خطوات عملية لترْك العادة السرية
أنا طالب في الثانوية العامة في مصر، وأفعل العادة السرية، وكلما حاولت التوبة أفعلها ثانية، فماذا أفعل؟
أنا طالب في الثانوية العامة في مصر، وأفعل العادة السرية، وكلما حاولت التوبة أفعلها ثانية، فماذا أفعل؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالإنسانُ ما دام يعيش في الحياة الدنيا فإنه لا ينفك عن الوُقُوع في المعاصي، ولكن يجب عليه أن أذنب ألا يصرّ على المعصية، وأن يتوب ويستغفر كلما عاد للذنب، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم: 8].
فالإصرار على المعاصي، ومنها تلك العادة المحرمة له سببان: الغفلة، الشهوة، ولكل واحدٍ منهما علاج ناجع يقطع مادتها.
فالغفلةُ، دواؤُها العلم والتذكُّر الدائم للوعيد الشديد الوارد في القرآن الكريم والسنة في حق المذنبين في الدنيا والآخرة، فقد يُعجِّل الله لأهل المعاصي ألوانًا من العقوبة في الدنيا؛ كما صحَّ عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ العبدَ ليُحرم الرزق في الدنيا بالذنب يُصيبه»؛ رواه ابن ماجه.
وأمَّا الشهوة، فدواؤها الابتعاد عن الأسباب المهيجة والمغرية للمعصية، وتجنُّب مواطنها، واستحضار المخوفات الواردة فيها، والآثار الوخيمة المترتِّبة عليها، ولا شك أنَّ العبدَ إذا تَوَجَّه إلى ربِّه بنيَّة صحيحة وقلب مخلص، فإنه - تعالى بفَضْله وكرَمه - يُعينه على قصْده الحسَن، ويهديه إلى الطريق المستقيم، ويهَيئ له أسباب التوبة؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والمجاهِد مَن جاهَد نفسه في طاعة الله، والمهاجر مَن هجر الخطايا والذنوب»؛ رواه أحمد.
قال ابن القيِّم في "زاد المعاد" (4 / 185):
مِن أعظم أدوائه - أي: القلب -: الشِّرك والذنوب والغفْلة، والاستهانة بمحابِّه ومراضيه، وترْك التفويض إليه، وقلَّة الاعتماد عليه، والركون إلى ما سواه، والسخط بمقدُوره، والشك في وعْدِه ووعِيده.
وإذا تأمَّلْت أمراض القلب، وجدْتَ هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها لا سبب لها سواها، فدواؤُه الذي لا دواء له سواه ما تضمنتْه هذه العلاجات النبوية من الأمور المضادة لهذه الأدواء، فإنَّ المرَض يزال بالضد، والصحة تحفظ بالمثْل، فصحتُه تحفظ بهذه الأُمُور النبوية، وأمراضه بأضدادها.
فالتوحيدُ: يفتح للعبد بابَ الخير والسرور، واللَّذة والفرَح والابتهاج، والتوبةُ استفراغ للأخلاط والمواد الفاسدة التي هي سبب أسقامه، وحمية له منَ التخليط، فهي تُغلق عنه باب الشرور، فيفتح له باب السعادة والخير بالتوحيد، ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار.
قال بعض المتقدِّمين من أئمة الطِّب: مَن أراد عافية الجسم، فليقلِّل من الطعام والشراب، ومَن أراد عافية القلب فليترك الآثام، وقال ثابت بن قرة: راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة الروح في قلة الآثام، وراحة اللسان في قلة الكلام.
والذنوب للقلب بمنزلة السموم، إنْ لَم تهلكه أضعفتْه ولا بُدَّ، وإذا ضعفتْ قوته لَم يقدر على مقاومة الأمراض، قال طبيب القلوب عبدالله بن المبارَك:
رَأَيْتَ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُــوبِ وَخَيرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيانُــهَا
فالهوى أكبر أدوائها، ومخالفته أعظم أدويتها، والنفس في الأصل خُلقتْ جاهلة ظالمة، فهي لجهلها تظن شفاءها في اتِّباع هواها، وإنما فيه تلفها وعطبها، ولظلمها لا تقبل من الطبيب الناصح، بل تضع الداء موضع الدواء فتعتمده، وتضع الدواء موضع الداء فتجتنبه، فيتولد من بين إيثارها للداء واجتنابها للدواء أنواعٌ منَ الأسقام والعِلل التي تعيي الأطباء، ويتعذر معها الشفاء، والمصيبة العظمى أنها تركب ذلك على القدر، فتبرئ نفسها وتلوم ربها بلسان الحال دائمًا، ويقوى اللوم حتى يصَرِّح به اللِّسان.
