أتوب وأعود
علقت بي عادة مشاهدة مالا يرضي الله وكلما فعلتها ندمت وتبت ولكن ايام واعود اليها
السلام عليكم
انا شاب متدين صالح والحمد لله وغيرتي على الدين عظيمة اصلي المكتوبات والسنن واحفظ من كلام الله لكن وا أسفاه قد علقت بي عادة مشاهدة ما لا يرضي الله وكلما فعلتها ندمت وتبت ولكن ايام واعود اليها مع العلم ان بكائي ومناجاتي لله وتضرعي اليه كبير ولكن لا اعلم ما الخطأ فان كان فيما علمكم الله خير فاعونني وما حكمي امام ربي الذي ادعوه ان يهديني ولكنه لا يجيبني
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا شك أن الرجوع عن التوبة المرة بعد الأخرى دليل على خلل فيها؛ لأن الله تعالى جواد كريم شكور، فلا يرد تائب ولا مستغفر، فكل من اجتهد في وتاب توبة صادقة فالله تعالى يقبل توبته، ويغفِر ذنبه، وقد ظهر من رسالتك على عدة أخطاء أظنها هي سبب العودة للذنب المرة بعد الأخرى، وسأبينها لك لتتوقى الوقوع فيها:
ومن ذلك قولك: "... ربي الذي ادعوه ان يهديني ولكنه لا يجيبني"
فأول ما يجب عليك هو معرفة شأن العبد الفقير الضعيف، وشأن الرب سبحانه الغني القوي، فعليك أن تدعوه ولا تستعجله، فهو سبحانه يقدِّر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم، فالدعاء إخلاص القلب لله، والثقة بالاستجابة مع عدم اقتراح صورة معينة لها، أو تخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس من أدب السؤال، فالدعاء ليس صفقة بين شارٍ وبائع، وإنما هو محض توفيق من الله، والاستجابة فضل آخر منه كما وكان عمر - رضي الله عنه وأرضاه - من فقهه بكتاب الله يقول: "أنا لا أَحْمِلُ هَمَّ الإجابة، لَكِنْ أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعاء".
فالثمرة الأخيرة هي الاستجابة، وهناكَ موانعَ وحواجبَ تحجُبُ وصولَ الدُّعاء واستجابته، يجب انتفاؤها عن الدَّاعي وعن الدُّعاء، فمتى تحقَّق ذلك؛ تحقَّقتِ الإجابةُ.
ومن موانع الإجابة عدم التَّوبة من جميع المعاصي، والرجوع إلى الله تعالى؛ فإنَّ المعاصيَ من الأسباب الرئيسة لحَجْبِ الدُّعاء؛ فينبغي للدَّاعي أن يُبَادر للتَّوبة والاستغفار قبل دعائه؛ قال اللهُ - عزَّ وجلَّ - على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [نوح: 10 - 12]، ومن أعظم الذنوب تلك الباطنةُ داخل النَّفْس؛ قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام : 120].
ومنها: استعجال الإجابة والاستحسار بتَرْك الدُّعاء؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لم يَعْجَلْ، يقول: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي»؛ متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل»، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: «قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
ومنها عدم حضور القلب أو ضعف الدعاء كما روى الإمامُ أحمد عن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «إذا سألتم الله - عزَّ وجلَّ، أيُّها النَّاس - فاسألوه وأنتُم موقِنون بالإجابة، فإنَّ الله لا يَستجيب لعبدٍ دعاهُ عن ظهر قلب غافل»، وفي لفظٍ للتِّرمذي من حديث أبي هريرة: «ادْعوا الله وأنتم مُوقنون بالإِجابة، واعْلموا أنَّ الله لا يَستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاه».
ومن بديع ما قال الإمام ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - في كتابه "الدَّاءُ والدَّواءُ": "والأدعيةُ والتَّعوُّذاتُ بمنزلة السِّلاح، والسِّلاحُ بضارِبِهِ، لا بِحَدِّهِ فقط. فمتى كان السِّلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفةَ به، والسَّاعِدُ سَاعِدٌ قويٌّ، والمانعُ مفقودٌ؛ حَصَلَتْ به النِّكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثيرُ".
أما الخطأ الثاني عدم تحقيق أحد شروط التوبة، وهو السبب الرئيسي في الرجوع إلى الذنب، أعني أخذ الوسائل والتدابير من عدم تكرار الذنب، وتأمل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يقول في مجموع الفتاوى (16/ 58):
"فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب فهذه التوبة النصوح وهي واجبة بما أمر الله تعالى؛ ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى ثم إذا عاد استحق العقوبة فإن تاب تاب الله عليه أيضا. ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصر؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب العبد المفتن التواب»، وفي حديث آخر: «لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار»، وفي حديث آخر: «ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة»".
وأما الخطأ الأخير فهو قولك: "انا شاب متدين صالح والحمد لله وغيرتي على الدين عظيمة..."، وقد قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]،
أي: لا تخبروا بزكاتها وتقولوا: نحن زاكون صالحون متقون، ولهذا قال عقيب ذلك: {هُوَ أَعْلُم بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] .
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49]، أى يعتقدون زكاءها ويخبرون به، وقد أضرب الله على كلامهم وأخبر أنه هو الذي يجعله زاكيًا.
وما أحسن ما قال الحسن البصري: عملوا والله بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانًا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنًا.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: