ربط الدّيون بمستوى الأسعار

منذ 2015-08-21
السؤال:

اشترى رجُلٌ من ورثة أخيه نصيبَهم في بيت (نصيبهم 23 مترًا) منذ 10 سنوات بـ 1800 جنيه؛ لكنَّه دفع 300 جنيه فقط من المبلغ حينَها، على أن يسدِّد الباقي حين يتيسَّر له المال.

وعندما تيسَّر المال وذهب لسدادِه رفضوا، وقالوا: قيمة نصيبِنا اليوم أغْلى من السَّابق، حاسِبْنا بسعْر اليوم.

قال: نحنُ اتَّفقنا على السعْر وتمَّ البيع، وما لكم عندي هو دَين من المال.

حكَم بعضُ النَّاس أن يقع البَيع بقِيمة 300 جنيه فقط من نصيبهم، ويُعْتبر ما لمْ يسدَّد ثمنُه لاغيًا، فحسب له أنه اشترى 4 أمتار فقط، وباقي البيع لاغٍ؛ لأنَّه لم يسدّد ثمنه.

وحكمَ آخر بأن تُحْسَب قيمته بسِعْر الذَّهب حينها والآن، وقال: البنكنوت غير معترف به شرعًا، فنحْسب الـ 1800 وقتَها: كم كانت تشتري من جرامات الذَّهب؟ ويكون لهم نفس الجرامات الآن.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فأكثرُ أهل العلْم على أنَّ الدين يُقضى بمثله، بغضّ النَّظر عن قيمتِه وقت الأداء، سواءٌ ارتفعتْ قيمته أو انخفضتْ، إلاَّ أن يَحلَّ أجل القضاء ولم يوجد المِثْل؛ إمَّا لإلغاء العملة التي تمَّ القرْض بها، أو غير ذلك، ففي هذه الحالة يتمّ تسديد الدَّين بالقيمة السوقيَّة زمن القرض.

جاء في "كشَّاف القناع": "ويَجب على المُقترِض ردّ مثلٍ في قرض مَكِيل وموزون، سواء زادت قيمتُه عن وقت القرض أو نقصت، فإنْ أعوز المثل فلم يوجد، لزم المقترِضَ قيمتُه يوم إعوازه؛ لأنها حينئذ تثبت في الذمَّة". اهـ.

وهو ما قرَّره مجمع الفقْه الإسلامي المُنعقِد في دوْرته الخامسة: "أنَّ العِبرة في وفاء الدّيون الثَّابتة بعملةٍ ما هي بالمِثل وليس بالقيمة؛ لأنَّ الديون تُقضى بأمثالها، فلا يَجوز ربط الدّيون الثابتة في الذّمَّة - أيًّا كان مصدُرها - بمستوى الأسعار".


وعليه؛ فالواجب عليْه هو ردّ الدَّين المتبقّي عليه لا أكثر، وهو (1500 جنيه فقط).

ولكن إن أراد هذا الرَّجل أن يَزيد لهم المبلغ على سبيل الإكْرام والتبرُّع، فلا بأس؛ بل يُستحبُّ ذلك؛ لكونِه من حُسن القضاء، وقد ثبتَ في "البخاري" و "مسلم" وغيرِهما من حديث أبي هُريرة قال: كان لرجُل على النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سِنّ من الإبل، فجاء يتقاضاه، فقال: «أعطوه»، فطلبوا سِنَّه، فلم يجدوا إلا سنًّا فوقها، فقال: «أعطوه»، فقال: "أوْفيتني، أوفاك الله"، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّ خيركم أحسنكم قضاء».

وعن جابرٍ قال: "أتيت النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان لي عليه دَين، فقضاني وزادني"؛ متَّفق عليه.

قال الإمام
الشَّوكاني في "النَّيْل": "وأمَّا الزيادة على مقْدار الدَّين عند القضاء بغير شرْط ولا إضمار، فالظَّاهر الجواز، من غير فرْق بين الزيادة في الصِّفة والمقْدار، والقليل والكثير؛ لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعِرْباض وجابر، بل هو مُستحبّ؛ قال المحاملي وغيرُه من الشَّافعية: "يُستحَب للمُستَقرِض أن يَردَّ أجودَ ممَّا أخذ؛ للحديث الصَّحيح في ذلك"، يعني: قوله: «إنَّ خيركم أحسنكم قضاء»".

وممَّا سبق من نُقول أهل العلم يتبيَّن الخطأ الظَّاهر في الحكمين المذكورين في السؤال،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام