وقال الشافعية فيه الدِّيةُ كاملةٌ، ووافقهم الحنفية فيما إذا أفضاها فلم تمسك البول. روى ابن أبى شيبة في المصنَّف عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الإفضاء بثلث الدِّية، ولا يُعرف له مخالف من الصحابة. انظر المصدر السابق.

ثامناً: وأما بالنسبة لإسقاط الجنين الناتج عن الاغتصاب، فيجب أن يُعلم أن الأصل هو تحريم الإجهاض قبل مرور مائةٍ وعشرين يوماً على الحمل، إلا لعذرٍ مشروعٍ على الراجح من أقوال العلماء، وأما بعد مضي مائةٍ وعشرين يوماً على الحمل، فقد اتفق أهل العلم على تحريم الإجهاض في هذه الحالة؛ لأن الروح تنفخ في الجنين عند مرور تلك المدة على رأي كثيرٍ من العلماء، لما ثبت في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: «إن أحدكم يُجمع خَلْقُهُ في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيُأمر بأربعٍ: برزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم يُنفخ فيه الروح» (رواه البخاري). ويستثنى من هذا الحكم حالةٌ واحدةٌ فقط، وهي إذا ثبت بتقرير لجنةٍ من الأطباء الثقات أهلِ الاختصاص، أن استمرار الحمل يُشكل خطراً مؤكداً على حياة الأم؛ فحينئذ يجوز إسقاط الحمل. جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: [إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوهُ الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطرٌ مؤكدٌ على حياة الأم؛ فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهاً أم لا دفعاً لأعظم الضررين] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص123. وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية: [من الضروريات الخمس التي دلّت عليها نصوص الكتاب والسنة دلالةً قاطعةً على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها، حفظُ نفس الإنسان وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين سواء كانت النفس حملاً قد نفخ فيه الروح أم كانت مولودة. . . فلا يجوز الاعتداء عليها بإجهاض إن كانت حملاً قد نفخ فيه الروح أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها، طلباً لراحتها أو راحة من يعولها أو تخليصاً للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات والمشوهين والعاطلين، أو غير ذلك مما يدفع بالناس إلى التخلص لعموم قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقّ} وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح أصبح نفساً، يجب صيانتها والمحافظة عليها]. وأما إسقاط الجنين الناتج عن اغتصابٍ قبل المائة والعشرين يوماً فله وجهٌ شرعيٌ، وقال به بعض أهل العلم، وخاصةً إن خُشي قتلُ الأم بسبب الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد السائدة.

وخلاصة الأمر أن الاغتصاب هو إرغام المرأة على الزنا، وهو جريمةٌ يُعاقب عليها الشرع، ويُعتبر من كبائر الذنوب، وأن الواجب الشرعي يقتضي أن تدافع المرأةُ عن عرضها حال تعرضها للاغتصاب، ولو أدَّى ذلك إلى قتلِ المغتصَبة، فمن قُتل دون عرضه فهو شهيدٌ، وأن المغتصَبةَ إذا قَتلت المغتصبَ فلا شيء عليها، وأن الفتاةَ المغتصَبةُ لا إثم عليها لأنها مكرَهةٌ، وأن عقوبة المغتصب هي إقامة حدِّ الزنا عليه، فإن كان المغتصب عزباً، فجلد مائةٍ وتغريب عامٍ، وإذا كان محصناً فالرجم، وأن المغتصبَ يضمنُ مهرَ المثل للمغتصَبة، ويضمن المغتصبُ أيضاً أرش البكارة، إن كانت المغتصبة بِكراً، أي ضمان غشاء البكارة، ومقدارُ أرش البكارة فيه خلافٌ بين الفقهاء ذكرته سابقاً، وإذا أدى الاغتصابُ إلى الإفضاء فيجب على المغتصب الدِّيةُ أيضاً باتفاق الفقهاء، واختُلف في تقديرها، والراجح أنها ثلث الدية، وأن إسقاط الجنين الناتج عن اغتصابٍ قبل المائة والعشرين يوماً، له وجهٌ شرعيٌ، إن خُشي قتلُ الأم بسبب الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد السائدة.

والله الهادي إلى سواء السبيل. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.