وإذا وصل العليل إلى هذه الحال، فلا يطمع في بُرئه إلا أن تتداركه رحمة مِن ربِّه، فيحييه حياة جديدة، ويرزقه طريقة حميدة".
ومما يعينك على ترْك تلك العادة أمور:
منها: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (16/ 58):
"فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب فهذه التوبة النصوح وهي واجبة بما أمر الله تعالى؛ ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى ثم إذا عاد استحق العقوبة فإن تاب تاب الله عليه أيضا. ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصر؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب العبد المفتن التواب»، وفي حديث آخر: «لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار»، وفي حديث آخر: «ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة»".
منها: احرص أن تكون في الدنيا بين رفيقين العلم والعقل، فمن اتبع العقل سلم؛ ومن وقف على موجب الحس هلك؛ لأن خاصة العقل النظر في العواقب والحذر من آفات التأخير، ويخشى هجوم الموت ولم تحصل التوبة، ويخشى ما يعقب المعصية من الهم والغم، والخوف والحزن، وضيق الصدر وأمراض القلب، حتى إن بعضهم يفعلها بعد ذلك دفعًا لما يجده في صدره من الضِّيق والهم والغم؛ كما قيل:
وَكَأْسٌ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
قال الإمام ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص: 378)
"متى تكامل العقل؛ فقدت لذة الدنيا، فتضاءل الجسم، وقوي السقم، واشتد الحزن؛ لأن العقل كلما تلمح العواقب، أعرض عن الدنيا، والتفت إلى ما تلمح، ولا لذة عنده بشيءٍ من العاجل، وإنما يلتذ أهل الغفلة عن الآخرة، ولا غفلة لكامل العقل، ولهذا لا يقدر على مخالطة الخلق؛ لأنهم كأنهم من غير جنسه، كما قال الشاعر:
ما في الديار أخو وجدٍ نطارحه ... حديث نجدٍ ولا خل نجاريْهِ".
وقال (ص: 486):
"إنما فضل العقل بتأمل العواقب؛ فأما القليل العقل؛ فإنه يرى الحال الحاضرة، ولا ينظر إلى عاقبتها، فإن اللص يرى أخذ المال، وينسى قطع اليد! والبطال يرى لذة الراحة، وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال، فإذا كبر فسئل عن علم؛ لم يدر، وإذا احتاج، سأل؛ فذل، فقد أربى ما حصل له من التأسف على لذة البطالة، ثم يفوته ثواب الآخرة بترك العمل في الدنيا. وكذلك شارب الخمر، يلتذ تلك الساعة، وينسى ما يجني من الآفات في الدنيا والآخرة! وكذلك الزنا؛ فإن الإنسان يرى قضاء الشهوة، وينسى ما يجني من فضيحة الدنيا والحد".
ومنها: تذكُّر أن الذي يهجر السيئات، ويغض بصره، ويحفظ فرجه، وغيرها مما حرمه الله- يجعل الله له من النور والعلم، والقوة والعزة، ومحبة الله ورسوله، والنجاة في الدنيا والآخرة - ما الله به عليم، والنقيض بالنقيض.
ومنها: إدراك أن السيئات تهواها النفوس، ويزينها الشيطان، فتجتمع فيها الشبهات والشهوات، ومِن ثَم يجب حسْم مادة المعصية، وسد ذريعتها، ودفْع ما يفضي إليها.
ومنها: أن تعلم أن المعصية تصد عن ذكر الله، وتنسي الآخرة.
إذا تقرر هذا فاحذر من الاغترار بحلمه وكرمه، فكم قد استدرَج من عباده الغافلين، وأكثر من التضرع، وأكثر الصوم وهو وصية الصاد ق المصدوق،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: