لا تطلق الزوجة لأن أمها فاسقة

منذ 2018-07-06

لهذا قررت ان انفصل عن زوجتي خاصة انها تطلب مني ان ازور امها وهي تزورني لكني لم اقبل ذلك لفساد اخلاقها مع العلم اني لم اصارح زوجتي في هذا الامر الخاص بامها.

السؤال:

السلام عليكم،

انا متزوج منذ سنة ونصف. خلال هذه السنة عشت مشاكل كتيرة لان ام الزوجة تتدخل في حياتنا كتيرا. وزوجتي لا تستطيع مقوامة امها مع العلم ان اب زوجتي متوفي. الان زوجتي حاملة. مؤخرا اتصلت بي سيدة تقول ان ام زوجتي على علاقة غير شرعية مع زوج هذه السيدة و اعطتني بعض الدلائل التي تتبث ذلك.

انا على خلاف دائم مع زوجتي وكنت صابرا لكونها حامل. لكن بعد ان عرفت ان امها فاسقة و يمكن ان تضبط مع ذلك الشخص مما سيسيء لنا جميعا. لهذا قررت ان انفصل عن زوجتي خاصة انها تطلب مني ان ازور امها وهي تزورني لكني لم اقبل ذلك لفساد اخلاقها مع العلم اني لم اصارح زوجتي في هذا الامر الخاص بامها.

افيدوني جزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فما ذكره الأخ السائل من خوف أن يلحقه العار بسبب فسق أم زوجته ليس مسوغًا للطلاق وهدم البيت، كما أنه لا يمكننا شرعًا الحكم على أم زوجته بالزنا بمجرد مكالمة تليفونية من امرأة قد تكون كاذبة، وعلى فرض أنها صادقة فلا سبيل لتصديقها حتى تأتي بأربعة شهود عدول، كلهم يشهدون أنه رأى عملية الجماع بعينه؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، وقال صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية لما قذف امرأته بالزنا : «البينة وإلا حد في ظهرك»، وفي رواية: {أربعة شهداء وإلا حد في ظهرك}؛ رواه أبو داود والنسائى.

وروى  الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 153)، عن أبى عثمان النهدى قال: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة، فتغير لون عمر، ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر، ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر، حتى عرفنا ذلك فيه وأنكر لذل، وجاء آخر يحرك بيديه فقال: ما عندك يا سلخ العقاب؟! وصاح أبو عثمان صيحة تشبه بها صيحة عمر، حتى كربت أن يغشى علي، قال: رأيت أمرًا قبيحًا، قال: "الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأمة محمد، فأمر بأولئك النفر فجلدوا"، وفي رواية ابن أبى شيبة فقال له عمر: رجل لن يشهد إن شاء الله إلإ بحق قال: رأيت انبهارًا، ومجلسًا سيئًا، فقال عمر: هل رأيت المرود دخل المكحلة؟ قال: لا، قال: فأمر بهم فجلدوا" قال في إرواء الغليل (8/ 29):"وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين".

وأيضا فإن تحميل الابنة ذنب أمها، وأخذها به ليس عدلاً؛ فالله تعالى أعلمنا أن من كسب سيئة فإن عقوبتها الدنيوية والأخروية على نفسه، لا تتعداها إلى غيره، فكل عليه وزر نفسه، ولا يغني أحد عن أحد شيئًا؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وقال: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].

أمر آخر وهو أن الله سبحانه وتعالى ندب الأزواج إلى إمساك زوجاتهم ولو على كره؛ ليتمكن الزوجان من تحقيق مقاصد الزواج، ولا يتصور هذا إلا بشعور الزوجين بالاستقرار والأمان، قال سبحانه وتعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، "وهذه اللمسة الأخيرة في الآية تعلق النفس بالله، وتُهدئ من فورة الغضب، وتفثأ من حدة الكره، حتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء، وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح.

 فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى، العروة الدائمة، العروة التي تربط بين قلب المؤمن وربه، وهي أوثق العرى وأبقاها.

والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكناً وأمناً وسلاماً، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنساً، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب- هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، كي يستأني بعقدة الزوجية فلا تفصم لأول خاطر، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها، فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك؛

وما أعظم قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل أراد أن يطلق زوجه؛ لأنه لا يحبها- "ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟! فأين الرعاية وأين التذمم؟"، قاله صاحب الظلال (1/606).

إذا تقرر هذا ظهر أن التفكير بالطلاق لا يصلح أن يكون حلاً أوليًّ للمشكلة، إنما هو آخر الحلول، فالله تعالى إنما شرعه للحاجة والضرورة، وعند استحالت العشرة بالكلية، وفشل محاولات الإصلاح بين الزوجين، ورغب أحدهما أو كلاهما عن إكمال الحياة؛ بسبب عدم الميل أو الكره، أو أن الحياة غير مستطاعة، أو غير ذلك، فلابد حينئذ من الانفصال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : في "الفتاوى الكبرى"(3/ 287):

"والطلاق في الأصل مما يبغضه، وهو أبغض الحلال إلى الله، وإنما أباح منه ما يحتاج إليه الناس كما تباح المحرمات للحاجة- فلهذا حرمها بعد الطلقة الثالثة حتى تنكح زوجًا غيره عقوبة له، لينتهي الإنسان عن إكثار الطلاق. فإذا طلقها لم تزل في العدة متربصة ثلاثة قروء، وهو مالك لها يرثها وترثه، وليس له فائدة في تعجيل الطلاق قبل وقته؛ كما لا فائدة في مسابقة الإمام". اهـ.

والذي يظهر من رسالتك أن أم زوجتك تسبب لكما بعض المتاعب، وهذا الأمر يسهل تجاوزه بالتفاهم مع زوجتك بالحوار والكلام الهادئ، والرغبة الصادقة منكما في الحفاظ على الأسرة الوليدة،، والله أعلم.  

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام