حكم العمل في شركة للتَّأمين الصِّحِّي
وبعد، ما الحكم - يا فضيلةَ الشَّيخ – في العمل لدى شرِكة "ملاذ" للتَّأمين الصِّحِّي؟
علمًا بأنَّ هذه الشَّركة قد قامتْ بعمل عقْدٍ مع الغرفة التِّجارية الَّتي في مدينتِي، وأنا عاطل عن العمل، وشهادتي هي الكفاءة المتوسطة، وقد حصلْتُ على هذه الوظيفة بِمشقة، عن طريق شفاعة من أحد الأقارب.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فبِالرُّجوع لنشاط الشَّركة المذْكورة، وجِد أنَّها تقوم بِجميع أنواع التَّأمين العام، من التَّأمين على السيَّارات والممْتلكات وغيرها، وكذلك التَّأمين الصِّحِّي، وكذلِك تبيَّن لنا أنَّ أعْمالها في التَّأمين الصحِّي وغيره لا يَخرج عن التَّأمين التِّجاري المحرَّم، ذي القسْط الشَّهري، فالمشترِك يدْفع مبلغًا من المال تَمتلكه شركة التَّأمين، فإذا مرِض أو حصل له حادثٌ، استفاد، وإلاَّ ذهب مالُه، ثمَّ قد تكون الاستِفادة بمثل، أو أقلَّ، أو أكثَرَ ممَّا دفع، وفي هذا من الجهالة والغرَر، وأكْل المال بغير حقٍّ، أو الخسارة لأحد الطَّرفين.
والعقد إذا اشتمل على شرْطٍ فاسد، كان فاسدًا، والمراد من الغرَر هُنا المخاطرة، وهذا هو المتوفِّر في عقد التأمين، وهو في الواقِع عقد بيع مال بِمال، وفيه غرر فاحش، والغرر الفاحش يؤثِّر على عقود المعاوضات الماليَّة باتِّفاق الفقهاء؛ ولذلك اجتَمَعَتْ قرارات المجامع الفقهيَّة على تَحريم التَّأمين ذي الأقْساط الشهريَّة، ولم تستثْنِ إلاَّ التَّأمين التعاوُني.
قال العُثَيْمين في حكم التَّأمين الصحِّي التِّجاري: "مادام الرَّجُل يعلم أنَّ هذا من الميْسِر، فإنَّه لا يحلُّ؛ لأنَّه من عمل الشَّيطان، فليعتمِد على الله ويتوكَّل عليه، فإنَّ مَن يتوكَّل على الله فهُو حسبُه، ومن يتَّق الله يَجْعَل له مَخْرجًا، ويرزقْه من حيث لا يحتسب".
هذا؛ والعلماء لم يستَثْنوا إلا التَّأمين التعاوني، وهو أن يتَّفق عدَّة أشْخاص على أن يدفع كلٌّ منهم اشتِراكًا معيَّنًا؛ لتعويض الأضْرار الَّتي قد تصيب أحَدَهم إذا تحقَّق خطرٌ معيَّن، والعقود فيه ليستْ مشارطة (عقود المعاوضات)، وإنَّما تَجري مَجرى المسامحة (عقود التبرُّعات)، ولا يقْصِد المشترِكون فيه الرِّبْح من ورائه؛ ولكن يُقْصَد منه المواساة والإرْفاق، وهو من قبيل التَّعاوُن على البرِّ، وهو قليل التَّطبيق في الحياة العمليَّة.
قالت اللَّجنة الدائمة: "إذا كان واقع التَّأمين الصِّحِّي كما ذكرت، لم يَجُز؛ لما فيه من الغرَر والمخاطرة؛ إذ قد يَمرض المؤمَّن على صحَّتِه كثيرًا، ويُعال بأكثرَ ممَّا دفع للشَّرِكة، ولا تلزمه الزِّيادة، وربَّما لا يمرض مدَّة شهر أو شهريْن مثلاً، ولا يُرَدُّ إليْه ما دفعه للشَّركة، وكل ما كان كذلك فهو نوعٌ من المقامرة، وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم".
وعليه؛ فلا يجوز لك العمل في الشَّركة المذْكورة؛ لما فيه من المعاونة على الحرام؛ وقد قال - تعالى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]،،
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: