لا يجوز الحج بالمال الحرام

منذ 2014-09-13
السؤال:

رجل فاز بمبلغ من المال في اللوتو ”اليانصيب” ويريد أن يحج من ذلك المال ويتصدق ببعضه على الفقراء والمحتاجين فما الحكم في ذلك؟

الإجابة:

إن اليانصيب أو اللوتو شكل من أشكال القمار المحرم بنص كتاب الله تعالى حيث قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة الآيات 90-91]. وهذا المال الذي حصل عليه هذا الشخص من اللوتو مال حرام لأنه مكتسب بطريق محرم وهو القمار أو الميسر حيث إن اللوتو أو اليانصيب يعتمد على الحظ وقد ورد عن محمد بن سيرين ومجاهد وعطاء أنهم قالوا: [الميسر كل شيء فيه حظ] انظر الميسر والقمار ص 28. وينبغي على السائل أن يتخلص من هذا المال الحرام بصرفه كله إلى الفقراء والمساكين أو صرفه في مصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو مستشفى أو إصلاح طريق ونحو ذلك ولا يحل له أن ينتفع به هو وأهله وعياله ولا يحل له أن يحتفظ بهذا المال لأنه اكتسبه من طريق غير مشروع. وقد نص كثير من أهل العلم على أن التخلص من المال الحرام يكون بالتصدق به فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: [عن رجل مرابٍ خلَّف مالاً وولداً وهو يعلم بحاله فهل يكون المال حلالاً للولد بالميراث؟ أم لا؟ فأجاب: أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا فيخرجه إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن وإلا تصدق به. والباقي لا يحرم عليه …] مجموع الفتاوى 29/307. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن امرأة كانت مغنية واكتسبت في جهلها مالاً كثيراً وقد تابت … فهل هذا المال الذي اكتسبته … إذا أكلت وتصدقت منه تؤجر عليه؟ فأجاب بأن هذا المال لا يحل للمغنية التائبة ولكن يصرف في مصالح المسلمين … إلخ) انظر مجموع الفتاوى 29/308-309. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب بأنه يخرج قدر المال الحرام فيرده إلى صاحبه وإن تعذر عليه ذلك تصدق به] مجموع الفتاوى 29/308. وقال الشيخ القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}  [سورة البقرة الآية 297]. ما نصه: [قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت رباً فليردها على من أربى عليه ويطلبه إن لم يكن حاضراً فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك. وإن أخذ بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب رده حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عٌرف ممن ظلمه أو أربى عليه فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبداً لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين … ]  تفسير القرطبي 3/366. ومما يدل على ذلك ما رواه أبو داود بإسناده عن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه. فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة فقالت: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إليَّ بها بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليَّ بها. فقال: أطعميه الأسارى»  وسكت عليه أبو داود والمنذري وقال الشيخ الألباني: رواه ابن منده في المعرفه ثم قال: وهذا سند صحيح. سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/394 وانظر المشكاة 3/1672. فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق بالشاة المطبوخة التي قدمت له ولأصحابه لما علم أن الشاة أخذت بغير إذن صاحبها. قال العلامة علي القاري: [فظهر أن شراءها غير صحيح لأن إذن جارها ورضاه غير صحيح]  مرقاة المفاتيح 10/297. ومما يدل على ذلك أيضاً ما تعددت به الروايات في قصة رهان أبي بكررضي الله عنه لبعض الكفار عندما نزل قوله تعالى: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بضع سنين} [سورة الروم الآيات 1-3]. وجاء في بعض روايات هذه الحادثة: [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: (هذا سحت فتصدق به) وكان هذا قبل تحريم القمار كما قال القرطبي، وقد ذكر ابن كثير والقرطبي عدة روايات لهذه الحادثة.  تفسير القرطبي 14/2-4، تفسير ابن كثير 3/422-424. وقال الإمام ابن كثير بعد أن ساق عدداً من روايات هذه الحادثة: [وقد روي نحو هذا مرسلاً عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم]  تفسير ابن كثير 3/423. وقد قاس بعض أهل العلم التخلص من المال الحرام بالتصدق به قاسوه على اللقطة إن تعذر ردها إلى مالكها فإن الملتقط يتصدق بها. انظر أحكام المال الحرام ص 362. وينبغي أن يعلم أن إخراج المال الحرام والتحلل منه ودفعه إلى الفقراء والمساكين ويسمى هذا الدفع صدقة بالنظر إلى الفقير لا بالنظر إلى المعطي ذلك أن التائب من المال الحرام بإخراجه إلى الفقراء والمساكين لأجل أن تقبل توبته لا لأجل الأجر والثواب فهذا الإخراج من مكملات التوبة وشروطها ولا أجر لهذا الشخص في تخلصه من المال الحرام. أحكام المال الحرام ص 411-412. ولا ينبغي لك أيها السائل أن تحج من هذا المال الحرام فالحج من أعظم الطاعات فينبغي أن يكون المال الذي ينفق فيه من أطيب المال وأحله. يقول الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [سورة البقرة الآية 117]. ويقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سورة المائدة الآية 27]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الله تبارك وتعال يقبل الصدقات ولا يقبل منها إلا الطيب» (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وقال الإمام البغوي: هذا حديث صحيح). شرح السنة 6/130. وفي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ولا يصعد إلى السماء إلا الطيب كأنما يضعها في يد الرحمن …» (رواه الشافعي وإسناده حسن). وفي حديث آخر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما تصدق أحد من صدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه … الحديث» (متفق عليه). 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.