بر الوالد بعد وفـاته

منذ 2015-04-25
السؤال:

كان أبي يعاملني في طفولتي كصديق له فلما كبرت كان قد ضعف بصره وكنت قد انشغلت عنه، فكنت لا أجلس معه إلا قليلاً  كان يجلس كثيراً وحيداً، ثم سافرت مدة عامين  وفي أثناء سفري أحسست بذنبي فنويت عندما أعود إليه أن لا أدعه وحيدًا أبدًا، لكن توفي أبي -رحمه الله- قبل أن أرجع، فلم أره، وقلبي الآن يحترق، فماذا أفعل من الخير لأبي حتى أحس بالراحة؟ 

 

الإجابة:

رحمنا الله وإياه وغفر لنا وله، هذا يقول إن أباه يعامله في طفولته معاملة الصديق فأبوه بعد إحسانه إليه الإحسان الأكبر وهو من كان سببًا لوجوده في هذه الدنيا، كان يعامله بالحسنى وهو صغير، فيترفق به ويلطف به كأنه صديق له، كبر هذا الولد فماذا كان موقفه من هذا الوالد الرفيق المحسن؟ يقول فلما كبرت كان قد ضعف بصره، يعني زادت حاجة الوالد إلى الولد فماذا كان من الولد؟ الولد انشغل عن أبيه وهذا أمر عادي وطبيعي أنّ الولد إذا كبر يتزوج ويتوظف وتكثر مشاغله وتكثر التزاماته هذا أمر عادي وطبيعي، لكن مع ذلك كله لا ينبغي له بحال ولا يسوغ له بأي حال من الأحوال أن ينشغل عن والديه، ليس ذلك بمبرر أن ينشغل عن والده لاسيما مثل هذا الوالد الرفيق الذي يتعامل معه بهذه الطريقة، ولا يعني أن غيره من الآباء لو لم يتعامل بهذه الطريقة أن حقوقهم تهدر، لابد أن يعتنى بشأن الوالدين فحقهما عظيم جدًا بعد حق الله -جل وعلا- يقول فلما كبرت كان قد ضعف بصره وكنت قد انشغلت عنه فكنت لا أجلس معه إلا قليلًا، لا شك أنه إذا كان كثرة الجلوس مع أبيك يخل بمصالحك التي أنت محتاجٌ إليه وتتضرر بتركها هذا له حكم، لكن ينبغي أنه إذا كانت مشاغلك لا تضر بك ولا بمصالحك فإن هذا حرمان، انشغالك عنه بهذه الأسباب التي لا تضر بك حرمان والأب ومثله الأم باب من أبواب الجنة، قد تفيق في يوم من الأيام وقد أغلق هذا الباب دونك، فاستغل هذا السبب الموصل إلى رضوان الله -جل وعلا- وجناته مادام موجودًا قبل أن تندم ولا ينفعك الندم. يقول: فكنت لا أجلس معه إلا قليلًا، فكان يجلس كثيرًا وحيدًا ثم سافرت وهذا أشد لأن نعمة الولد إنما تكمل إذا كان حاضرًا عند والديه شاهدًا عندهما ولذلك امتن الله -جل وعلا- على الوليد بن المغيرة بقوله من ضمن نعمه عليه التي امتن بها عليه {وبنين شهودًا} لأن الولد الذي يسافر السنين الطويلة من غير ما ضرورة هذا نفعه لوالديه أقل، وأيضًا فإن امتنان الوالدين به وانتفاعهما به أقل، يقول وفي سفري أحسست بذنبي فنويت عندما أعود إليه أن لا أدعه وحيدًا، لو نوى أن يعود إليه لاشك أن الندم توبة، لكنه يقول: نويت عندما أعود، متى يعود؟ المفترض أن ينوي العودة إليه إلا إذا كان في أمر لا يستطيع تركه فهذا شيء آخر، يقول: فنويت عندما أعود إليه أن لا أدعه وحيدًا أبدًا وأنا منذ عامين وأنا مسافر فمات أبي ولم أره ولكن قلبي الآن يحترق، نعم اندم وابك على خطيئتك فيرجى أن يتجاوز الله عنك وأكثر من دعائك لوالدك، يقول: فماذا أفعل من الخير لأبي حتى أحس بالراحة، أكثر من دعائك له وأكثر أيضًا من الصدقة عنه وصل من يوصل بسببه من أقاربه ومعارفه وأصدقائه وحينئذٍ نرجو أن تكفر عنك هذه الخطيئة وأن تحس بالراحة بعد ذلك والله أعلم.

عبد الكريم بن عبد الله الخضير

عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.