محتارة بين الاستمرار فى حياتي التعيسة وطلب الطلاق ظلم لأبنائي

منذ 2019-03-03

فإن كانت حياتك الزوجية حقًا غير مستطاعة، وأنه لا بد من الانفصال، فحينئذ لا مفر من طلب الطلاق، فالله تعالى إنما شرع الطلاق عندما يفسد الحال، ويصير بقاء الزواج مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، فاقتضت حكم الله تعالى أن يشرع ما تزول به تلك المفسدة.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا متزوجة من ثمانية عشرة عاما وتعاستى وعنائي بدأ من عشر سنوات لذلك هختصر فى سؤالى من غير تفاصيل لانها طويلة تعاستى بدءت من يوم ما زوجى تعرف على زوجته الحالية { زوجته الثانية }وكانت على علاقة مع زوجى واستمرت خمس سنوات و واول ما ابتدت علاقتهم زوجى قرر هجرى تماما ولا اى علاقة كانت بتربطنا غير بغضه لى وسوء معاملتى واهانتى وضربى ومبقاش شايف غيرها فحياته وترك مسؤلية اولادى من مذاكرة وتربية وهو طوال اليوم معها ويرجع اخر الليل على النوم فغرفته المستقلة لكى يتحدث معها فى الهاتف طوال الليل ولا يبالى بمشاعرى وكسر قلبى هذا طوال خمس سنوات الاولى

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإن الله تعالى أباح الطلاق أحيانًا لأن الحاجة تدعو إليه؛ رحمة من الله بعباده، ولولا هذا لكان الدليل يقتضي تحريمه؛ كما دلت عليه الآثار والأصول؛ فإنه حين تجف القلوب، فلا تطيق هذه الصلة ولا يبقى في نفوس الزوجين ما تستقيم معه الحياة، فالتفرق إذن خير؛ لأن الإسلام لا يمسك الأزواج بالسلاسل والحبال، ولا بالقيود والأغلال، إنما يمسكهم بالمودة والرحمة أو بالواجب والتجمل، فإذا بلغ الحال ألا تبلغ وسائل الإصلاح كلها علاج القلوب المتنافرة، فإنه لا يحكم عليها أن تقيم في سجن من الكراهية والنفرة أو في رباط ظاهري وانفصام حقيقي، وقد نصّ على مثل هذا الإمام ابن القيم في كتابه فقال في "زاد المعاد"(5/ 219):

"قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي يفك بها المطلق الغل من عنقه، والقيد من رجله، فليس كل طلاق نقمة، بل من تمام نعمة الله على عباده أن مكنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج، والتخلص ممن لا يحبها ولا يلائمها، فلم ير للمتحابين مثل النكاح، ولا للمتباغضين مثل الطلاق". اهـ.

غير أن الله تعالى قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19]

هذه اللمسة الأخيرة في الآية، تعلق النفس بالله، وتهدئ من فورة الغضب، وتفثأ من حدة الكره حتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء، وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح، فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى، العروة الدائمة،  العروة التي تربط بين قلب المؤمن وربه، وهي أوثق العرى وأبقاها.

والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنًا وأمنًا وسلامًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسًا، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب..

هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} ..

كي يستأني بعقدة الزوجية فلا تفصم لأول خاطر، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك..

وما أعظم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أراد أن يطلق زوجه «لأنه لا يحبها»، «ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟! فأين الرعاية وأين التذمم؟».  قاله صاحب الظلال (1/ 605،606).

إذا تبين هذا، فإن كانت حياتك الزوجية حقًا غير مستطاعة، وأنه لا بد من الانفصال، فحينئذ لا مفر من طلب الطلاق، فالله تعالى إنما شرع الطلاق عندما يفسد الحال، ويصير بقاء الزواج مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، فاقتضت حكم الله تعالى أن يشرع ما تزول به تلك المفسدة،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام