كيف أتخلص من فتنة المناظر الخليعة والمواقع الوضيعة
السؤال الأول: أنا شابٌّ عمري 37 سنة ومتزوج، وعندي 3 بنات، أنا كنت أنظر للصور والمقاطع الخليعة من النت من فترات طويلة، ومدمن على ذلك، ثمَّ توقَّفت عنه من قبل 7 شهور تقريبًا؛ لكن في خلال 7 أشهر كنتُ أضعف وأرجع إليه؛ لأني أحس لدي برغبة في الرجوع، وعندما أرجع إليه لمدَّة ساعتين تقريبًا، وبعد ما أقضي حاجتي، أتأسف وأندم وأتوب مرَّة أخرى، ويتكرَّر هذا معي كثيرًا: أضعف وأرجع أتوب مرَّة أخرى بعد شهر أو أسبوعين.
ومن ثلاثة أشهر التزمت وبدأت أطلِق اللِّحية وأقصِّر الثَّوب؛ ولكن أُحسُّ أن لديَّ رغبة في الرجوع، وأضغط على نفسي حتى لا أرجع، لكن أحيانًا أضعف ثم أعود للتوبة؛ لكن أُحِسُّ لديَّ بالرغبة في العودة مرَّة أخرى؛ لأني عندي شهوة قويَّة، بمجرد أن ألمح شيئًا أو أحد عبر أمامي، فتاة أو امرأة - أحس بشهوة قويَّة.
من يومين حاولت أن أضغط على نفسي؛ لكن ضعفت وعدت، بل أمس لمدة ساعتين تقريبًا، أحس عندما أرجع أرجِع تدريجيًّا، وأنا الآن أحس أنَّ عندي شهوة قويَّة ترغمني أن أرجع إلى ذلك، فما الحل وما العلاج؟ وهل أنا مقبول عند الله وسيغفر لي أو لا؟
أريد أن أبتعد عن المناظر الخليعة، ولكن أحسُّ بالشهوة والرغبة في الرجوع، وكلما تعوَّذت من الشَّيطان أرجع مرَّة أخرى، وتأتيني أفكار سيئة، ولا أحس بتأثير قراءة القرآن ولا الصلاة، ولا أشعر بالخشوع.
أفدني يا فضيلة الشَّيخ، وجزاك الله خيرًا.
السؤال الثاني: أنا أسرح كثيرًا في كل وقت في الصلاة، أو في أي وقت، حتى وأنا جالس أسرح كثيرًا، ولا أحس بالخشوع، أو أي تأثير بالصلاة، ولا عندي تركيز في الصلاة، قليل من التركيز أثناء الصَّلاة، هل صلاتي صحيحة أو لا؟
كيف أتخلَّص من كل هذا؟ أريد الخُشوع والتَّركيز، والتقرُّب إلى الله.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ ما تشاهِده من مقاطعَ وصورٍ خليعة على مواقع الإنترنت المنحرِفة هو سبب ما تشعر به من ثوران الشَّهوة؛ لأنَّ تلك القاذوراتِ تستدعي الشَّهوة وتؤجِّجها، وتذْكي نارَها، فابتعِد عن المهيِّجات من الصور والأفلام الجنسيَّة والأغاني، وحتَّى لو كانت شهوتك شديدة، فلا تعالج بِما حرَّم الله - تعالى - فالوسيلة لا بدَّ وأن تكون مشروعة، واحذر من الجرْأة على مَحارم الله - تعالى - ولا تعرِّض نفسَك للفتن، وتطلِق لها العنان ترتع في مهاوي الرَّذيلة بلا رقيب ولا حسيب.
أمَّا الأضرار الَّتي يقع فيها المجترئ على تلك المواقِع، فحدِّث ولا حرج، من قسْوة القلْب، وإفْساد المزاج، والزُّهد في الحلال، وإدْمان ذلك، وتَهوين الفواحش في النُّفوس، والهوس والسعار الجنسي، وغيرها كثير.
وتأمل - رعاك الله - الناجع الذي يصفه طبيب القلوب ابن القيم في "الجواب الكافي" حيث يقول: "فلو نظر العاقل ووازن بين لذَّة المعصية وما تولّد فيه من الخوف والوحشة، لعلِم سوء حاله، وعظيم غبْنه؛ إذْ باع أنسَ الطَّاعة وأمنَها وحلاوتَها، بوحشة المعصية وما تُوجبه من الخوف.
إِذَا كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ فَدَعْهَا إِذَا شِئْـتَ وَاسْتَأْنِـسِ
وسرُّ المسألة: أنَّ الطَّاعة تُوجب القُرب من الرَّبِّ - سبحانه - وكلَّما اشتدَّ القرب قوي الأنس، والمعصية توجب البعد من الرَّبِّ، وكلَّما زاد البُعْد قوِيت الوحْشة؛ ولهذا يَجد العبد وحشةً بيْنَه وبين عدوِّه؛ للبعد الَّذي بيْنهما، وإن كان ملابسًا له قريبًا منه، ويجد أنسًا قويًّا بينه وبين من يُحب، وإن كان بعيدًا عنْه، والوحشة سبَبُها الحجاب، وكلَّما غلظ الحِجاب زادت الوحشة، فالغفْلة تُوجب الوحشة، وأشد منها وحشة المعصية، وأشد منها وحشة الشِّرك والكفر، ولا تَجد أحدًا يُلابس شيئًا من ذلك إلاَّ ويعْلوه من الوحشة بِحسب ما لابَسه منه، فتعلو الوحشةُ وجْهَه وقلْبَه، فيستوْحِش ويُستوحَش منه".
فالواجب عليك: الفِرار إلى الله بصدق، مع أخْذ النفس بالشِّدَّة وعدم التَّهاون معها، وعدم التعلل بحجج واهية من شدة الشهوة وما شابه، فلا يوجد دواء في معصية الله ألبتة، بل في التوبة النصوح والعزم الأكيد على عدم العود، وتقطع النفس بالندم على ما فات، وراجع الفتويين: "كيفية التوبة وشروطها"، "التوبة التي يرضاها الله"، والاستشارتين: "كيف أشعر بالتوبة؟"، "الهداية".
أمَّا كوْنُك تتوب ثمَّ تعود، فلا يَحملنَّك هذا على ترْك التَّوبة أو القنوط أو ما شابه؛ بل كلَّما أذنبت ذنبًا فأحدِث توبة وندمًا واستغفارًا، وعزمًا أكيدًا على عدم العود؛ ففي الصَّحيحين عن أبي هُرَيْرة عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيما يَحكي عن ربِّه - عزَّ وجلَّ - قال: « ».
وقوله: « »؛ أي: ما دمتَ على تلك الحال، تذنب ثمَّ تتوب.
قال أبو العباس القرطبي: يدلُّ على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله وسَعة رحمتِه، وحلمه وكرمه، ولا شكَّ في أنَّ هذا الاستغفار ليس هو الَّذي ينطق به اللسان، بل الَّذي يثبت معناه في الجَنان، فيحل به عقد الإصرار، ويندم معه على ما سلف من الأوْزار، فإذا الاستِغفار ترجمة التوبة، وعبارة عنها؛ ولذلك قال: « » قيل: هو الذي يتكرَّر منه الذَّنب والتَّوبة، فكلَّما وقع في الذَّنب عاد إلى التَّوبة، وأمَّا من قال بلسانه: أستغفر الله وقلبه مصرّ على معصيته، فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبار؛ إذ لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، وفائدة هذا الحديث: أنَّ العود إلى الذَّنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنَّه انضاف إلى الذَّنب نقض التَّوبة، فالعود إلى التَّوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنَّها انضاف إليها ملازمة الإلْحاح بباب الكريم، وأنَّه لا غافر للذُّنوب سواه". اهـ.
وروى التِّرْمذي عن أبي بكر الصِّديق - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: « ».
وروى الحاكم والطَّبراني في "الكبير" عن عُقبة بنِ عامر: أنَّ رجُلاً أتى النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال :يا رسولَ الله، أحدُنا يُذنب، قال: « »، قال: ثمَّ يستغفرُ منه، قال: « »، قال: فيعود فيذنب، قال: « »، قال: ثمَّ يستغفر منه ويتوب، قال: « ».
وأخرج أحمد في "الزُّهد" عن الحسن أنَّه قال: "ما أرى هذا إلاَّ من أخلاق المؤمنين"؛ يعني: أنَّ المؤمن كلَّما أذنب تاب.
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": "ومعنى هذا: أنَّ العبدَ لا بُدَّ أنْ يفعل ما قُدِّرَ عليه من الذنوب؛ كما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « »)، ولكنَّ الله جعل للعبد مخرجًا ممَّا وقع فيه من الذنوب بالتَّوبة والاستغفار، فإنْ فعل فقد تخلَّص من شرِّ الذنب، وإنْ أصرَّ على الذنب هلك". اهـ.
قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" في معرض كلامه على مكفِّرات الذنوب: "... فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية؛ فإنَّه - تعالى - يحب التوَّابين ويحب المتطهِّرين، وهو يبدل بالتَّوبة السيئات حسنات، والذَّنب مع التَّوبة يوجب لصاحبِه من العبوديَّة والخشوع، والتَّواضُع والدعاء وغير ذلك - ما لم يكن يَحصل قبل ذلك؛ ولهذا قال طائفة من السَّلف: إنَّ العبد ليفعل الذَّنب فيدخل به الجنَّة، ويفعل الحسنة فيدخل بها النار؛ يفعل الذنب فلا يزال نصْب عينيه، إذا ذكره تاب إلى الله ودعاه وخشع له، فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة، فيُعْجب بِها، فيدخل النَّار.
وفي الأثر: « »، وفي أثر آخر: « » ))، وفي أثر آخر يقول الله - تعالى -: « »، والتَّائب حبيب الله، سواءٌ كان شابًّا أم شيخًا.
السَّبب الثَّاني: الاستِغْفار؛ فإنَّ الاستغفار هو طلب المغفِرة، وهو من جنس الدُّعاء والسؤال، وهو مقرونٌ بالتَّوبة في الغالب ومأمور به؛ لكن قد يتوب الإنسان ولا يدْعو، وقد يدْعو ولا يتوب، والتَّوبة تَمحو جَميع السيِّئات، وليس شيءٌ يَغفر جَميع الذُّنوب إلاَّ التَّوبة، فإنَّ الله لا يغفِر أن يُشْرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأمَّا التَّوبة فإنَّه قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وهذه لِمن تاب؛ ولهذا قال: لا تقنطوا من رحمة الله بل توبوا إليْه، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]، وأمَّا الاستِغفار بدون التَّوبة فهذا لا يستلزم المغفِرة؛ ولكن هو سبب من الأسباب.
السَّبب الثالث: الأعمال الصَّالحة؛ فإنَّ الله - تعالى - يقول: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لمعاذ بن جبل يوصيه: « ».
وفي الصَّحيح عنه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه قال: « »؛ أخرجاه في الصَّحيحين.
وفي الصَّحيح عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: « »، وقال: « »، وقال: « » قالوا: لا، قال: « »، وهذا كلُّه في الصَّحيح، وقال: « »؛ رواه الترمذي وصحَّحه.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [الصف: 10 - 12].
وفي الصَّحيح: « »، وفي الصَّحيح: « »، ومثل هذه النصوص كثيرٌ، وشرح هذه الأحاديث يَحتاج إلى بسطٍ كثير.
فإنَّ الإنسان قد يقول إذا كفّر عني بالصَّلوات الخمْس، فأي شيء تكفِّر عني الجمعة أو رمضان؟ وكذلك صوم يوم عرفة وعاشوراء؟ وبعض النَّاس يجيب عن هذا بأنَّه يُكتب لهم درجات إذا لم تجد ما تكفِّره من السيئات، فيقال: أوَّلاً العمل الَّذي يمحو الله به الخطايا ويكفِّر به السيِّئات هو العمل المقبول، والله - تعالى - إنَّما يتقبَّل من المتَّقين، والسَّلف والأئمَّة يقولون: لا يتقبَّل إلاَّ ممَّن اتَّقاه في ذلك العمل، ففعله كما أُمر به خالصًا لوجْه الله تعالى.
قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود: 7]، قال: أخْلَصُه وأصوبُه، قيل: يا أبا علي، ما أخلَصُه وأصوبه؟ قال: إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا، لَم يُقْبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكُن خالصًا، لم يُقْبَل، حتَّى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أنْ يكون لله، والصَّواب أن يكون على السنَّة".
أمَّا السُّؤال الثَّاني، فقد سبق الجواب عليْه في الفتويين: "الخشوع في الصلاة حكمه وأسبابه"، "عدم الخشوع في الصلاة"،،
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: