حكم الانتفاع بالمال الزائد من حبسه في المجلس الحسبي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
فضيلة الشيخ: كلَّ عامٍ أنتم بخير، وبلغنا الله وإياكم رمضان، وجعلنا من الفائزين فيه المقبولين - بإذن الله.
أحسن الله إليكم أرجو من فضيلتكم إجابة مفصلة على كل نقطة في هذا السؤال للأهمية، وجزاكم الله خيرًا.
السؤال:
تُوفِّي أبٌ وترك طفلة عمرُها 8 سنوات، وكان للأب مبلغُ تأمينٍ إجباريٍّ بالعمل، قيمته (2000 جنيه)، وقد أُدخل هذا المبلغ المجلسَ الحِسبي التابع للدولة (المسئول عن مال اليتيمة)؛ لأن الطفلة كانت تحت وصاية والدتها، ولا يُصرف لها هذا المبلغ حتى تكبُر الطفلة، وتبلغ 21 سنة.
وقام المجلس بعمل شهادة استثمار ذاتِ فوائدَ ثابتةٍ بالمبلغ.
وقد حاولت والدة الطفلة صرف المبلغ، خلال تلك السنوات؛ للاستفادة منه لطفلتها، لكن تم الرفض من قبل المجلس.
و- الآنَ - كبرت الفتاة، وأرادت أخذ المبلغ، فوجدته أصبح: (6500 جنيه فصرفته)، وحصلت على المبلغ كاملًا.
لكن البعض يقول: لها تخلصي من الفوائد: (4500 جنيه)؛ لأنها ربا محرم، والبعض الآخر يقول لها: هذا المال حلالٌ لك؛ لأنك لم تضعيه في شهادات الاستثمار بإرادتك؛ فيكون الإثم على المجلس الحسبي، ولأنك لو كنت صرفت الـ (2000 جنيه) حينَها، كانت ستكون ذات قيمة جيدة، أما الآنَ فقيمتُها أقلُّ بكثير.
الأسئلة:
1- ما حكم هذه الزيادة على المبلغ؟ وهل يصح للفتاة قبولُها واستخدامها؟
وإذا كان هذا المال ربا محرمًا، فهناك استفسارات:
2 - الفتاة قد صرفت منها جزءًا فهل عليها رده؟
3 - هل يصح أن تدفعها في إصلاح سلم البناية التي تسكن بها والدتها، حيث إن الوالدة لا تملك مالًا لإصلاحه؟
4 - إذا أصرت الفتاة على استخدام هذه الفائدة؛ لاقتناعها برأي من قال لها: إنه حلال، فهل يحق لزوجها الذي لم يدخل بها بعدُ أن يُجبرها على عدم استخدامه، إذا كان هو ممن يرى عدم جوازه؟
5 - نصيحةً للفتاة؛ حتى تترك المال بسماحة نفس.
وجزاكم الله خيرًا، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال - كما تقول - أن المجلس الحسبي اشترى بمال الفتاة شهادة استثمار، فلا يجوز لها الانتفاع بالفوائد الزائدة على أصل المال؛ لأن شهادات الاستثمار تخضع لنظام القروض، وهي عبارة عن صكٍّ يُثبت حق المودِع في ماله لدى المصرف، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع، كلُّها من ربا الديون المُجمَع على تحريمه:
الأول بالمجموعة (أ): الشهادات ذات القيمة المتزايدة ومدتها عشر سنوات، وتُستحق فوائدها كلَّ ستة أشهر، ولا يحصل صاحب الشهادة عليها، وإنما تضاف لقيمة الشهادة إلى أن تنتهي مدتُها، ويَحق لصاحب الشهادة استردادُ قيمتِها بعد مُضِي خمسة أشهر، وإذا تركها إلى نهاية المدة، فإنه يأخذها مضافًا إليها الفوائدُ المركبةُ التي استُحقت على هذه الشهادة.
الثاني بالمجموعة (ب): شهاداتٌ ذاتُ عائدٍ جارٍ، يصرفها صاحبها كلَّ ستة أشهر، مع بقاء قيمة الشهادة ثابتةً إلى نهاية مدتها، وهي عشر سنوات أيضًا.
الثالث بالمجموعة (ج): شهادات ذات جوائز، وقيمتُها منخفضة، ولا يَحصل صاحبها على فوائدَ دوريةٍ، ولا في نهاية مدة العشر سنين، وإنما تُحتَسب الفائدة المستحقة على جملة رصيد المدخرات لمجموع هذه الفوائد الموظفة، بما يُتداول لدى الأشخاص، ثم يَجرِي سحبٌ بالقرعة على أرقام الشهادات، ويُصرف لأصحاب الشهادات الفائزة جوائز كبيرة، ولذلك؛ نص العلماء المعاصرون على أن المجموعة (ج) تدخل في الميسر المحرم، مع اشتمالها على الربا أيضًا.
والظاهر: أن المجلس الحسبي قد اشترى شهادات الاستثمار بالمجموعة (أ)، وعليه؛ فالواجب على تلك الأخت أن تتخلص من الفوائد الربوية المترتبة على هذا المال، وعدمُ الانتفاع بها، وإنفاقُها في مصالح المسلمين؛ لأن الفوائد الربوية مالٌ محرمٌ لا يحل لمكتسبه تملُّكه، ولا تأخذُ إلا أصل المال فقط (2000) جنيهًا، ولكون المجلس الحسبي هو من فعل هذا، يرفع عنها المؤاخذة والإثم فقط، ولكن لا يحل لها الربا.
وقد سبق أن بينا أن الفوائد التي تعطيها البنوك التجارية (الربوية) لعملائها، هي عين الربا المحرم بالنص والإجماع في الفتاوى: "حكم الفوائد المصرفية"، "وضع النيابة الحسبية أموال القُصَّر في المصارف الربوية".
أما ما أخذته الفتاة من تلك الفوائد الربوية، فالواجب رده ووضعه في مصالح المسلمين.
وأما إصلاح سلم بيت أمها من تلك الفوائد الربوية، فلا يجوز؛ لأنها سترث أمها لو توفيت قبلها, فتكون آكلة للربا.
أما حق زوج الفتاة في إجبارها على عدم استخدام الفوائد الربوية، فذلك له شرعًا، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة ظاهرة، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
وما ننصح به تلك الأخت أن تتقيَ الله - تعالى - وتبتعد عن أكل الربا؛ لئلا تعرض نفسها لسخط الله - تعالى - فقد قال - تعالى -: ا {لَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} إلى قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: الآيات: 275 - 279].
فالواجب على العاقل الناصح لنفسه ترك الربا بعد هذا الإنذار: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: بما شرع الله من تحريم الربا، وفي تلك الآيات، تهديد شديد، ووعيد أكيد، لمن أقدم على تعاطي الربا بعد الإنذار؛ قال ابن عباس: "يقال - يوم القيامة - لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب. ثم قرأ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}".
ولتحذري - رعاكِ الله - فنحن نرى حرب الله - تعالى - لآكلي الربا واقعةً وقائمةً ومسلطةً عليهم؛ نعوذ بالله من سخطه وعقابه، والحمد لله رب العالمين.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: