الشذوذ الجنسي غير المادّي

منذ 2015-06-05
السؤال:

أنا شاب أبلغ من العمر 25 أعاني من الشُّعور بالميْل لرؤْية الرِّجال - الوسيمين  الَّذين لهم أجسام جذَّابة - عراة عن طريق الإنترنت.

وأُحاول مرارًا وتكرارًا أن أُزيل هذه النَّزعة وأن أعود لله - بعد النَّدم والانزعاج - وذلك بالدعاء، علمًا أنَّني إنسان مؤمنٌ لا أتوانى في أداء أيٍّ من العبادات.

وأمَّا جذور هذه المشكِلة، فأشعر أنَّني لديَّ هذه الرَّغبة منذ الصِّغَر قبل البلوغ، ولعلِّي أعزوها إلى خجَلي الشَّديد من الجنس الآخر والخوف من الاقتِراب منه، وأنَّني أحبّ أن أرى ماذا عند غيري من خصوص "ما داخل اللّباس".

علمًا أنَّني لم أقترف أي فاحشة اللِّواط، لا في الحاضر ولا في الماضي، ولكن كل ما أعاني منه هو محاولة رؤية خصوصيَّة الرّجال الجسميَّة، أو بالأحرى الرَّغبة في رؤيتِهم عراة، وبعد ذلك أفرغ انفِعالي بالعادة السّرّيَّة، وأنا منزعِج جدًّا من ذلك ولا أجرؤ على البوح لأحد بهذا الشَّيء.

وأُريد أن أعرف تداعِيات هذه النَّزعة السيِّئة إذا أقبلت على الزَّواج، علمًا أنَّني لا أحبّ رؤْية النِّساء عراة، لا أدْري لماذا؟ ولا أستطيع تحديد ميولي للجِنْس الآخر، علمًا أنَّني لا أشعر بالرَّغبة في عمل الرَّذيلة مع الرِّجال بل أكتفي بالنَّظر.

أرجو أن تتكرَّم وتدلَّني على سبيل العلاج، علمًا أنَّني لا أملك الجرأة أن أقول هذا الكلام أمام الطَّبيب النَّفسي وجْهًا لوجْه.

شكرًا جزيلًا.

الإجابة:

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أمَّا بعد:

فالواجب على مَن شعر برغبات شاذَّة منعكسة، التَّداوي بأدْوية الشَّرع؛ كما ثبت عند أحْمد وأبي داود، عن أبي الدَّرْداء - رضيَ الله عنْه - قال: قالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّ الله أنزل الدَّواء، وأنزل الدَّاء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً؛ فتداوَوا، ولا تتداوَوا بحرام».

وليعلم، إن الخلُق والقِيَم والمشاعر منها ما هو فِطريٌّ، ومنها ما هو مكتَسَبٌ، وقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأشَجّ عبد القيس:
«إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْن يحبُّهما الله: الحِلْم والأنَاة»، قال: يا رسولَ الله، أنا أتَخَلَّقُ بهما أمِ الله جَبَلَنِي عليهما؟ قال: «بل الله جَبَلَكَ عليْهِما»؛ رواه مسلمٌ، وأبو داود واللَّفظ له.

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
«ومَن يسْتَعْفِفْ يُعِفَّه الله، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِه الله، ومَنْ يتصبَّر يُصَبِّرْهُ الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ منَ الصَّبر»؛ متَّفقٌ عليْه، وهذا الدَّليل يصحُّ أن يكون جوابًا مستقلاًّ عن تلك المسألة.

فننصَح الأخ السَّائل بالعلاج النفسي والإيماني، وأن تتعلَّم كيف ترْضَى بما قسمه الله لك، ولتُجاهدْ نفسَك في ذات الله؛ ليتحقَّق لك الشفاء؛ كما قال الله تعالى: {
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

وهذه الطَّريقة هي الَّتي سلكها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في علاج الانحِراف السُّلوكي المتمكِّن في النَّفس البشريَّة، بحيث يبْدو في ظاهر الحال أنَّه يستحيل العلاج؛ فقد روى أبو أُمامة أنَّ غلامًا شابًّا أتى رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله، ائذن لي في الزِّنا، فصاح النَّاس، فقال:
«مَهْ»، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أقِرُّوهُ، ادْنُ»، فدنا حتَّى جلس بين يَدَي رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال له رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «أتحبُّه لأمِّك؟» قال: لا، قال: «وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لأمَّهاتهم، أتحبُّه لابنتِك؟» قال: لا، قال: «وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لبناتهم، أتحبُّه لأختك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبُّونه لأخواتهم، أتحبُّه لعمَّتك؟» قال: لا، قال: «وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لعمَّاتهم، أتحبُّه لخالتِك؟» قال: لا، قال: «وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لخالاتهم»، فوضع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدَه على صدْرِه وقال: «اللهُمَّ كفِّر ذنبَه، وطهِّر قلبَه، وحصِّن فرجَه»؛ رواه أحمد والطَّبرانيُّ في "الكبير".

فعليْكَ بالإكْثار من الطَّاعات مع الصَّبْر، واللُّجوء إلى الله، ومُجالسة الصَّالحين، والتعوُّذ بالله منَ الشَّيطان ووساوسِه، وتقْوية العزيمة، فالصَّحابة - رُضوان الله عليهم - كانوا مدْمنين للخمْر قبل تحريمها، بحالةٍ قريبةٍ من الحالة المذْكورة في السؤال، ولكن لمَّا تمكَّن الإيمان من جذر قلوبهم، بادروا بسكْبها، وسارعوا لكسر الدِّنان، فور تحريمها، وقُضِيَ الأمر.

فالشَّرع لا يستسلِم لطبيعة الإنسان، أو لما اعتاد عليه وأدمنه، وإنما يُطالب بتقويمها كقَدرٍ شرعيٍّ؛ فكلُّ مَنْ به خَصْلَةُ سوء فهو مطالبٌ بتقويمها؛ ولذلك قال النبيُّ عندما غضِب الرَّجُل:
«إني لأعلمُ كلمةً لو قالها، لذهب عنه الَّذي يَجِدُ»، وقال لمَن لم يستطعِ الزَّواج: «عليه بالصوم، فإنَّه له وِجَاءٌ»، وهكذا.

فهذا هو سبيل النبيِّين في تقْويم غرائز الإنسان بما افترضه الله عليْه من تكاليف؛ فالإنسان مفطورٌ على المَيْل لجميع الشهوات؛ كما قال تعالى: {
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14].

ولكنَّ الشرع أمرَه بالاستمتاع بالمباح منها وتَرْك ما حرَّم، ونهاه عن جميع الفواحش، ما ظهر منها وما بَطَن، فكلُّ خَصْلَةٍ في الإنسان من خصال الشَّرّ يترتَّب عليها تكليفٌ بالكَفِّ، وإباحة البدائل المشروعة.

والحاصل أن الواجب عليكَ أخذ النفس بالشدة، وعدم الاسترسال مع ذلك الشعور الشاذ، والعمل على كل ما من شأنه أن يقوي إيمانك، من قراءة القرآن بتدبر، والمحافظة على الفرائض والسنن، مع إدمان الذكر، ولتقطع الطريق على نفسك بعدم الدخول على المواقع التي ترى فيها تلك الصور، كما ننصحك بعدم التردد في عرض نفسك على طبيب نفسي، صاحب أمانة ودين،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام