الاستفادة من العلماء المتقدمين
من برنامج فتاوى نور على الدرب، الحلقة الحادية والستون 21/12/1432هـ
ما هي الطريقة المثلى للاستفادة من المتقدمين من أهل العلم في شتى الفنون والعلوم؟ وهل هم الأصل في التتلمذ والتعلم؟
نعم الأقدمون هم الأصل في كل فن، لكن بالنسبة لطالب علم متمكن يستطيع أن يستفيد من كلامهم، أما بالنسبة لطالب علم لا يفهم أقوالهم ولا اصطلاحاتهم فمثل هذا لابد أن يتدرج في الفنون على الجادة التي رسمها أهل العلم في طريقتهم في تأليف المختصرات والمتون، فإذا لزم الجادة وترقّى وتدرّج في أي فن من الفنون فإنه يترك كتب المتأخرين، وتكون عنايته بكتب المتقدمين؛ لأنهم الأصل.
وقد أُثير قبل نصف قرن أو أكثر عدم الاهتمام بكتب المتأخرين، فبدؤوا بكتب البلاغة ونعوا على من يعتني بكتب القزويني مثل (التلخيص)؛ لأن الناس فتنوا به، وكُتِب عليه الشروح الكثيرة والحواشي المطولة، واعتنى به الناس قراءة وإقراءً، وقرروه في دروسهم، وصار عمدة في الباب، فجاء من يقلل من شأن هذا المتن ويُلزم بالاهتمام بكلام المتقدمين في هذا الباب كما في كتب عبد القاهر الجرجاني، وما كتبه المتقدمون من العناية بكتب الأدباء المتقدمين كالجاحظ وغيره.
لكن الطالب المبتدئ ماذا يدرك من كتب المتقدمين في كلام عام سائب؟ نعم عليه أن يؤسس على طريقة أهل العلم في المتون التي تبين له التصور الدقيق لهذا العلم في جملته وفي أبوابه، فلابد أن يكون لدى طالب العلم تصوّر دقيق للعلم على طريقة المتون، ثم بعد ذلك إذا تأهل للنظر في كتب المتقدمين واستطاع أن يحاكيهم في أساليبهم تعيَّن عليه ذلك.
ثم بعد ذلك جاءت الدعوة إلى نبذ أقوال الفقهاء وكتب الفقه إلى التفقه من الكتاب والسنة، والرمي بمثل هذا الكلام في أوساط المبتدئين، ولا يمكن أن يقال لطالب مبتدئ: تفقه من الكتاب والسنة، وهو لا يستطيع أن يتعامل مع نصوص الكتاب والسنة، ولا يعرف كيف يجمع بين المختلف، ولا يستطيع أن يوفق بين الأحاديث والآيات أو الآيات مع الأحاديث إذا حصل بينها نوع تعارض في الظاهر، ولا يعرف الناسخ من المنسوخ، ولا الخاص من العام، ولا المطلق من المقيد، كيف يتعامل مع النصوص؟! هذا عليه أن يبدأ التعلم في هذا الفن على طريقة أهل العلم في متن من المتون المعتبرة في بلده، ثم بعد ذلك يعتني بالدليل، ويعتني بمسائل الكتاب ويستدل لها، وينظر من وافق ومن خالف مع دليل الموافق والمخالف، ثم بعد ذلك يتأهل للاجتهاد، ثم يتفقه من الكتاب والسنة، ويحسن توجيه هذا الكلام له، بل يتعين عليه أن يتفقه من الكتاب والسنة ولا يجوز له أن يقلِّد إذا تأهل للاجتهاد.
ثم جاءت الدعوة إلى نبذ كلام المتأخرين في علوم الحديث والاهتمام بكلام المتقدمين، وهذه لا شك أنها دعوة لها حظ من النظر، والقائمون عليها مثل من قام على الدعوات السابقة في الفقه والبلاغة لا يُظَن بهم إلا كل خير، لكن الكلام فيمن يُلقى إليه مثل هذا الكلام، إذا أراد أن يتعامل مع أقوال المتقدمين في علوم الحديث –مثلاً- مَن يقلد من المتقدمين وهو ليست لديه أهلية وليست لديه ملكة يستطيع من خلالها أن يميِّز بين أقوال المتقدمين ما الراجح وما المرجوح منها؟ وكيف يستطيع أن يرجِّح بالقرائن كما كانوا يصنعون؟
والله المستعان.
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
- التصنيف:
- المصدر: