بر الأب بعد وفاته

منذ 2015-03-12
السؤال:

السَّلام عليكم ورحْمة الله وبركاته

إنَّني - سيدي الفاضل - عشت أيَّام عمري كلَّها لم أقدِّم شيئًا لأبي، ولا كنتُ بارَّة به، مع أنه - والله - كان نعم الأبُ في خُلُقه، وكل الكلام لا يعبِّر شيئًا عن شخصه الكَريم، ولا قلبه الرَّحيم؛ ولكنه كان مقصِّرًا في الصَّلاة، لا أعلم، يمكن بسبب مرضه.

لكن كانت صدْمة موته وفراقه مفجعة لي جدًّا، وأحس بتأنيب ضمير، لا أعرف ماذا أعمل؟ نفسي أقدِّم له عملاً صالحًا، نفسي أطلب منه الغُفْران، قد ختمت له القرآن، هل ذلك جائز؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ برَّ الوالدين لا ينقطِع بموتِهما، بل هو ممتد؛ فقد روى مسلم في صحيحه، عن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - مرفوعًا: «إذا مات ابنُ آدَم انقطع عملُه إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو عِلْم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

وروى الإمام أحمد: أنَّ رجُلاً سأل رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: يا رسول الله، هل بقِي عليَّ من برِّ أبويَّ شيء بعد موتهما أبرُّهما به؟ قال: «نعم، خصال أربع: الصَّلاة عليْهِما، والاستِغْفار لهما، وإنْفاذ عهدهما، وإكرام صديقِهما، وصلة الرَّحِم التي لا رحم لك إلاَّ من قِبلهما»؛ الحديث رواه أبو داود وابن ماجه.

فإذا كان والدك غير تارك للصلاة، ولكن حصل تقصير فيما ترين بسبب مرضه، لعله يؤجلها لقضائها فيما بعد جهلاً منه، فإن كان الأمر كذلك، فعليك بذل وسعك في الدعاء والاستغفار له، والصَّدقة عنه، مع التوبة مما قد فرط منكِ في حقِّه - فنرجو أن يحصل لكِ بذلِكَ ما تطلبينه من برِّ والدِك، ومحْو ما سلف منك من تفريط.

وكذلك، فإنَّ الصَّدَقَة يَنْتَفِعُ بِها المَيِّت بِاتِّفَاقِ المسْلِمِين، وقد وَرَدَتْ بِذَلِك عَن النَّبِيِّ - صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم - أحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، منها: قول سعد: يا رسول الله، إنَّ أمِّي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلَّمت تصدَّقت، فهل ينفعها أن أتصدَّق عنها؟ فقال: «نعم».

قال شيخ الإسلام: "وكذلك ينفَعُه الحجُّ عنْه، والأضحية عنه، والعتق عنه، والدعاء والاستغفار له، بلا نزاع بين الأئمَّة".

أمَّا قراءة القرآن للميِّت، فقد سبق الجواب في الفتوى: "حكم قراءة القُرآن للميِّت"، فلتراجع.

والله نسأل أن يرْحَم موتى المسلمين أجمعين،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام